الفضاء الأزرق  .. ياسمين أبو فخر

موحش جداً هذا التداعي المنهمر على صفحاته هنا وهناك كصرخات نجدة، بينما الجميع يمرون بصرخات بعضهم باسمين في صورهم السيلفي -غافلين أو متغافلين- عن أن خلف كل سطر ثمة عاطفةٌ بشرية تستوقف المارة، وتشرّع وحدتها على الملأ، مستجديةً أن ينقذها أحد ما بالاكتراث، قبل أن تُنحر، أو تنتحر…

موحش جداً هذا الفضاء الأزرق ..  بارد جداً ومقيت، وعابق بروائح نتنة تفوح من بين السطور، روائح كل ما هو متعفن في ذواتٍ مهملة، لفظتها الحياة عن شطآنها، فراحت تلقي بأنفسها على ضفاف مستعارة لعلها وإن بالخطأ، ترسو على برٍ ما، أو تغرق بين الغرقى…

موحش جداً، هذا الفضاء الأزرق .. يعيش الجميع فيه موهومين باكتظاظ المكان بهم، بينما كلّ جالس وحده في زنزانته، يهذي بلا توقف، لا يَسمع الطوفان الهاذي من حوله، وليس ثمة حوله من يسمعه…

موحش جداً هذا الفضاء الأزرق .. يشبه قوارير زجاجية مغلقة بإحكام وملقاة في بحر هادر، ملأى بمجانين يترنحون في قواريرهم بين أمواجه، مذعورين يلوحون طلباً للنجدة، يلمحون صرخات بعضهم من بعيد خلف الزجاج لكنهم لا يميزون فحواها، فيصرخون أكثر وهم يضربون على جدران قواريرهم بعجز أملاً في أن ينتشلهم أحد…

بينما الموج في الخارج عاتٍ جداً، والسماء بعيدة، لا تصلها من الأزل أصوات الغرقى والوحيدين….