تقرير منظمة العفو الدولية .. عارٌ على الجميع
طارق عجيب – رئيس التحرير
==================================
أرقامٌ صادمة ، صورٌ صارخة بوجه الإنسانية ، روايات فظيعة عصيَّة على التصديق , هي ذي ركائز تقرير منظمة العفو الدولية الذي اتهم الحكومة السورية بانتهاج ” سياسة الإبادة “.
لا يمكن لأي شخص أن يقف حيادياً تجاه هكذا تقرير ، ولا أن يلتزم الصمت بعد ما ورد فيه من معلومات وشهادات ومعطيات كفيلة بأن تزلزل وجدان كل من يحمل لقب إنسان ، مهما اختلفت وجهات النظر والتوجهات والسياسات .
يبقى الإنسان هو منطلق الحياة وغايتها ، وتبقى المحافظة على الحدود الدنيا من حقوقه بمجملها ، هي واجبنا جميعاً كأفراد ومجموعات ودول .
سوريا هي دولة كباقي الدول في العالم ، وبما أن العالم منقسم عمودياً وأفقياً ، فيجب تشبيهها بالدول التي تشاركها الجغرافية ضمن الإطار العام ، هي دولة عربية شرق أوسطية اسيوية من دول العالم الثالث ، وضمن هذه الجغرافية يجب التعاطي معها كمجتمع وكحكومة ، هذه الجغرافية محكومة بظروف ، ومعايير ، وأسس ، وقوانين ، ومحاذير ، ومثالب ، وميزات ( إن وجدت ) ، كل ذلك تختلف نسب وجوده في كل دولة حسب خصوصيتها ومكانتها في الجغرافية الأشمل التي تشكل خارطة العالم ، ولعبة الأمم القائمة على مبدا القوى الكبرى والصراعات الناتجة عن مصالح وأطماع تلك القوى على امتداد الجغرافيا ككل .
الإطار الجغرافي الذي تقع فيه سوريا يصنف ضمن المعايير المنخفضة ( وبعضها معدوم ) للحريات العامة في كل المجالات ، والأمن ، ونزاهة الانتخابات ، وحقوق الإنسان ، والديمقراطية ، والمدنية ، والتعددية السياسية ، وتداول السلطة ، واستقلال القضاء ، والانفتاح الاقتصادي ، وغير ذلك من المعايير التي يحتاجها أي مجتمع لبناء دولة مستقرة وقوية وآمنة ، لذلك فمن المؤكد ان النظام الذي سيحكم فيها سيكون بمعايير منخفضة يفرزها التدني فيما ذكر أعلاه من معايير ، ما سينتج بالتأكيد ممارسات لهذا النظام تتوافق مع تلك المعايير ، ومنها الوصول إلى السلطة بعيداً عن صناديق الاقتراع ، والسطوة الأمنية ، والاحتكار الاقتصادي ، وفرض الكثير من السياسات الداخلية التي تُـغَـيِّـب كل المعايير الحقيقية لبناء دولة سليمة لصالح المجموعة الحاكمة والمستفيد منها في الداخل والخارج ، في الداخل مافيات السلطة والمال ، وفي الخارج الدول التي تضمن تحقيق سياساتها ونجاح مشاريعها في المنطقة ، وهنا يظهر التباين والاختلاف والخلاف بين دول المنطقة تبعاً للارتباطات الخارجية مع القوى الكبرى التي تتصارع منذ الأزل ، ومن ضمن ساحات صراعها هذا الإطار الجغرافي الذي تقع فيه سوريا .
وللأسف الشديد ، اثبتت هذه المنطقة ومنذ قرونٍ كثيرة ، أنها غير قادرة على إدارة شؤونها بنفسها ، لأسباب كثيرة لا مجال لاستحضارها الان ، لكن هذا العجز مكَّن القوى الاستعمارية الكبرى من فرض سيطرتها وهيمنتها على دول المنطقة ، وزرعت فيها ألف بذرة شقاق واختلاف تستمر من خلالها باستنزاف المنطقة والتدخل كيفما شاءت ومتى شاءت في أصغر وأدق التفاصيل الداخلية لأي دولة ، وكانت دائماً تطور أساليب وتضيف بؤر توتر وبذار شقاق جديدة تناسب كل مرحلة ، بما يزيد من ضعف هذه الدول ويضمن استمرار هيمنة ومصلحة القوى الكبرى .
