سيناريوهات “محجوبة” في الأزمة السورية.. طارق عجيب ..

|| Midline-news || – الوسط …
في خضم تزاحم وتلاطم وتخبط وتصارع الأخبار التي كانت تنهال علينا من كل حدب وصوب كل يوم في بداية الأزمة “المقتلة” السورية، والتي كانت تحمل الخبر ونقيضه .. والخبر المفبرك .. والمسموم .. المشوَّه .. المدسوس .. الناقص .. المبالغ فيه .. وغير ذلك من أخبار أسهمت بتأجيج “الهيجان” الحاصل في حشود المتلقين، والتي أسهمت بمراكمة القَش فوق إبَر الحقيقة .. كنت أحلم أن استيقظ ذات صباح على خبرٍ يقول أن هنالك مجموعة من الطيارين السوريين (على الأقل اثنين) أقلعوا بطائراتهم من أحد المطارات العسكرية السورية في مهمة قتالية ضد الإرهابيين، إلا أن الطيارين لم يلتزموا بالأوامر واتجهوا جنوباً باتجاه العدو الإسرائيلي وأفرغوا مافي جعبتهم من صواريخ وقنابل ثم انقضوا بطائراتهم على ثكناتٍ ومواقع عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ..
كنت أنتظر خبراً يقول إن “عناصر غير منضبطة” في قاعدة صاروخية سورية قامت بمخالفة التعليمات الصادرة لها وأطلقت رشقة صواريخ باتجاه مواقع عسكرية للاحتلال الإسرائيلي شمال ووسط فلسطين المحتلة ..
توقعت أن أقرأ خبراً مفاده أن مجموعةً من العسكريين السوريين ضباطاً وأفراداً شنوا هجوماً برياً على مجموعة نقاط عسكرية للاحتلال الإسرائيلي على الحدود بين سوريا وفلسطين المحتلة بعد أن أعلنوا أنهم قرروا توجيه سلاحهم باتجاه الأصيل ورأس الأفعى وليس الوكيل أو الذنب ..
كان من السهل جداً وما زال إيجاد مجموعات فدائية تقدم روحها فداءً للوطن والقضية والأرض والعرض ..
عددُ الشهداء من العسكريين والمدنيين في السنوات الأولى “للمقتلة” .. فاقَ بأضعافٍ مضاعفة عددَ من كان سيتقدم بكل رضا وحماسة واندفاع ليكون فدائياً في سبيل وطنه وأرضه وأهله ومستقبل أفضل لبلده وأبنائه ..
كان من السهل تجريب هكذا “خطط” استخباراتية، لتعلن بعدها الدولة السورية أن ذلك خروج على القانون وعلى الانضباط العسكري، وأنها تتخوف من تزايد هكذا عمليات وخروج مجموعات أخرى عن سيطرة الدولة، فتتصاعد بشكل غير قابل للسيطرة عمليات استهداف العدو الإسرائيلي .. وأنها ستقف مكتوفة الأيدي أمام حجم وعدد هذه الحالات التي ستجد وبسرعة كبيرة من ينضم لها ويساعدها بالفدائيين والسلاح على أنواعه ..
في هذه الحالة كانت الدولة السورية ستبقى بعيدة عن المسؤولية “القانونية الدولية” كون حال الفوضى والعنف والإرهاب على الأرض يعيق مساعي الدولة “الحثيثة” لضبط هكذا عمليات، ويمنعها من فرض سيطرتها بشكل كامل في ظل الفوضى التي أشعلها الإسرائيلي، وأن كل هذا نتيجة تدخله واعتدائه على السيادة السورية.
المسافة بين دمشق و”تل أبيب” كخط نظر تقارب 100 كيلومتر، وقطع وتجاوز هذه المسافة لا يحتاج إلى مقدرات صاروخية وجوية استثنائية وخارقة أو حتى صعبة، هنالك مدفعيات بإمكانها تحقيق ذلك، فما بالك بالصواريخ المكدَّسة منذ سبعينيات القرن الماضي، والصواريخ الحديثة والمطوَّرة، وما بالك بمواقع عسكرية إسرائيلية، كثيرة جداً، أقرب بكثير أو أبعد بقليل ..
ماذا لو كُـنَّـا جرَّبنا أي سيناريو يستثمر هكذا نقاط في إظهار نيتنا وقدرتنا على الفعل والتنفيذ إن لم يتم العودة إلى الاتفاقيات الناظمة للاشتباك وللهدنة على جبهة الجنوب السوري، وبالتالي لجم وسحب غيلان الإرهاب والقتل والتكفير والتدمير التي أطلقها الإسرائيلي لتدمير سوريا ..
في زمن التكنولوجيا المعقدة والسيناريوهات الصعبة يبقى الخيار البدائي البسيط واليدوي والملتصق بالأرض هو الحل البديل عند الاستعصاء ..
