ما يجري اليوم على الساحة الرياضيّة في سوريا خطيرٌ للغاية، قد نعزو سبب الخطورة لما تتعرّض له البلاد بشكلٍ عام من انحدار في كلّ شيء، وبالطبع شمّاعة خطايانا جاهزة ونعزوها للحصار كمشكلةٍ أساسيّة، وقد يجرؤ أحدنا على تعليق الأمر بخجلٍ وخوف على الفساد وهي الحقيقة! وبما أنّها، وأقصد الرياضة بشكلٍ عام وكرة القدم بشكلٍ خاص، أصبحت المتنفّس الوحيد وربّما الضحكة الأخيرة عند الكثير من السوريّين، فلا بدّ أن نستعرض في هذا المجال حجم الكارثة المستمرّة المُستدامة في هذا الشأن.. فالفشل ليس وليد الأزمة كما يظنّ بعضهم، وليس وليد المصادفة، فخزانات الاتحاد الرياضيّ لكرة القدم يعشعش على رفوفها قبائل من العناكب والغبار، فلا كأسٌ يردّ لنا الاعتبار، ولا بطولة تشفي الغليل! فكلّ مشاركاتنا كانت تنتهي بجملة الراحل عدنان بوظو “هذه حدودنا” ورغم أن ملاعبنا أنجبت نخبة النخبة على مستوى الوطن العربيّ وقارة آسيا، إلّا أن الفشل والخسارات كانت العنوان الأبرز نتيجة الفساد والقرارات الإداريّة، وكنّا قد ذكرنا سابقاً، أنه في أكثر من فترة زمنيّة يكون عناصر المنتخب الأول على أعلى مستوى، ومع ذلك تقتلنا القرارات ومنها ما هو متعمّد بالتأكيد لغاياتٍ وغايات.. واليوم، وعلى ضوء مانشهد، فقد وصلنا لقعر الحضيض عندما يفتخر مدرب أحد الأندية بأنه أعطى الضوء الأخضر للقيام بهجوم لا أخلاقيّ وإحراز هدف بعد أن أخرج لاعبو الفريق المنافس الكرة لأجل إصابة أحد اللاعبين، وبالمقابل يمارس الفريق الثاني هوايته بالملاكمة والرفس للاعب الذي سجّل الهدف اللاأخلاقيّ لتذكيره بالأخلاق!! الأمر سينتهي بالتأكيد مع فقدان الأخلاق، وسينتهي بالتوازي مع فقدان الانتماء، وتغليب المصالح الضيّقة على مصلحة الوطن العامّة، ولنا أن نتصوّر على سبيل المثال لا الحصر تعب وجهد بعض الإداريّين الوطنيّين في إقناع اللاعبين السوريّين في الدوريات الأجنبيّة لتمثيل المنتخب بعد سيلٍ من النداءات لأجل الوطن، ولأجل رفع رايته في المحافل، ودحضاً للأفكار المرسومة في خيال هؤلاء اللاعبين عن القرارات الإداريّة التي أصبحت سمة الكرة السوريّة، وأنهم سيسافرون على حسابهم وسيجلسون على مقاعد الاحتياط!! وبالفعل، يحدث كلّ ذلك وأكثر، فحكاية “تسويق اللاعبين” أصبحت معروفة وليست بذاك السرّ! فالمنتخب الوطنيّ للأسف، والذي من المُفترض أن يكون وطنيّاً ولكلّ الوطن، كان ومازال منتخباً صورياً تحكمه وتتحكّم به المافيات، والتي غالباً ماتكون بأوجه رؤساء الاتحادات السابقة، أو حتى من ضمنها، فكلّ شخص لديه مجموعة من اللاعبين المحسوبين عليه، وكذلك المدربين، وكذلك الإداريّين، وحتى مسؤولي التجهيزات! وأكثر من ذلك، فكلّ لديه مجموعة من الصحفيين المأجورين، ومقدّمي البرامج الإعلاميّة، مع عديد الحسابات الوهميّة التي تطبّل وتزمّر لاسمه، وتنتقد أي اتحادٍ غيره على صفحات التواصل الاجتماعي! كلّ يسوّق لنفسه، ويدير اللعبة وكأنه رئيس مافيا! والخاسر دائماً هو الوطن، والدموع والحزن دائماً من نصيب جماهير وعشّاق الوطن!! فإلى متى؟ وهل نعلن الوفاة الرياضيّة؟ نقول هذا الكلام إثر المركز المُذلّ لمنتخبنا الأول بالدورة الدوليّة الرباعيّة في الأردن، وكذلك ما يجري في ملاعب الدوري بشكل عام، والذي هو نتيجة طبيعيّة لما وصلت إليه البلاد! ولو تكلّمنا بالتفاؤل والأمل، قد نترك بعض المساحة لمنتخبات الفئات العمريّة، وخصوصاً بعد الأخبار الواردة برفدها وتطعيمها باللاعبين السوريّين في أوروبا والتصفيات والاستحقاقات المقبلة ستكون آخر بيارق الأمل، فالمنتخب الأول لديه استحقاق آسيويّ، ولا أعتقد بأنّ ثمّة متفائلاً بتجاوز دور المجموعات! ويبقى الأمل الصغير بمنتخب الشباب، والناشئين، والأولمبيّ باستحقاقاتهم المقبلة.. فهل تنجح الإدارة الجديدة بإصلاح الأمر وقطع دابر الفساد الإداريّ وتحقيق عامل الانتماء والأخلاق في أروقة مؤسساتها ؟ أم أن للمافيا الكلمة المعتادة الفصل؟ وسنعود بعدها لهذه حدودنا، وربما قد نشهد عبارة مشابهة حملت الكثير من التناقض والاستهجان، ويعرفها الشارع الرياضي جيداً، “زاحفة أرضية تعلو العارضة” إلى أن نزحف فعلاً دونما أخلاق أو انتماء!
الديك الفصيحالعناوين الرئيسية