دياسبورا: سفراء لا وكلاء .. بشار جرار – واشنطن

“دياسبورا” كلمة لم تلق حقها من الفهم والرعاية والتقدير، أصلها إغريقي وتعني بالعربية الشتات، أول من شكلوا دياسبورا في التاريخ كانوا اليونانيين الإغريق الذين تفرقت بهم السبل في الحضارة الهيلينية.
بعدها جاء السبي البابلي، فتفرق الشعب اليهودي في شتى بقاع العالم، وكان الشتات، وهكذا الشتات الفلسطيني بعد عام النكبة 1948 وقيام إسرائيل، وتكاد ظاهرة الدياسبورا تتكرر مع كل حدث مزلزل أو بركاني بصرف النظر عن اتفاقنا معه أو تنديدنا به،
“الربيع العربي” المشؤوم تسبب هو الآخر -سواء بسبب الإرهاب أو محاربته، القمع أو النضال ضده، الفساد أو مكافحته- تسبب في المحصلة بنتيجة ديموغرافية واحدة، شتات بعضه اتخذ صفة الهجرة غير الشرعية، وبعضه الآخر كان قانونياً في الإقامة أو العمل أو الهجرة إلى درجة التمتع الكامل بجنسية بلد المهجر.
قبل عقد ونيّف، كنت أحد المدعوين للحديث في مؤتمر عقد بمركز ويلسون في واشنطن يكرس للشتات، حديثي كان محصوراً بجوانب مهنية تحريرية تقنية، كان يخص مهنة الإعلام ودوره في تعزيز الحوار والتواصل بين الثقافات والحضارات والأديان والأعراق، وكأي مؤتمر دولي الطابع متخصص المجال، هناك كلمات منابر، وهناك حوارات كواليس، حيث تسمى الأشياء بمسمياتها في شيء من التخصص مع ذوي الاختصاص حصرياً، تتراجع الحساسيات والمحظورات في تلك الحلقات النقاشية الخاصة، ويكون الحديث أقرب ما يكون من القلب إلى القلب أو بالأحرى من العقل إلى العقل، حيث تتنحى جانباً الاعتبارات كلها، عدا الحقيقة المجردة والمعلومة الصمّاء.
ليس من حقي الخوض في مداولات المؤتمر، لكن من أهم أهدافه هو تفعيل دور الدياسبورا في التواصل فيما بينها من جهة، وبينها وبين الدول المضيفة لها أو أوطانها الثانية، من جهة أخرى، كانت إشادة بجهود الإعلاميين الذين يؤمنون بأن هذه المهنة رسالة وأمانة في المقام الأول، تكون فيها الوسيلة من جنس الغاية، لا مبرر لها كما دعا ميكيافيلي وتبعه بجهل وعن جهالة، حفنة من الانتهازيين “السالوميين”، تلك تسمية أطلقتها على من انحدروا بمهنتهم وسلوكياتهم إلى مستوى سالومي الغانية الغاوية التي اشترطت على الملك هيرودوس، رأس يوحنا المعمدان، المعمدان الذي عمّد السيد المسيح بحسب العهد الجديد في الكتاب المقدس، والذي دفنت رأسه الطاهرة، فيما هو اليوم المسجد الأموي في دمشق. المعمدان المعروف أيضا باسم النبي يحيى في القرآن الكريم.
ولقد جمعتني مهنة “البحث عن المتاعب” مع صحفيين وإعلاميين كثر من شتى دول الشتات العربي أو المشرقي أو الشرق أوسطي، في بريطانيا وأمريكا، منهم “السالوميين” ومنهم من خاطروا بأرواحهم وأرزاقهم حتى يقولوا “كلمة حق يراد بها الحق”، تحية لصاحب هذا المنبر الأخ طارق عجيب في فرنسا وتحية للأخت شذى عواد في أمريكا، جمعتني وإياهما خدمة المهنة ومحبة الوطن بالمطلق، تحية لكل من احترم رسالته كأمين على الكلمة والصورة، تحية لسفراء أوطانهم لا حكوماتها، مهما كثر من حولهم وكلاء الأنظمة وعملاء الأجهزة والمنظمات والشركات عابرة القارات، هنا وهناك! لم تعد مهنة البحث عن المتاعب، صارت قدر القابضين على جمر المحبة والخدمة والحقيقة .. اللهم حكمة، اللهم قوة ..
إقرأ أيضاً .. ميونيخ: حوار “الطرشان” والمياه المقطوعة! ..
إقرأ أيضاَ .. إيلون ماسك .. من الموسكي لسوق الحميدية! ..
*كاتب ومحلل سياسي – مدرب مع برنامج الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية ..
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..
عنوان الكاتب على basharjarrar : Twitter