رئيس التحرير

ًً” أن تكذب أكثر ”  الإصدار ” الجديد ” للحقيقة

|| Midline-news || – رئيس التحرير  ..

يتمحور واقع الصراعات في العالم ومنذ بداياتها في ساحق الزمان على جدلية منطقية عصيَّة على الحسم ، بسبب تمسك كل أصحاب منطق بصوابية منطقهم ، والسعي لتعميمه وفرضه على الأخر .

المنطق الأول وكان الاعتقاد أنه بديهي يقول : ” الحقُّ هو القوة ” ومن يمتلك الحق يمتلك القوة وبإمكانه الوقوف في وجه كل التحديات والتهديدات ، بل ومن المؤكد أنه سينتصر عليها .

المنطق الآخر الذي فرض نفسه يقول : ” القوةُ هي الحق ” ، ومن يمتلك القوة يستطيع ان يفرض الحقوق التي تناسبه وتخدم مصالحه وتدعم منطقه ، ومن المؤكد أنه سيينتصر في النهاية .

أصحاب المنطق الأول اعتقدوا أن إيمانهم وتسليمهم بالحق كفيلان بتحقيق انتصارهم ، وهم يعتقدون أن الله سيزودهم ” بجنود لا يَـرَوْها ” لإلحاق الهزيمة بالأخر ، اعتقادٌ كان له أكبر الاثر في دخول اصحابه مستنقع ” النوم في العسل ” ، وانتظار اولئك ” الجنود ” لتخليصهم مما ينتظرهم على أيدي اصحاب المنطق الثاني .

من يريد أن يمتلك القوة لا بد أن يبحث عن مكوناتها ودعائمها ، وعن الوسائل والأدوات التي تمكنه من الحصول على ما يريد ، وهو ما فعله أصحاب المنطق الثاني ، وبالتوازي عليهم العمل على تجريد الأول من مقومات قوته ، وتدمير قدراته ، لذلك كان سعيهم حثيثاً لزيادة مؤهلاتهم ومقدراتهم على كل الصُّعُد وفي كل المجالات ليكونوا متفوقين باشواطٍ عدة على من اعتقدوا أن التسليم بالــ ” ماورائيات ” كافٍ لمواجهة واقعٍ يزداد يوماً بعد يوم  قوةً ومكانةً وقدرةً على فرض ما يشاء من جغرافية جديدة ، وتاريخ مزوَّر ، ومفاهيم  مغلوطة ، وقيم بعيدة كل البعد عن معايير الحق والصواب .

وفي ظل التسارع الهائل في جميع مسارات الحياة وما يرافقها من مستلزمات تجاوزت في تطورها وحداثتها وتقنياتها الحدود المطلوبة للاحتياجات الأساسية والكافية ، لتتعداها إلى الرفاهية المفرطة ، فـالـبَـذَخ ثم الـبَــطَـر ، ولينساق العقل البشري خلف شياطين نفسه الأمارة بالسوء ، وشياطين العلم والتكنولوجيا لاستيلاد ما من شأنه القضاء على البشرية التي صنعته بمجرد إطلاق أمنية ، حقق أصحاب منطق ” القوة هي الحق ” إنجازات وفَّرت لهم الامكانيات والقدرات التي كرَّست في قرارة أنفسهم ، قدرتهم على اجتراع المعجزات ، وبالتالي قدرتهم على إعادة ترتيب المفاهيم والثوابت والقيم بالشكل الذي يعتقدون أنه الأنسب لاستمرار نهجهم وسياساتهم التي أثمرت اكثر مما كانوا يحلمون به ، وأكثر بكثير مما كان أصحاب منطق ” الحق هو القوة ” يخافون منه دون أن يتحسبوا له ، بل أسلموا أنفسهم لهرطقات التاريخ التي زرعها عدوهم وعمل على تنميتها ورعايتها لتكون بذور شقاق وتفكك تزيد من ضعفهم وتشتتهم .

في وقتنا الحالي ، ومنذ عقود قليلة سابقة ، توَّجتها السنين الست الاخيرة هي عمر الأزمة في سورية ، تتجلى وبكل فجور حقيقة أن منطق ” القوةُ هي الحق ” هو السائد في ذهنية وقرارات الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية ، وللأسف أن من دول منطقتنا من استنسخ هذه العقلية ، وأوغل في تطبيقها على أسس بنيته العامة ، التي تفتقد للأرضية القادرة على الثبات تحت ثقل هذا المنطق الذي يحمل اثقالاً وأوزاراً لابد أنها ستطيح به مهما حاول ان يُظهر من قوة .

المثير للرعب حقيقة هو ذلك المارد الذي هيأ لنفسه الأرض الصلبة التي بإمكانها تحمُّل نتائج ما يرتكبه ، ليترك للزمن أن يفرض على الشعوب والدول حتمية النسيان ، وأن يكون كفيلاً بطمس معالم ما تم ارتكابه من فظائع وجرائم وممارسات ، منطقٌ لديه من الوسائل ما يكفي لإثبات أن نظرية ” من لم تستطع أن تجعله يصدقك بكذبة صغيرة  ، يمكنك أن تجعله يصدقك بكذبة أكبر ” ، وليصبح شعار ” أن تكذب أكثر ” هو الإصدار ” الجديد ” للحقيقة  .     

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى