تشابه الحروف!؟ .. د. نهلة عيسى

الشوارع تضج بالوجوم, والقفازات المهترئة من صقيع الأصابع التي ترتديها, وملصقات تبدو وكأنها مكتوبة لمغازلة “الاستفزاز”, وسخرية شعب يحاول النزول عن حبل الأنين بأي ثمن, ويبحث عن وسادة ملونة يرتشف منها النسيان, نسيان أن ما بدأ قبل أعوام, ما زال يتكرر كل عام, والأسى يلاحق الصدى: هناك زلزال, فينهمر الخوف هواجس تملأ كل الساحات, والدائرة جهنمية, والأخبار طواحين هراء الهراء, تبني جداراً فاصلاً بيننا وبين الأمل!!.
الشوارع تضج بالوجع, لكن صورة العدو في الركن القصي, لأن كورونا وملحقاته, والزلزال وتوابعه, على ما يبدو لم يخيفوننا, خاصة وأن القلب واهن الساقين نسي الفرح, والبلاهة رفيقة الهذيان على الشاشات, مسابقات, ومسلسلات تقاطع المتعة, ومتعهدي قوتنا وخرابنا يبدون كالبوم ينعقون, يعالجون الوجع بالسم, لكي لا نرفع الرأس, وكأنهم كما قال شاعر البصيرة “أمل دنقل”: وضعوا الجواهر بدل العيون, فأصبحوا لا يرون, ويُشترون!؟.
الشوارع مكسوة بالوجوم تستجدي العدم, وخيباتنا خارج المساومة لا تحتاج استجداء, وأصوات تهاوي الشائعات فوق رؤوسنا, يشبه تهاوي الطائرات, صوتها يشبه صوتنا, بل ربما هو صوتنا, وحطامها بعض من الغضب, ناجينا فيه الرب سنيناً, أيها الرب: قابلنا ولثمنا كل الضفادع في الدنيا, بحثاً عن أمير, ولم نجد الأمير, فهل هناك عالم غير هذا العالم, أو حياة بعد هذه الحياة, ستبعث فيها لنا أميراً؟ أرجوك أيها العالي في سابع سما: أرجوك أبعثه هنا في الوطن, لأننا قبل كل وجع, وبعد أن ينتهي أو لا ينتهي الوجع, لن نغادر الوطن, فاستجاب الرب, وكان أميرنا “زلزال”, فطارت الأرض بنا إلى السماء!.
الشوارع تضج بنا, والعمر يبدو أقصر من الأماني, والفرح عابر صفيق, ما أن يفتحَ الباب, حتى يغلقَ الباب, ولكننا رغم كل ذلك ولا أعرف لماذا, ما زلنا على أمل, نصب الصبر نخباً فنخباً, فوحده الصبر, الذي لعمرنا لطالما كان شريكاً, بات ربيعاً في هجيرنا المستعر, وماءً لظمأ ناري في الضلوع, ومتراساً في وجه الصقيع, وقامة منصوبة في وجه الانحناء, تمنح ولو وهماً .. أملاً, بأن الماء قريب, وقد كان بالفعل قريباً, ولكن بعضنا تحت تراكم الوجع لم يكن يرى!.
الشوارع تضج بالكمامات, رغم أن الأخطاء تراق كالماء في أرضنا كل يوم, فالدم صار ماءً, وماء عيوننا صار دماً, ومدن الألف عام, صارت مدناً من دمار, ترتقي كل يوم درج المقصلة, ولا تنحني, وفيروز في المذياع القديم, تهمس: “في أمل أحيانا بيطلع من ملل”, فنسمع كلمة ملل, ونظنها تقول: اسامينا!,
الشوارع تضج بوجوهنا المتهالكة, فماذا بعد؟ صباحنا يعاقر الموت والفقد, كمخمور أصيب بنوبة جنون فتحول إلى وحش كاسر, فقتل وجرح وهَجر مئات الألوف, قبل أن يتكرم علينا بالانتحار, لتلصق التهمة بالرب الغاضب والقضاء والقدر, والاختبار والاستحقاق, والغريب الحاقد, والقريب المغرر به, والمآل آلاف من الشهداء, وآلاف مؤلفة من القتلة لا نعرف أسمائهم ولا ملامح وجوههم, وملايين من الجائعين لا يبحثون عن السبب, بل عن اللقمة, فمن نحاسب!؟.
ماذا بعد؟ سؤال شديد الترف وصباحنا ملتبس, حرب وكورونا وربما زلزال أقوى, أو على الأقل هاجسه, ماذا بعد, ومعظم نهاراتنا خائنة؟ هل تريدون الحق؟ اسوأ الأسئلة هي التي تبحث عن الغد, يكفي أنه نهار, وأنه في الوطن, وفنجان قهوة وصوت فيروز يرسم خريطة عيش يوماً بيوم, يقول ونتوهم صدق ما يقول: في أمل, أحياناً بيطلع من ملل, أو ملل من أمل, ليس هاماً ماذا من ماذا, المهم تشابه الحروف!!.
إقرأ أيضاً .. شقق مفروشة !؟ ..
إقرأ أيضاً .. تهوية إحباطاتنا!؟ ..
*أستاذة جامعية – سوريا
المقال يعبر عن رأي الكاتب