رئيس التحرير

قرابين النظام العالمي الجديد بين الشرق والغرب .. طارق عجيب ..

 

في حربها الطويلة والشرسة للانتقال إلى النظام العالمي الجديد، لن يضير روسيا الاعتراف بأنها لا تمتلك مهارة وخبرة وتاريخ الأميركي والغربي في تحقيق الغايات “الكبرى” عبر غزو البلدان واحتلالها وتدمير أنظمتها وتشريد شعوبها بهدف نشر الديمقراطية “بقوة السلاح” و”فرض” الحريات وحقوق الإنسان، وحماية أملاك وثروات الشعوب عبر الاستحواذ عليها ..

كما أن أسلحة روسيا الأخرى غير العسكرية و(غير الاقتصادية إلى حدٍ ما)، كالدبلوماسية والاستخبارات والفبركات والاستدراج والإعلام والبروباغندا والحصار الاقتصادي والسطوة على المنظمات الأممية الرسمية وغير الرسمية، هي أسلحة متواضعة، إن لم نقل هزيلة، أمام الأسلحة القوية والذكية بيد الذهنية الاستعمارية الضليعة والعريقة والمتمرسة للأميركي والغربي، لذلك لم يتمكن الروسي من تغليف دوافعه وأفعاله وتحركاته ونتائج عمليته العسكرية بلبوس نشر الديمقراطية وحماية الحريات وحقوق الإنسان ومحاربة النازية وضمان الأمن الاقتصادي والاستقرار المالي العالميين.

الأميركي والغرب طوروا أساليبهم وأدواتهم في الغزو والاحتلال والتدخل في شؤون الغير، عبر تاريخٍ حافلٍ ومتخمٍ بالارتكابات والفظائع وحروب الإبادة، تاريخ عريق ومتتال ومستمر على ما يبدو إلى ما لا نهاية، واستبدلوا السيوف والبنادق بخيطانٍ من حرير و”أحزمة” من العقوبات يخنقون بها الملايين من ضحاياهم، كي لا تستفز دماء الضحايا “ديمقراطيتهم” الجاثمة تاريخياً على تلالٍ من الجماجم التي لايزال الملايين منها ينضح دماً ..

أما “الدب الروسي” فلم يمتلك في تاريخه سجلاً استعمارياً بأشكاله الكثيرة ومساراته المختلفة (وهذا يحسب له)، يمكَّنه من تطوير أساليبه وأدواته للاستفادة منها في الصراعات اللاحقة .. ولا زال يعتبر أن “قدراته العسكرية المتفوقة واكتفائه الذاتي في الاقتصاد، كفيلان بضمان تحقيق ردع أي اعتداء عليه والوصول إلى غاياته إن اضطر للتحرك خارج أرضه، بغض النظر عن التكنيك والفنون، وبغض النظر عن فداحة الإصابات التي ستلحق به، فالزمن كفيل بشفائها لاحقاً، لذلك استُثمرت ضده صور وأعداد الضحايا من الطرفين، والدمار الناتج في “العملية الخاصة” التي بدأها في أوكرانيا لمواجهة ما يخطط له الغرب ضده، وشكَّلت عامل ضغطٍ عالمي كبير عليه.

يدَّعي الروسي أنه خطا أولى الخطوات على طريق إسقاط النظام العالمي الحالي أحادي القطبية، طريقٌ لا يمكن لأحد أن يعرف أو يتكهن عدد الخطوات اللازمة للوصول إلى نهايته، لكن يبدو حتى الآن أن هذه الخطوة لن تكون وفق التصور الذي وضعه الروسي (وحلفائه) في مواجهة هكذا خصومٍ فتحوا كل الجبهات الأخرى غير العسكرية بزخمٍ غير مسبوق وعدائية عالية وعقوبات غاشمة وصارمة، فانشغل في احتواء شراسة هذه الإجراءات وإعادة ضبط الأداء، والتفنيد والتبرير والبحث عن أفضل طرق الدفاع عن النفس أمام ألة البروباغندا التي تفرغت لشيطنته ومحاولة إفشاله وعزله.

الروسي قبل أن يكون رأس حربة في صراع الشرق والغرب ومعركة الانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب هو شريكٌ رئيس فيها، أما الأوكراني فهو رأس حربةٍ أيضاً لكنه قبل ذلك وبعده هو كبش فداء.

أما جماهير ومتابعو الصراع فالنسبة المرتفعة منهم يصحُّ عليهم قصة الضفدع والصرصور أثناء محاولة إحراق نبي الله إبراهيم، كلاهما يعرف أن لا قيمةَ فعلية لما يقوم به من أفعال في هكذا حريق، إلا أن الضفدع كان حريصاً على إظهار محبته، بينما يُصرُّ الصرصور على إظهار حقده وبغضه لإبراهيم.

الحرب قائمةٌ وشرسة ومستمرة، والنظام العالمي الحالي لن يبقى على حاله بكل تأكيد، أما النظام العالمي الجديد فسيتشكل على أشلاءِ دولٍ وشعوبٍ وأنقاضِ أخرى، بعضها لا حول له ولا قوة، وبعضها الأخر ساقته نفسه الأمَّارة “بالناتو” والوعود والأمنيات ليكون قرباناً من قرابين هذا النظام الجديد

*رئيس التحرير

 

صفحتنا على فيس بوك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى