نهى شديد : علاج اضطرابات النطق ممكن.. والتدخل المبكر يفرض التحسن
أنصح جميع الأهل بعدم الإصغاء إلى آراء الناس غير المتخصصين
نهى شديد : علاج اضطرابات النطق ممكن.. والتدخل المبكر يفرض التحسن
في إطار علم أمراض النطق وتأخر الكلام، ومشاكل التأتأة واللعثمة والعجز عن الكلام، يظهر “بطل” في الصورة. هو أخصائي العلاج. يعمل بعد تقييم وتشخيص نوع الاضطراب؛ على علاج الحالة. وهو بطل ليس تبعاً فقط للعلم الي تحصّن به، ولا نظراً لقدراته وكفاءاته فقط. بل للجهد الذي يبذله، والصبر الذي يتسلح به، والشخصية اللطيفة التي يتحلى بها، ليشكّل في النتيجة “بطل” يساهم في علاج وتحسن طفل أو حتى يافع مريض عاجز عن الكلام والتواصل.
في حالتنا اليوم.. بل في حوارنا اليوم، نحن أمام هذا البطل.. وهي أخصائية علاج اضطراب النطق واللغة والكلام. الأستاذة نهى شديد الشيخ وفا، سيدة وأم لبنانية، اختارت المضي في هذا العمل الإنساني الذي تقوم به منذ سنوات، من خلال مركز طبي في دبي- الإمارات.
حوار خاص في الوسط معها، حمل إلى القراء إجابات مهمة قدمتها لنا، ومعلومات قيمة؛ حول عالم الكلام والكلمة والعجز عن الأتيان بهما، وأساليب العلاج، كل ذلك مقرون بنصائح وإرشادات قوامها العلم والمعرفة والثقافة والوعي.
.
“اضطرابات التواصل”
الأخصائية.. نهى شديد ، بداية وكي نضع القراء في أجواء الحوار، ما هو نوع الدراسة والاختصاص الذي يحمله اختصاصي أو مدرب (علاج اضطرابات النطق والكلام)؟
اختصاصي النطق هو الذي يقوم بتصحيح ومعالجة اضطرابات اللغة والكلام. إن النشاط المهني لمعالج النطق متعدد ومتشعب جدا مما يستوجب دراسة ومعرفة عميقة في العديد من المجالات منها طبية كعلم الأعصاب، وعلم التشريح، وعلم وظائف الأعضاء البشرية وبالأخص الكلامية، البصرية والسمعية. إضافة الى علم النفس. أخيرا وليس آخِراً، يستوجب الاختصاص معرفة عميقة في النمو اللغوي للطفل بشكل خاص، والنمو الحسي الحركي والذهني بشكل عام.
هل تتدخل اللعثمة والتأتأة واللثغة وتداخل الحروف، في باب اضطرابات النطق؟
طبعاً، وهي جزء بسيط غالبا ما يختصر به الكثيرون نطاق عمل اختصاصي النطق واللغة. فنحنُ لو أردنا تقسيم اضطرابات التواصل لوضعناها تحت مظلتين أساسيتين هُما:
١- اضطرابات الكلام وهي تشمل: اضطراب النطق وهو عبارة عن خلل في إنتاج أصوات الكلام، اضطرابات الصوت وهي غياب أو خلل في إنتاج الصوت بنوعية معينة أو علو معين، اضافة الى اضطراب الطلاقة وهو خلل في التعبير اللفظي وله عدة مظاهر كالتغيير في معدل حدوث الكلام. تناغم كلامي غير عادي، وحركات جسمية مصاحبة وهو ما يُعرف بالتأتأة.
2 ـ اضطرابات اللغة وهي عبارة عن وجود خلل أو انحراف في تطور أو نمو الفهم والتعبير، إضافة إلى الاستخدام الاجتماعي للغة.
نهى شديد : علاج اضطرابات النطق ممكن.. والتدخل المبكر يفرض التحسن
“مؤشرات ودلالات”
مشاكل النطق، هل تتلازم دائماً بآفة تتصل بالسمع أو الصمم؟
تؤثر اضطرابات السمع على تطور النطق واللغة.. لكن كثيرا ما تكون هناك أسباب أُخرى بنيوية، مثل الحنك المشقوق، تتسبب في تشوه الأصوات بسبب التغيرات الفعلية في الفم. وفي بعض الأحيان، يتسبب عدد الأسنان وطريقة تلاقي الأسنان ببعضها داخل الفم في الإصابة ببعض مشاكل النطق. إضافة الى حركة اللسان والشفاه التي قد تؤثر سلبا على نطق بعض الأصوات.
كي يفيد القارئ من معلوماتك: كيف يمكن للأهالي اكتشاف أن ابنهم يعاني من مشاكل في النطق؟ وأقصد هل من سن معينة يُفترض أن يبادر الطفل فيها بترديد كلمات ما؟
غالبا ما يبدأ الطفل بنطق كلماته الأولى عند عمر السنة. هناك الكثير من الدلالات والمؤشرات التي تنذر باحتمال وجود مشكلة في النطق واللغة. سأُعدد بعضها بشكل سريع:
1= من عمر 4 إلى 12 شهر تكون الإشارات التحذيرية:
• لايقلد الأصوات التي تصدر عن الوالدين.
• لا يبتسم للوجوه المألوفة.
• لايستعمل المناغاة أو المكاغاة.
• لايستخدم الأصوات لجذب انتباهك.
• لايبدأ كلام الأطفال (الثرثرة).
• لايرد على اسمه إذا ما دعيته به.
• لا يميز بين الوجوه والأصوات.. أي أنه مثلا لا يبدي ارتياحا عندما يرى أمه أو يسمع صوتها.
2= من عمر سنة الى سنتين:
• لايستخدم الإيماءات كأن يلوح، أو يصافح بيده.
• لايتواصل بأي طريقة معك لو احتاج مساعدتك في شيء.
• لايفهم، ولايرد على كلمات مثل ( «لا»، و«باي باي».
• لايستطيع لفظ كلمات بسيطة.
• لايشير إلى أشياء باهتمام كأن يشير إلى شيء يريده أو غرض/لعبة يحبها.
• لايصدر أصواتاً متنوعة.
• لايرد على الأوامر البسيطة.
• لايتظاهر باللعب مع الدمية، أو مع نفسه (بأن يفرش شعره أو يطعم دميته).. إلخ.
إضافة الى كل ما سبق فإن أي تراجُع ملحوظ في مهارات الطفل الاجتماعية، التواصلية واللغوية في أي عمر، يعتبر مؤشرا لوجوب عرض الطفل على اختصاصي النطق واللغة.
أود التأكيد على وجود الكثير من المؤشرات التي يمكن تشريحها وتفصيلها ضمن مراحل عمرية أكثر دقة، ولكنني في ما سبق حاولت اختصار أهمها.
.
“أسباب العجز”
غالباً يكون سبب العجز في النطق عضوي، إنما هل هناك حالات “عجز” تسببها الأوضاع النفسية والبيئة العائلية لدى الطفل؟
من الاضطرابات الأكثر ارتباطا بالعوامل النفسية: التأتأة والصمت الاختياري، وفي الحالتين، غالبا ما ننصح الأهل باستشارة أخصائي نفسي، على الأقل لإجراء تقييم، تحدد على أساسه أولوية العلاج، أهدافه وكثافة الجلسات.
بودي معرفة الأسباب التي تؤدي بالطفل إلى أن يكون عاجزاً عن النطق أو يواجه صعوبات في النطق؟
هناك الكثير من الأسباب المعلومة وغير المعلومة التي من الممكن أن تؤدي إلى تأخر في اللغة والكلام. سأُعدّد بعضها مع الإشارة إلى أن هذا المجال هو قيد البحث المستمر:
-فقدان السمع نتيجة التهابات متكررة فى الأذن الوسطى أو الداخلية، أو لوجود عيب خلقي. -متلازمة داون، قد تسبب تأخر النطق عند الأطفال -إصابة الطفل بالشلل الدماغي أو أي إصابات أخرى في الدماغ. -الشفة الأرنبية والفم المشقوق. -هناك أيضا أسباب نفسية كما في التلعثم الذي يسبب صعوبة فىي نطق الكلام. وعوامل أُخرى كثيرة.
نهى شديد : علاج اضطرابات النطق ممكن.. والتدخل المبكر يفرض التحسن
“أساليب العلاج”
لاشك أن أساليب العلاج متنوعة ومتعددة، وهي تختلف بين حالة وأخرى. إنما هل هي تدريبية وشفهية، أم ثمة استخدام لأجهزة ما؟
تتعدد أساليب العلاج وتتداخل لمساعدة الطفل على تحقيق الأهداف الموضوعة له في الخطة العلاجية. فمثلا إذا كانت الصعوبة في نطق بعض الحروف أو في الطلاقة الكلامية، فهنا تكون أساليب العلاج تدريبية وشفهية. أما إذا كان الطفل مصابا باضطرابات طيف التوحد أو الشلل الدماغي وفاقد القدرة على النطق والكلام، فهناك الكثير من الأجهزة التي يمكنها أن تقوم بدعم القدرات التواصلية أو حتى استبدالها وهي معروفة بال AAC systems. على سبيل المثال، استخدم الآن مع اثنين من التلاميذ الذين أتابعهم ما يسمى بال Tobii Eye gaze device، وهو جهاز ملتصق بشاشة الكمبيوتر، يلتقط بصمة العين. وبذلك يختار الطفل ويجيب بالنظر فقط إلى صور على الشاشة.
لا أدري إن كنتم في المركز تستكملون رحلة علاجكم للأطفال حتى مرحلة الدمج مع المدارس والمجتمع؟
تولي دولة الإمارات -حيث أعمل- اهتماما كبيرا للأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا أمر يمكن رؤيته بأُم العين في تفاصيل الحياة اليومية. كالأماكن المخصصة لهم في كل المساحات العامة، إضافة إلى التسهيلات التي تجعلهم قادرين على التنقل بسهولة والاندماج في الحياة المجتمعية. إضافة إلى ذلك، فإن الدولة والقطاع الخاص يحرصان على وجود اختصاصيين من كل المجالات لمحاولة دمج الأفراد في المدارس ومساعدة الأهل أيضا في البيئة المنزلية.
.
“دور الأهل”
تعتمد الكثير من العلاجات على دور الأهل.. ما دور العائلة في تحقيق نجاح العلاج؟
شكرا على سؤالك هذا. دائما ما نُشدد كاختصاصيين على ضرورة التنسيق بين المعالج، المدرسة والبيئة المنزلية. غالبا ما تكون كثافة الجلسات مرة أو مرتين في الاسبوع، مما يعني أن الوقت قد لا يكفي للعمل على الهدف، تحقيقه، وتعميمه إلى الحياة اليومية، أو أقله إلى إطار لا يكون موجّها بقدر إطار الجلسات. من هنا تنبع أهمية دور الأهل في مساعدة الاختصاصي على استهداف هذه المهارات في البيئة المنزلية وفي إطار تواصلي عفوي مع عدة أشخاص. إذا كنا مثلا نعمل على التأتأة والتلعثم، نطلب من الأهل أن يتحدثوا ببطئ مع الطفل، ذلك لإعطائه نموذجا كلاميا صحيحا يعتاد على اتباعه. أما إذا كنا نعمل على اللغة الاستيعابية من جهة اتباع التعليمات، فنطلب من الأهل تعزيز هذه المهارة من خلال إسناد بعض المهام للولد واعطائه التعليمات بشكل لفظي.
في إطار العائلة والأهل، ما هي نصيحتك لهم؟
أود الإشارة إلى أهمية التدخل المُبكر في علاج النطق واللغة. عندما يبدأ العلاج في وقت مُبكر تكون فرص التحسن والتطور واعدة أكثر. من هنا أنصح جميع الأهل بعدم الإصغاء إلى آراء الناس غير المتخصصين مثل “لقد تأخر أبوه في الكلام، عمه لم يتكلم حتى عمر الست سنوات” والتوجه لاستشارة اختصاصي نطق ولغة؛ عندما يشعرون بخلل أو تأخر على مستوى التواصل والكلام.
.
*حوار: روعة يونس
- -لمتابعتنا على فيسبوك : https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews
