العالم الافتراضي .. آذان السياسيين صمَّاء .. شكراً لله
طارق عجيب – رئيس التحرير
=======================================
تشتعل على مواقع التواصل الاجتماعي ، بكل مسمياتها ، حرباً ضروساً تفوق شدتها تلك التي تجري على الأرض بالأسلحة الثقيلة وما دونها ، بين أصحاب الأفكار والقناعات والأهداف المتباينة ومؤيديهم ، وتتيح الساحة الافتراضية للمعارك أن تكون بلا سقوفٍ أو قِيعان ، لذلك غادرتنا المفاجآت عن مدى المبالغة بالتصعيد أو التسليم ، ومما يميز هكذا ساحات أنها تُـمَـكِّـن أي شخص ، من الإدلاء بدلوه في أي قضية مهما كانت حساسيتها شديدة ، ومهما كانت بحاجة لأصحاب معرفة وعلم وتوثيق ودراية وتحليل ، بغض النظر عن ما يمتلك من مؤهلاتٍ تسمح له بالخوض في تلك القضايا .
هذه الساحة الافتراضية ، أوجدت منطقاً جديداً يخالف المنطق القائل ” هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ” ، وكرَّست سياسة القطيع التي تُترجَم بشكل واضح من خلال عدد المتابعين الذي يحصل عليه أحياناً ” جاهلٌ ” وأحياناً أخرى ” عالمٌ يقصد غايةً غير نزيهة في نفسه ” , وأحايين قليلة شخصٌ لديه ما يستحق أن يتابع .
ما يميز هذه الساحة أنها دون رقيبٍ أو حسيب ، ويمكن التخفي فيها بسهولة ، وانتحال الصفة التي تناسب الشخص وقناعته بنفسه ، وبالمكانة التي يستحق ، ويمكن الـتَّـلطي فيها دون عناء ، وإطلاق كل ما يريد الشخص إطلاقه من إشاعات ، أو معلومات خاطئة أو مضللة ، أو شتائم وإهانات ، أو صور ومقاطع فيديو مفبركة ، أو اقتراحات حلولٍ ، ودساتير , ونظريات ، وأقوالٍ ” إلهية ” ، وأفكارٍ غيبية ، وفلسفات لاهوتية ، ونصائح للعلماء والفقهاء ليستفيدوا منها ، ومنابع ” فكر ” للعامة لينهلوا قدر ما استطاعوا ، وقواعد عمل للدول والمؤسسات ، و” أصول السياسة ومسالكها ” كي يعتمدها الساسة في قراراتهم المصيرية والهامة .
لكل ما سبق ، ولميزات كثيرة أخرى لا مجال لحصرها أو عدها ، توفر للمستخدمين بيئة رائعة لممارسة ما يبتغونه بحرية كاملة ، ومرونة اكثر من فضفاضة ، كل ذلك جعل العالم الافتراضي سلاحاً ايضاً في يد من لديه مهارة الاستخدام والاستثمار ، ويمتلك المعرفة بكيفية اجتذاب المتابع ، ثم تجييشه ، ثم تجنيده ، ثم استخدامه أنسب استخدام يخدم مصالح المشغل ، قد يكون على الأرض ، وقد يكون في العالم الافتراضي .
لكن ، وهنا نشكر الله ، أن الساسة الذين يتقنون فن التعامل مع كل الساحات ، ورغم أنهم يتابعون هذا العالم الافتراضي بالقدر الذي يستحق ، ويتعاملون معه بحرفية ، إلا أنهم لا يتأثرون بما ” ينضح ” هذا الفضاء ” الأخرق ” ، ولا يقومون بردَّات فعل على ما يصل إليهم عبره ، وقد يكون فيه من قذارة التناول ما يصعب على الكثيرين تحمله .
حجم الضغوط التي يمارسها فرسانُ ومناضلو ومجاهدو العالم الافتراضي ، وباستخدام أساليب تنوعت وتباينت من المضحك حتى المبكي مروراَ بتوصيفات سيئة للأساليب ، من المفترض أن يكون تأثيرها كبيراً على من يتلقى هذه الضغوط ، لكن من الواضح أن الساسة المعنيون بشؤون وقضايا مصيرية وحساسة وتمثل شعوب ودول ومجتمعات ، هؤلاء الساسة آذانهم صمَّاء عن الأصوات التي خالفت كل معايير أصول التخاطب والكلام ، وأول هذه الأصول ” أن لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ” .