يقيني كاملٌ أن الإسرائيلي على رأس قائمة من يقفون خلف مقتلتنا السورية، وأسهم بشكل كبير جداً بتهيئة المناخات المناسبة لافتعالها وانطلاقها وإدارتها وتغذيتها ودعمها بشراكاتٍ منها ما هو واضح ومعلن ومنها ما هو غير معلن مع أطراف خارجية والأكثر مضاءً ونجاعةً مع أطراف داخلية .
لذلك كانت قناعتي وكان مطلبي منذ البداية أن أصَح وأسلم وأفضل الحلول هو فتح جبهة الجنوب مع الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال.
من الطبيعي أننا نعرف أن الظروف الدولية حينها /2011/ لم تكن تسمح بإعلان حرب مباشرة ومفتوحة مع الإسرائيلي، خاصةً أن المزاج العالمي (هو اتفاق غير المعلن على استهداف سوريا) كان مهيئاً ومصطفاً خلف قادة مشروع استهداف “النظام” في سوريا، ومن المؤكد ما كنا سنجد أي داعم أو حليف من “عُمقنا” العربي أو الإسلامي.
أما الدول التي نعتبرها حليفة “روسيا والصين” وغيرهما فما كانت ستقبل بذلك حينها، بل كانت ستقف إلى جانب الإسرائيلي .. والمشاركة الإيرانية في ذلك الوقت لن تكون قادرة أو فاعلة بالشكل المجدي أو الكافي للقيام بذلك.
التركي لم يكن سيتوانى للحظة واحدة عندها عن تشكيل فك الكماشة الثاني المكمل للإسرائيلي في إطباقه علينا ..
رغم ذلك كنت متمسكاً بقناعة تقول أننا لا زلنا نمتلك أوراق لَعِب قوية يمكننا وضعها على طاولة اللعبة بإمكانها أن تُبقينا لاعباً رئيساً وأساسياً، أو على الأقل لا تسمح باستبعادنا وتهميشنا أو إضعاف دورنا وزعزعة مكانتنا.
من هذه الأوراق مثلاً تنفيذ عمليات وحياكة مناورات واختلاق أحداث تكون بمثابة رسائل مباشرة وواضحة تثبت للإسرائيلي وكل من يقف معه وينفذ مخططاته أن بإمكاننا خلط الأوراق وصياغة تهديد وجودي للإسرائيلي ولأمنه واستقراره.
وبما أن وجود وأمن الإسرائيلي هو جوهر دوافع وغايات مشروع استهداف سوريا، فسيكون تشكيل أصغر تهديد على وجوده وأمنه سبباً ودافعاً أكيداً لكل شركائه وحلفائه وأتباعه للبحث عن ضمان أمنه واستقراره بأي شكل (كما يحدث اليوم)، وإن كان المقابل أن يتراجعوا عن مؤامرة استهداف سوريا المرسومة بسيناريوهات عدة .. والمدعومة بقائمة طويلة من الشركاء والحلفاء والداعمين والمنفذين، من المؤكد أنها تبدأ من الولايات المتحدة الأميركية في الخارج، وقد تصل إلى أضيق دوائر القرار حول القيادة في سوريا ..
ما الذي منعنا من مجرد التفكير في ذلك .. !؟
لماذا تخلينا عن أوراق قوة متوفرة .. !؟
لماذا تم حجب سيناريوهات كالتي ذكرناها مثلاً وغيرها الكثير كان من الممكن أن تكون رادعة وفاعلة .. !؟
وفي حال أن نتائج هذه السيناريوهات “المحجوبة” لم تَصُب في مصلحة تحقيق تأثير رادع وإيجابي، وفي لجم وإيقاف “المؤامرة” في بدايتها، فمن المؤكد أن النتائج الأخرى وفي أي مسارات صبَّت ما كانت لتصل بأي شكل من الأشكال إلى حجم الخسارة في الأرواح، وفي مساحة وانتشار الخراب والدمار والتهجير والتشريد والإعاقة، وفي كمية العنف والإرهاب وفي مستويات المعاناة والقهر والوجع التي أصابت كل شبر من سوريا على امتداد جغرافيتها، وحيث تعجز أي حرب مفتوحة مع أعتى قوى العالم وأغشم وأذكى الأسلحة عن تحقيق هذه النسبة المضاعفة مراتٍ عدة من بنك أهداف المعتدين الموضوع في بداية الأزمة، هذا عداك عن الخسارة الكارثية في الدور والمكانة في الإقليم والعالم، والكارثة الأكبر في الخسارة الموجعة في السيادة وفي صيانة الاستقلال وضمان وحدة سوريا الجغرافية.
*رئيس التحرير
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك: https://m.facebook.com/alwasatmidlinenews/?_rdr