في وقتنا الحالي تستخدم القوى الكبرى لضمان نجاح سياساتها واستراتيجياتها في المنطقة أسلحة كثيرة تنوعت من العسكرية حتى الاقتصادية والسياسية ، وخلقت سلاح المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية التي تمكنها من تهيئة الرأي العام العالمي ، وتهيئة التقارير التي تبني عليها قرارات دولية في مجلس الأمن وغيره لاستهداف الدولة التي تخالف مشيئتها ، الرأي العام الداعم لها يصنعه سلاحها الإعلامي الذي لا يقل عن الأسلحة الأخرى فتكاً وقدرة على التدمير .
العار الذي يصيب الجميع في قضية إنسانية مثل سجن صيدنايا أو غيره من السجون في العالم كله ، حتى في الدول الأوروبية التي تحدث فيها ممارسات تخالف كل القوانين والشرائع والأخلاق والإنسانية ، العار هو في تسييس هكذا قضية ، والمتاجرة بضحاياها من خلال تضخيم ما يجري إلى درجة المغالاة ، وفي استثمار هكذا قضية لتحقيق مكاسب لطرف أو دولة ، على حساب حقيقة ما يحدث ، لأننا عندما ننقل حقيقة أي حدث مهما كان صغيراً أو كبيراً فلا يمكن لأي طرف ان ينكر ذلك ، أما عندما يكون الهدف هو الاستثمار والمتاجرة والمساومة ، يكون هنالك مبالغة وكذب وفبركة تعطي للطرف المقصود نقاط ضعف يستطيع من خلالها أن يثبت كذب الادعاء أو الاتهام .
تغييب جزء مهم وكبير من الحقائق ، والمبالغة والفبركة في الجزء المتبقي ، ووجود فراغات كبيرة في ترابط سلسلة الاحداث ، وتضخيم الروايات لتخرج عن واقعيتها ، وإدانة طرف كمجرم بالمطلق ، والطرف الأخر بريء بالمطلق ، وكثير من الممارسات الإعلامية التي تكشف النوايا الحقيقية التي تقف خلف هكذا تقارير ، هو ما يفقدها صدقيتها ونزاهتها وحياديتها ، وهو ما يزيد الشقاق بين أبناء مجتمع واحد يجب ان يكون صوته واحداً وعالياً في وجه من يقوم بارتكاب هكذا جرائم كالتي ذكرها التقرير .
لا يمكن إنكار ما يجري داخل المعتقلات ، وهو ليس حكراً على معتقلات سوريا ، بل هو قاسم مشترك في جميع المعتقلات في الدول من أعلى الهرم حتى أسفله ، وهذا لا يبرر بأي شكل من الأشكال فظاعة ما يجري ، ويجب محاسبة كل من شارك في أي عملية ظلم وقتل لأي مدني بريء ، ولأي إنسان مظلوم ، ولأي مرتكب نفذت بحقه عقوبة لا يستحقها ،عن فعل أو جرم له معايير وضوابط قانونية في العقاب .
من يتاجر بقضايا الناس وحياتهم وعذاباتهم وكراماتهم وقضاياهم لا يقل جريمة عن مرتكب التعذيب والقتل ، لذلك لا بد من مرجعيات نزيهة وصادقة تكون هي المخولة بإنجاز تقارير مهنية وحقيقية عن جرائم القتل والتعذيب ، ويجب أن تطال كل من يمارس ويرتكب هذه الجرائم في السجون أو خارجها ، ليتم تقديمهم إلى محاكمات عادلة تقتص منهم وتأخذ الحق منهم لأصحابه .
العار ثم العار علينا جميعاً في سوريا ، على ما فعلناه بأنفسنا وبأهلنا وبمجتمعنا وببلدنا ، كنا قساة على بعضنا أكثر مما قد يقسو علينا غيرنا ، وقتلة لبعضنا بشكل أكثر وحشية مما قد يرتكبه غيرنا بحقنا ، وكنا ظالمين لبعضنا بشكل تفوق على ظلم غيرنا لنا .