أستانة .. محاولات متبادلة لدس السم في العسل
طارق عجيب – رئيس التحرير
===================================
شيءٌ ما يحدث هناك ..
جميعنا يدرك أن السياسة ألاعيبٌ وفنٌ .. وشطارة .. ويدرك أن الدهاء والحنكة والمكر من شيمها الرائدة .. و هناك من الساسة من أضاف ، الخبث ، والبراغماتية ، و ” نقض العهود عند المقدرة ” ، و ” تَمَسْكَن حتى تتمكن ” ، و ” فرِّق تَسُدْ ” ، وغيرها من الممارسات التي تبرر الوسيلة للوصول إلى الغاية المرجوة .
هناك في الأستانة يتوفر كل ما سبق ، وغيره ، من الأسلحة اللازمة لتحقيق الانتصار المطلوب .
الروسي كما هو معروف عنه لاعب شطرنج محترف ، الإيراني صانع سجاد مشهود له بحرفيته وصبره ، السوري المتميز بدهائه وحنكته في اللعب بأوراق قوته ونَفَسِهِ الطويل ، حلفٌ تمكن ببراعة من قلب المعادلة في الأزمة السورية لتكون نتائجها أقرب إلى بيادره ، ودجَّن معارضيه المسلحين لينضموا إلى ” حظيرة ” المفاوضات حول طاولة مستديرة ، برعايةٍ ثلثاها الضامنان روسيا وإيران من الحلف ، وكل الأمل من هذه المفاوضات أن يتمكن الحلف من خلخلة الجبهات المعادية واختراقها ونسج علاقات تمكنه من زرع بذور تفكك هذه الجبهات لصالحه .
في المقابل يتصدر التركي المشهد ، هو الضامن الثالث لهذا الاجتماع ، لكنه يمثل مرغماً كل الأطراف التي قبلت أن يتقدمها ، وتراجعت أو غابت لسبب أو لأخر ، أجواءٌ ضبابية أحاطت بالتحضيرات للأستانة ، عدم العرقلة ” المشبوه ” من السعودية وقطر ومن يمثلهما على الأرض من الفصائل المسلحة ، الأوروبي الحاضر دون تأثير يذكر ، والأميركي ، المُراقِب ، الذي يمكن أن نقول أنه لم يغب ، لكنه لم يحضر أيضاً ، كل ذلك ترافق مع تركيزٍ في إعلام هذه الدول وتصريحات بعض مسؤوليها ، على أن هناك نقاط اختلاف بين دول الحلف الروسي الإيراني السوري ، وأكبر هذه الخلافات بين روسيا وإيران ، ويتم التركيز بشدة على بعض التصريحات التي قد تُظهر أن السوري والإيراني يشكلان ثنائياً غير راضٍ عن سياسات الروسي ، ويعملان على عرقلة الجهود الروسية كضامنٍ حيادي لهذه المباحثات.
هذه السلاسة في تطبيق اتفاق الهدنة وتمديده ، ومن ثم الاتفاق على محادثات الأستانة ، ومشاركة فصائل ومجموعات مسلحة كان من غير المسموح في السنوات السابقة مجرد طرح فكرة حضورها أو ممثلين عنها في أي مفاوضات مع الدولة السورية ، وهذه الموافقات الضمنية للأطراف المُشغِّلة والداعمة للمجموعات المسلحة على الأرض ، المشاركة منها في المباحثات ، وغير المشاركة ، ومنها القادرة على تعطيل هكذا لقاءات ، وعدم الاعتراض الأميركي على التفرد الروسي ( كما يحب البعض أن يقول ) في إدارة ملفات الأزمة السورية ، والقبول بدور المراقب الذي حضر بعد اعتراض إيران على حضوره ، ومنح كل هذا الزخم للدور التركي نيابةً عن الأميركي والأوروبي والسعودي والقطري ، كل ذلك يطرح تساؤلات مهمة حول الغايات الحقيقية من هذا الاجتماع ، في ظل اعتبار الاجتماع عسكرياً صرفاً هدفه المعلن تثبيت وقف إطلاق النار ، وإيصال المساعدات ، والافساح في المجال أمام قطار المصالحات .
المراقب لما يجري يمكنه استنتاج أن ” أستانة ” هي محطة اختبار سياسة جدية يسعى كلا الطرفين إلى تطبيقها ، وهي سياسة دس السُّم في دسم ما سيقدمه كل طرفٍ للأخر ، فالروسي وحلفائه يريدون تثبيت نقاط لصالحهم بين الفصائل المسلحة المتناحرة فيما بينها لأسباب يجد فيها هذا الحلف شروخاً ونقاطَ ضعف يمكنه أن يحقق الكثير من خلالها .. أما التركي بما يمثل من حلفاء فهم يريدون العمل على زعزعة الثقة بين دول الحلف الروسي السوري الإيراني بالعمل على فصل الروسي عن باقي حلفائه من خلال تضخيم ما يعتقدون أنه نقاط اختلاف ، وبث وإزكاء الفتنة ، بمحاولة إظهار الانصياع لوجهة النظر الروسية ” الحيادية ” الهادفة إلى إنهاء الأزمة في سورية ، على عكس سورية وإيران اللتان تعملان على عرقلة هذا الحل ، وإفشال الجهود الروسية .
من الطبيعي أن يسعى كل طرف لتحقيق أهدافه أو أعلى نسبة منها في المفاوضات ، طالما أنه لم يتمكن حتى الأن من تحقيقها عسكرياً وفي الميدان ، وهنا يأتي دور السياسة ومهارة المفاوضين في تحقيق ما يريدون فوق طاولة الحوار ، وتحتها ، وفي كواليس الحوار من غرف مغلقة ، وأروقة ، وغير ذلك من مطارح للمناورات والصفقات والمساومات .
هي الأستانة ، ستكون كغيرها محطة من محطات الأزمة السورية ، على مسار السياسة والعسكرة ، وباستخدام أوراق الميدان وأسلحته ، وأوراق المفاوضات وأسلحتها ، ومنها ، دس السم في العسل .