إضاءاتالعناوين الرئيسية

الكواريل.. مراد داغوم

 

الكواريل.. مراد داغوم 

يبهرني الغناء الجماعي عندما يكون إنجازاً كاملاً. في الثمانينات حصلت على شريط كاسيت عليه بعض أعمال لفرقة عبد الحليم نويرة التي كانت بعمر لا يتجاوز السنوات العشر، وكان له نصيب كبير من الاستماع لدرجة أنه استطال زمنياً ونقصت فيه جودة التسجيل كثيراً.
الكواريل..
قبل ذلك، لم يكن للغناء الجماعي جمهور عربي واضح بسبب غياب الاهتمام، وندرة الفرق التي تقدمه، وإن وجدت فأغلب الأعمال متواضعة تنفيذاً واختياراً. بينما كان الغناء الجماعي الغربي يشدنا كثيراً في السبعينات ويبهرنا التنفيذ المثالي الكامل لأي عمل. كانت بعض الإذاعات مثل “مونت كارلو” و”صوت أميركا” و”إذاعة الشرق الأوسط من القاهرة” تبث أغنيات لفرق عالمية مثل Top Pops وThe Beatles وغيرها في الستينات ثم ABBA وBee Gees وPink Floyd وغيرها في السبعينات، أعمال تتميز بكونها مكتوبة أساساً للغناء الجماعي وليست إعادة توزيع لأعمال قديمة مفردة لتناسب الكورال. ومع ظهور محلات التسجيلات التي تقدم نوعية متفوقة من الموسيقا العالمية، مثل محل “خلدون البارودي” في حماة، وغيره في دمشق وحلب على نطاق أوسع وأكثر شمولاً، تعرفنا على فرق عالمية تعيد توزيع الأعمال الضاربة مثل Jams Last وPaul Mauriat و Franck Pourcel وRon Goodwin…

لكن واحدة من تلك الفرق كانت تقدم العمل مُغَنَّىً جماعياً بأسلوب متفوق في الذوق والجمال هي فرقة Ray Conniff. تستمع للتقديم الجديد، وتقارن مباشرة مع الأصل، فتقف في صف الجديد لأنه خدم العمل أكثر، توزيعاً وخيالاً ودقة. فهذا التوزيع الجديد مدروس بشكل مثالي، معتمداً علوم الموسيقا في كل علامة من اللحن وفي أي تفصيل صغير منه.

 

انتقلت عدوى الغناء الجماعي إلى الموسيقا العربية، وأبدع الرحابنة في تقديم أعمال مبهرة في هذا المجال، أعمال كُتبت خصيصاً له، مخدومة توزيعاً وتنفيذاً. بينما اقتصرت أعمال فرقة عبد الحليم نويرة على إعادة تقديم أعمال كلاسيكية عربية موشحات وطقاطيق لا مجال للمقارنة مع الأصل هنا لأنه أحياناً غير متوفر للسماع، أو أنه رديء التنفيذ والتسجيل معاً، أما عن “التوزيع الموسيقي” بمعناه المعروف فهو معدوم نهائياً، مجرد إعادة لعب للحن الميلودي الأساسي بأسلوب مختلف. تتالى بعد ذلك تشكيل فرق كورالية متعددة، مختلفة المستويات، متواضعة الإمكانيات الفنية، لكن جهل “الجمهور” وحتى القطاع العام المختص بأساسيات هذا النوع رفع من شأن بعض هذه الفرق إلى درجة جعلها قياسية.

عندما تريد تقديم عمل موسيقي سبق تقديمه، عليك أن تقدمه بشكل أفضل من الأصل، وإلا فما الحاجة لأن يسمعه الجمهور منك؟ إحدى الفرق في سوريا أمسكت التراث الرحباني العظيم وأشبعته تنكيلاً موسيقياً. هل يمكنك مثلاً أن تتخيل ماجدة الرومي تغني لون فهد بلان؟ أو أن تستمع إلى الحوارات الرحبانية مع ضباط إيقاع أصابوا العمل بشلل نصفي؟ ومع ذلك، تٌصنف الفرقة من قبل الجمهور والقطاع العام على أنها من الدرجة الأولى.

بعد ذلك، ما الذي يمكن قوله عن (كواريل) هنا وهناك في كل محافظة مع موسيقا هزيلة ونشازات متفوقة تحظى بتقدير الجهات المختصة والجمهور معاً؟ أما عندما يتولى الأمر مختص أكاديمي متمكن مع كادر كورالي مُدرب بشكل صحيح، وآخر موسيقي محترف، فأنت أمام تجربة مثالية مضمونة النتائج من حيث النوعية والتوزيع والتنفيذ. عندما تستمع إلى أعمال قدمها الفنان الكبير “حسام بريمو” من خلال فرق كورالية متعددة من تأسيسه وتنظيمه الفني، تتلمس الفروق العظيمة بين ما تسمعه هنا وبين المحاولات المتواضعة فنياً التي سبق لك أن عاينتها.

.

*مراد داغوم.. مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا

-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى