لماذا لا يقبل الغرب إلا بالهيمنة والتصعيد
طارق عجيب – رئيس التحرير ..
==========================================
يُغالي الغربُ بشكل غريب في إصراره على التصعيد في أزمات العالم جميعها ، وأكثر ما يعنينا منها الأزمة السورية ، ويحتدم الصراع في معركة كسر العظم بين من استمرأ سطوته وهيمنته على العالم لأكثر من ثلاثة عقود منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ، وبين من عاني من الانهيار وصارع دون هوادة حتى تمكن من استعادة دوره ومكانته في العالم .
مشهدُ مجلس الأمن اليوم من الواضح أنه اختزالٌ للمشهد العالمي برمته ، وحضور الصين كشريك رئيس في خمسة قرارات ” فيتو ” من ست ، أثبتت للعالم متانة التحالف الجديد الذي يتعامل الأميريكي والغربي معه كالنعام حين يدفن رأسه في الرمال لكي لا يرى الخطر القادم ، ظناً منه أنه لن يراه بالمقابل ، الأميركي والغربي يرفضان الاعتراف أن العالم قد تغير ، وأن زمام الأمور قد أفلت من يدهم منذ سنين قاربت الست ، وان الملعب الذي أرادوه على أهوائهم ، عصفت به رياح لاعبين باتوا على أهبة الاستعداد لأشواطٍ واشواط من السجال والقتال بكل أنواع الاسلحة ، وعلى مختلف الميادين .
على الأرض ، وهي الحكم والفصل ، أخفقت خططهم وأدواتهم رغم كل الدعم الذي قُدِّم في تحقيق النتائج المطلوبة ، لكنها أنتجت دماراً وخراباً كارثيين ، وعلى طاولات الحوار والسياسة لم يتمكنوا من تحقيق أي نصرٍ يذكر ، الطرف المقابل بكل مكوناته تمكن بجدارة من أن يكون نداً يمتلك مهارة اللعب بأوراق القوة لديه ، ويمتهن سياسة الأنفاس الطويلة التي تثق بمآلات مساراتها .
تغير المعطيات والواقع والظروف الدولية وحتى أمزجة الشعوب التي تملك الحق والقدرة على التغيير ، وهذا ما شاهدناه مؤخراَ في انتخابات أميركا وفرنسا ، كل ذلك لم يستتبعه تغيير في ذهنية وأساليب قادة الغرب في التعامل مع الأزمات التي يعايشونها ، وبعضها أصبح مزمناً وممجوجاً دون أن يصل إلى نهاية أو حل ، لا يزال الغربي ويقوده الأميركي ينظر إلى شعوب الأرض الأخرى على أنها أجزاء سابقة من امبراطورياته العسكرية التي حكمها بالحديد والنار ، أو أجزاء من امبراطورياته الحالية التي يحكمها بالاقتصاد والاستخبارات ، ومن خلال هذين الاستعمارين تمكن من نهب واستنزاف ثروات ومقدرات وخيرات هذه الشعوب ، ولا تزال شريانات الاقتصاد والحياة الأهم للغرب ، تأتي من تلك الشعوب بأشكال كثيرة وبزخم يتخم ميزانياته وأرصدة بنوكه ومؤسساته المالية والاقتصادية الكبيرة التي تدير الإدارات السياسية والعسكرية الحاكمة في دوله ، لذلك لا يمكن لقادة الغرب أن يفكروا في أي لحظة بشكل عقلاني وإنساني ، ولا يمكن لساسة الغرب أن يقبلوا باي شكل من الأشكال ، وبأي نسبة كانت ، أن تتحرر شعوبنا وبلادنا من نير استعمارهم الجديد ، فهذا يعني خسارة على كل المستويات لا يمكن أن يسمح بها الغرب ، لذلك فهو حريص على إبقاء كل ما نعاني منه من تخلف وجهل وطائفية ومذهبية وصراعات وتطرف وإرهاب ، وحريص على إدارة كل ماسبق وزيادة مستوياته لتحريكه واستثماره عند الحاجة والطلب .
كل الشعارات التي رفعها الغرب من حريات وحقوق وديمقراطية ، تختفي ولا يبقى لها أثر حين تهتز قليلاً شرايين الاقتصاد ومكاسب الغرب ، أويتشكل تهديداً مهما كان صغيراً لمصالحهم الحيوية في المنطقة ، والمؤسف والمخزي في الموضوع ، أن مصالحهم تلك ومكاسبهم وشرايين اقتصاداتهم ، هي ثرواتنا ، وحقوقنا ، ومقدرات بلادنا وخيراتنا ومستقبلنا ومستقبل بلادنا وأولادنا ، لذلك ليس من المسموح عند الغربي نهائياً أن يعي العربي أو ابن هذه المنطقة مصلحته ، ويعرف حقوقه ، ويفهم كيف يمكن استعادتها من يد المغتصب والمستعمر ، لذلك نجد أنه في الوقت الذي ترفع فيه دول الغرب شعار حقوق الإنسان ، هي تدفع وتسمح أ، تنتهك كل حقوقه في منطقتنا ، وفي الوقت الذي تنادي بحرية الرأي ، تمنع علينا إبداء الرأي إذا خالف رأيها كما جرى مع الكثير من وسائل الإعلام العربية وغيرها ، وفي الوقت الذي تسعى لإنعاش اقتصادها ، واجب علينا أن نكون وقوداً لها ، وفي الوقت الذي تقدم الرفاهية لمواطنيها ، تُذيق مواطنينا أنواع الذل والهوان والتشرد والقهر .
ما يجري لنا كشعوب ودول هو نتيجة سياسات الدول الغربية التي ترفض أن ترفع يدها عن مفاتيح مستقبلنا ، وترفض أن تترك شريانات الحياة تصب في أوردة الجسد العربي التي جفت وهي تنتظر ما يمرره الغرب لها .
يظهر الغرب في المحافل الدولية على صورته الحقيقة ، يحاول أن يُطوِّع تلك المحافل لتكون أداة في يده لاستهداف أي دولة لا يمكنه إخضاعها بالطرق العادية والتقليدية ، ويرفع صوته بكل فظاظة وفجور متهماً من يرفض التطويع والانقياد لمشيئته بالأوصاف التي يدعي أنه يحاربها ظاهرياً ، إلا أنها تتلبسه بشكل كامل في الباطن .
يأتي الفيتو الروسي الصيني اليوم ليكبح جماح الغرب قليلاً ، ولعله يُعَقْلِن هذا المارد الآثم الذي أخذته العزة بالإثم ، فلم يعد يرى إلا الهروب إلى الأمام مخرجاً له من أزماته ، ولم يعد يجد سوى التصعيد طريقة للرد على مبادرات الأطراف الأخرى التي تدعوه منذ وقت ليس بالقصير للتعاون وإيجاد السبل الكفيلة بإيقاف طوفان العنف والإرهاب الذي يهدد الجميع ، والجنوح باتجاه السلم ، والتخلي عن سلاح الإرهاب ومنطق القوة الغاشم الذي لا يولد إلا المزيد من الدم والدمار .