رأي

بعيداً عن خطاب “الوجهين” .. هني الحمدان 

منذ أن وعيت على الدنيا وأنا أسمع خطابات وبيانات مكررة، ومنذ أن وعيت أكثر بدأت ألحظ أن تصرفات الحكومات المتلاحقة غير “متوازنة” مع ماتقوله للإعلام وعلى الشاشات ..!.

“نفخونا” بتبريرات مللنا منها، “تحديات وضغوطات، وسنة صعبة، وموارد شحيحة، هذه السنة ستكون الأصعب، لكن السنة القادمة ستكون مريحة، ديدننا الإنتاج، نشعر بآلام المواطن ونتألم لظروفه، ولا بد من شد الأحزمة على  البطون” ..!

وبعد  كل ذلك فإن أسوأ حالة قد يواجهها أي شعب هي نقص الثقة، أو غيابها كلياً أو جزئياً، يقول لنا المسؤولون في النهار كلاماً يتنافى مع قراراتهم الليلية؛ منهم من يؤكد عدم رفع سعر مادة؛ ليأتي الرد الصاعق صباحاً بنسف ما قيل ..!.

في هذه الأيام فسَّرت لنا جلّ مؤسساتنا الرسمية -وأقصد هنا الاقتصادية والخدماتية والتي تُعنى بالشق المعيشي للمواطن- كل الإخفاقات وعدم  الصواب بالمعالجات للأزمات الحياتية الضاغطة بالتحديات وظروف التضخم وعدم التحصيل المالي وبعض من حلقات الفساد والإهمال وسواها من تبريرات قاصرة؛ وما برحت طوال الوقت تضيق الخناق على المواطن، ومعظم قراراتها كانت مفاعيلها من “رقبته وجيبه”؛ ولم تترك لديه سوى” خبزاته” بعد  أن طالت النار  “حليبات” أطفاله، ولم يعد يقدر على تحصيل ” طحيناته”  ليسد فيها أفواه أطفاله الفاغرة .. وكل ذلك بحجة مضاعفات وتكاليف التضخم والدعم .. وكلها فعلياً لا تندرج سوى في خانة المبررات الواهية والمكشوفة للجميع؛ فما هو معروف للجميع أن المعالجات والإصلاحات هي التحسين وإيجاد مخارج نجاة ولو ضمن الحدود الدنيا؛ زليست الزيادة في سوء الحال وتوسيع دائرة المعاناة وتعقيد الأحوال ..!.

منذ أن طُرحت شعارات التبرير ورفع رايات المعالجات والإصلاح لم نرَ بعد أي نجاحات بحجم المأمول، نتيجة الفساد والإهمال وعدم الصوابية في حل أي مسألة أو مشكلة معيشية وربما خدمية، وكل الأزمات إلى تفاقم، وعلى المواطن تحمل ضيق العيش؛ فحاجيات المواطن  ليست “غصة ” في حلق إصلاح ومعالجة أي أزمة أو ضائقة.

محاسبة الفاسدين، وتجفيف منابع أي حلقة من حلقات المنفعة والفساد، واسترداد الأموال، وضبط إيقاع تهرب بعض الحيتان  من دفع الضرائب؛ مواضع خلل إن تمت معالجتها ستسد مواضع العجز وتخفف من وطأة الأزمات..!.

أمام هكذا مشاهد .. كيف تعاد الثقة؟، وهل تستطيع  المؤسسات ترميم جسور االثقة المتهالكة مع  الناس ..؟، الأمر لا يحتاج سوى العمل على محاور عدة، وتكثيف المعالجة الصحيحة، وضرب الفساد أينما حلَّ وبقوة ..؛ ومحاربة فعلية لكافة أشكال الرشوة والمحسوبيات، وتفعيل قوي لمبادىء المحاسبة والمساءلة، والتقييم الجدي؛ والارتكاز على الأشخاص الأكفاء القادرين وبمهنية عالية على تأدية رسالتهم بأعلى مستويات الجدية والوثوقية ..

والأمر الغاية في الأهمية هو عودة الحضور القوي للمؤسسات، ووضوح رؤيتها وتدخلاتها، والاضطلاع بدورها ومهامها ومسؤولياتها، بعيداً  عن خطاب “الوجهين” الذي أضاع البوصلة مابين الناس ومايصدر من نداءات رسمية ..!، فشتّان مابين  أحاديث ونقاشات الغرف المغلقة وكواليسها؛ وبين ما نسمعه ونلمسه على أرض الواقع ..!، ما تسبب بتراجع الثقة بين المواطن ومؤسساته ..

فالخطاب الحكومي القوي، الخطاب الذي يحمل في طياته حلولاً مناسبة لأي أزمة، يحظى بالقبول الفوري ويعزز من هيية المؤسسات؛ وكذلك يعزز الشفافية والنزاهة في الخطط الحكومية ومشاريعها وتدخلاتها..!.

ليس من السهل استعادة الثقة وترميم ماتصدع وتزعزع مابين الخطاب الإعلامي للمؤسسات وجمهوره، فهذا يحتاج إلى الوقت، وإلى مزيد من محطات التدخل التي يشار لها بالبنان ..؛.

ماحصل  خلال السنتين الأخيرتين على الصعيد الاقتصادي والمجتمعي والخدمي، وقصور التدخل من جانب مؤسساتٍ كان  من واجبها أن تتدخل وتضع حلولاً .. إلا أن تلكؤها وتقاعسها كانا كفيلين بهدم أي ثقة ..!، لكن قد تفلح الجهود إذا كانت  النوايا صادقة، ديدنها التنفيذ والجودة، ومرتكزة على أسس علمية متكاملة يتلمس آثارها المواطن وتعيد له الثقة بمؤسساته ..!.

هناك كفاءات وخبرات يشهد العالم لها، ولدينا الإدارات والتجهيزات والآليات المناسبة لتحقيق النجاح، لكن ينقصنا مع الأسف الغيرية عند البعض طبعاً؛ عيونهم لا ترى أبعد من مقدار ماسيكسبون لصالح جيوبهم، غير مكترثين بالثقة ولا بتأدية المهام  والمسؤوليات الملقاة على كاهلهم وكاهل المؤسسات التي يديرونها ..!.

 

إقرأ أيضاً .. ماذا ينقصنا .. نحن السوريين ..؟ ..

إقرأ أيضاً .. الحاج بريمر وحليمة

 

*إعلامي – رئيس تحرير صحيفة تشرين السورية سابقاً
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

صفحاتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى