
نديم الأخرس … فراس الحركه
يعمل نديم حمالا في سوق الهال في حمص (سوق الخضار والفواكه) طويل القامة، مفتول العضلات برغم عمره آنذاك، قرابة الخمسين عاما.. يدق الأرض بقدميه حين يمشي، كأنه يقتلها!
يحدثني (بايماءاته) عن حياته، بطولاته، وعن قصص كثيرة حصلت معه.. وحين كنت أستغرب أحاديثه يأتي لي بصور فوتوغرافية له تثب قوله..
صورة يقف على رأسه باسطا يديه.. وأخرى يحتسي كوبا كبيرة من البيرة وحوله نساء جميلات.. يجر شاحنة صغيرة محملة بالخضار وحده.. يرفع بيمناه ويسراه فتاتين شبه عاريتين.. يأكل فخدة لحم ضان نيئة..
نديم سياسي مر، ومثقف بالفطرة..
يجيد قراءة وكتابة الأرقام والعمليات الحسابية.. ويرسم على كفه أسماء مهمة لديه، كأحرف اسمه وأسماء بعض المدن السورية، وقليل من المفردات العصية الشرح بالايماء..
كما أن باستطاعته رسم صورة فيروز ومارلين مونرو وتشي غيفارا وكأس العرق وامراة عارية؛ على ورق باستخدام قلم الرصاص! وكان يذهلني حين يرسم أشياء أخرى مهمة ومؤثرة سياسيا واجتماعيا ودينيا.، ويزورني في دكاني المتواضع في حارة متنوعة الأطياف، قبل التحاقي بالخدمة العسكرية..
نديم الأخرس
أظهر كرهه للأخوان ومايفعلونه.. يخلع بنطاله (بيجاما) ليريني أثر رصاصة خرقت عجيزته وحوضه ونجا.. ثم يروي لي بعد شفائة كيف قضى في إحدى أفرع الأمن شاهداً على الحادثة!
أظهر كرهه للأخوان ومايفعلونه.. يخلع بنطاله (بيجاما) ليريني أثر رصاصة خرقت عجيزته وحوضه ونجا.. ثم يروي لي بعد شفائة كيف قضى في إحدى أفرع الأمن شاهداً على الحادثة!
القصة الأظرف في دكاني وقتذاك.. حين كنا معا نجلس على مصطبة الدكان العالية نشرب المتة.. مر بنا أولا مجنون يدعى (ابو علي خريّا) ذهلت.. كيف يفهم مجنون على أخرس؟! ثم مر بنا مجنون آخر يدعي (كريمو)، لم يكن لدي شيء يوثق تلك الواقعة غيري، وجاري الذي أزعجته الاصوات الهستيرية العالية..
من منا استطاع توثيق حوادث مؤثرة وحساسة مرت في حياته، سوى الصدفة والحظ الجميل؟!
حوارات.. ايماءات.. ضحكات.. وكل واحد منهما يريدني شاهداً على كلامه، أي المجنونان. أما نديم فكان يغمزني بعينه، وينظر إلي بعينين سعيدتين، متفرسا حالي. لم ولن أنسى تلك الواقعة الهستيرية، وتلك العيون التي تنظرني!!
حدثته مرة كيف أعمل كاتبا وممثلا على المسرح، فاجأني نديم حينها، وروى لي قصته مع أداء تمثيلي صغير صار صدفة، حين كان سكرانا يمشي في أحياء دمشق، وأخذوه معهم، وأظهر صدقه بعد كثير من تقليب الصور.
في الصورة كان فارداً يديه للنافذة، وخلفه تفف الراحلة ملك سكر جامدة بثوب تلعب فيه ريح النافذة.
حدثني عما كان يشعر به وقت التصوير، وكم كان سعيداً.. ثم أجهش بالبكاء، وصار يلوح بيديه ويضرب على الأرض بقبضته! أهالني المشهد حتى بكيت.. ثم أخذني وضمني إلى صدره.. وبكينا.
كتبت قصة نديم ومشاعره مع تجربة الأداء التمثيلي بأمانة، كما رواها ورسمها على كفه، وعلى مصطبة الدكان. وأضفت عليها حرفة القص.
***
مات نديم الأخرس في غرفته بسلمية محترقا، لم يستطع أحد إنقاذه! كان يرفرف كالعصفور.. يضرب ويكسر ماحوله.. ثم همد يقرأ النار حوله.. حتى قضى!
***
***
مات نديم الأخرس في غرفته بسلمية محترقا، لم يستطع أحد إنقاذه! كان يرفرف كالعصفور.. يضرب ويكسر ماحوله.. ثم همد يقرأ النار حوله.. حتى قضى!
***
كلما تذكرته.. أرى نفسي أقلده في تلويحة الوداع، فارداً أصابع كفي اليمنى.. كمن يلوح للنار ليستجير بها!
.