سمعنا وأطعنا لكن .. حيّرتمونا! .. بشار جرار – واشنطن
من منا كراعي أسرة لا يذكر اجتماعات أولياء الأمور؟، هنا في بلاد العم سام، ابتكروا آلية منذ عقود تجمع الأهالي والأسرتين التعليمية والإدارية في مجلس قيادي استشاري خاص غايته الأولى والأخيرة هي ما فيه صلاح وفلاح الطلبة، لا يسترضون حكومة ولا شركة ولا حزباً ولا جماعة ولا هيئة دينية ولا مؤسسة عسكرية أو ميليشياوية، هكذا على الأقل من الناحية النظرية.
عدد هذه المجالس نحو اثنين وعشرين ألفاً في الولايات الخمسين، بعضوية تقرب من الثلاثة ملايين ونصف المليون من الأهالي والتربويين، تحت اسم الرابطة الوطنية للأهالي والمعلمين المعروفة اختصاراً بـ”بي تي إيه”، ترجع جذور هذه الرابطة إلى “كونغرس الأمهات” الذي أسسته هنا في العاصمة واشنطن، أليس ماكليلان بيرني، وفيبي آبيرسون هارتس قبل قرنين، سنة 1897.
من أهم فعاليات الرابطة، الاحتفال بشهر أيار-مايو المُكرَّس للصحة النفسية والعقلية للطفل، قبل وخلال وبعد المشاكل أو الأزمات أو المحن أو المآسي والكوارث بأنواعها، ليس سراً أن من المسلمّات في تلك الاجتماعات الخروج -ومهما بلغ الخلاف حول القضايا المطروحة- برسالة واحدة موحّدة، الوضوح والثبات من أهم مقومات تلك الرسالة، بمعنى الاتفاق بين جناحي الرابطة الأهالي والمعلمين على أن الرسالة التربوية ينبغي لها حتى تكون مؤثرة ومستدامة، الوضوح والثبات، وكرسمين توضيحيين يتم رفع شعار الدائرة لا المثلث، الدائرة رمزاً للكمال والنجاح والاستمرارية، فيما المثلث مآله الفشل، لو تمكن الطالب من تشكيل ضلع ثالث بين ضلع الأهالي وضلع المعلمين، في هذه الحالة يصبح هو المتحكم والمستفيد من الاختلاف والخلاف بين الضلعين. طبعاً المبدأ ذاته يسود العلاقات المثالية بين الأم والأب حيث من غير المقبول التناقض في التوجيه ولا حتى التباين، وإلا ضاعت التربية والتعليم ومن بعدها كل شيء، حرفياً كل شيء عندما يكبر الطفل ويمارس أي مهنة كانت، من زراعة إلى صناعة إلى جميع صنوف الأسلحة في جيوش العالم كله قديماً وحديثاً.
في تراثنا الروحي -وهو على الراس والعين- وكذلك السياسي والتعليمي والثقافي والإعلامي، ثمة “طعّة وقايمة” كما يقال باللهجة الأردنية. فكل يغني على ليلاه! يصير الحال كما كان في مسرحية “غربة” عندما اختلطت الأمور على موفد الضيعة للعاصمة: قطع غيار للتراكتور، كرسي المكتب (البيك) ومسبحة الحجة! لسان حاله بعد شد الشروال استعداداً للهرولة باتجاه العاصمة: “سمعنا وأطعنا” ولكن..
يعلم الجمهور أن المشكلة كانت في كونه مواطناً صالحاً “لهوجاً” بمعنى متسرعاً في انصياعه وتفانيه في أداء الأوامر، حتى قبل استيفاء سماعها أو فهم تفاصيلها، لكن “غربتنا” في زمن العولمة والرقمنة و”الذكاء” الاصطناعي، لا تسرّع فيها، بقدر ما هو تخبّط، المُلام فيه “رابطة” من سأطلق عليهم صفتي الأهالي والمعلمين تجاوزاً!.
مما يفيد شرح ما نحن فيه، مشهدٌ ساخر لحال المواطن الغلبان في التعبير عن حرصه وتفانيه في أن يصير مواطناً صالحاً. يستمع إلى وزارتي الأوقاف والصحة فيقرر مقاطعة “ويسكي هيوستن” الذي حظي بشهرة كبيرة في مشهد مسرحي ساخر لحبيبنا “اللزم” غوار الطوشة في ستينيات القرن الماضي، في اليوم نفسه، تملأ سمعه وبصره دعايات الترويج للسياحة ومن لوازمها -كما هو حال السياحة العالمية- الخمور والعطور والبخور! خلطة عجيبة ليست خفية على أحد، حتى إن “زغللت” عيني “غوار” وزاغت عن المحرمات والمحظورات، وقع في المحظور متلبساً، فعاجله “بدري بيك أبو كلبشة” بتوقيف قابل للتجديد على ذمة التحقيق!.
حيّرتمونا! .. هذا هو حال الجمهور العريض بعد بضع ساعات من متابعة صحافته الحرة وإعلامه النزيه!! لحل هذه المشكلة أمريكياً، اتخذ التربويون (من أهالي ومعلمين) قراراً بإنشاء مجلس يضم الطلبة أيضاً، ولتلك الحكاية خفايا تصلح مادة لحلقة من حلقات رائعة النجم الكبير ياسر العظمة، “مرايا”!.
نسأل الله مودعين نيسان بكل أكاذيبه، خطاباً “موحداً” لا تناقض فيه، يساعد مواطني “بلاد العرب أوطاني” على فهم ما يريده قادتها العظام من المواطنين والرعايا والمقيمين والوافدين واللاجئين والنازحين أجمعين!.
إقرأ أيضاً .. الأصول في معايدات أبناء الأصول ..
إقرأ أيضاَ .. “شو” مؤامرة ما مؤامرة؟! ..
*كاتب ومحلل سياسي – مدرب مع برنامج الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية ..
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..
عنوان الكاتب على basharjarrar : Twitter