رأي

تهوية إحباطاتنا!؟ .. د. نهلة عيسى

في بلادنا الحزينة, لكن المشمسة معظم أيام السنة, لدينا عادة إخراج اللحف والبطانيات والأغطية الصيفية الخفيفة إلى الهواء المفتوح لتعليقها على المناشر بغية تهويتها أو “تشميسها” وفقاً للتعبير الدارج, لأن عملية غسلها أسبوعياً مثل الشراشف ليست بالأمر السهل, ناهيك عن وعورة تجفيفها خاصة في الشتاء.

وأظن أن فعل التهوية المعتاد بات سائداً في معظم أفعالنا, إذ معاقرة الشراب نوعاً من تهوية الدماغ, والثرثرة وتناول الآخرين بالحق وبالباطل نوعاً من تهوية ألسنتنا, والكتابة والتذمر على صفحات الفيسبوك نوعاً من تهوية إحباطاتنا التي لا يمكن غسلها في ظل وضع سياسي وطني ودولي ملتبس, ووضع اقتصادي واضح وصريح أنه آيل لمزيد من السقوط!!.

ولأن التهوية على ما يبدو باتت قدراً, أعاني كلما قررت الكتابة سجالاً مع ذاتي منذ أسبوع, حول المهنة وسقوفها وخطوطها الحمراء, والدور المجتمعي المنوط بالصحافة عامة والوطنية خاصة, وأخلص إلى نتيجة: أنني فيما أكتب لست رهينة مزاجي كما قد يخيل للبعض, بل أنا رهينة الحقيقة, حقيقتي, وحقيقة كيف أرى الأشياء من حولي, وهي رؤية ليست عبثية, بل مضبوطة بصرامة بمواقفي المعلنة والخفية, التي لم تساوم يوماً على الوطن, ولم تضع في ميزان البيع ما أؤمن أنه الفعل الأسمى لمهنة الكتابة في الصحافة, وهو أمر مارسته منذ بدأت الكتابة الصحفية وأنا ما أزال طفلة صغيرة, كهاوية واعدة بداية, ومن ثم كمحترفة, ولم أوقع يوماً, ولم يطلب مني أحد أن أوقع تعهداً للإقامة في مرفأ بعينه, ولا بطاقة طيران في سماوات محددة, بل تُركت للتجوال في كل الجروح على هواي, ولطالما قادني تجوالي في الوجع إلى سابع سما, ولم أوقف, ولم يطلب مني التروي, ولا النوم على وسادة ” السياسة التحريرية”, لأن من دعاني للكتابة يوماً كان يعرف أنني ممن يفتشون عن اليقين في الزمن الكافر!.

ولذلك ليس غريباً علي ما يحدث في بلادنا, وإن كان بالنسبة لي مفهوماً من تهوية أوجاع مجتمعية متبادلة تصل حدود التخوين, لأن مجتمعنا ما زال في حالة قلقلة “هوياتية” ووجودية ومعاشية, وضبابية رؤية وربما ممارسة, ما بين مفهوم الأنا والنحن, وهي قلقلة تقود أحياناً إلى محاولة مطالبة من هم مثلي برمي مرساتهم في المرافئ المحكومة بقوانين ماض لم أكن لأرسو في ظلها, وهو يمزق إمكانية أن أرسو إليها في الحاضر, لأنها ضد طبيعة ومنطق الحاضر!.

ولذلك, أنا مشردة على كل الجبهات في وطنٍ مكسور النوافذ, , وأنام كالموتى بلا وسادة, ولا أغفو على زند أحد, وتشردي, ليس حالة فردية, بل هو انعكاس لتأثيرات المرحلة على ذاتي, والتي أجبرتني على معرفة أنه لكي أكتب, ليس فقط يجب أن أقرأ, وأن أعي موقعي كمواطنة سورية في عالم يتأمر ضد وجودي, ويلعب دور البطولة في المؤامرة بعض أبناء جلدتي, بل أن أعايش الناس البسطاء والفقراء البعيدين عن الأضواء, وأن أتقاسم معهم الجروح والطعنات والخيبات, وأن أتحسس همومهم بتواضع العشب وملايين الأزهار الصغيرة التي لا اسم لها, سوى أنها جميلة, وأنها رغم أنف الصخر, تغطي الصخر!.

أنا مشردة, ولكني لست رهينة مزاج, لسبب بسيط: لسنا في زمن المزاج, فالحقيقة أكبر من اللغة, والحقيقة تقول: نحن في زمن الموت, وأنا أرفض بركة هذا الزمن, ولهذا أتعذب بكتابة ما لا يكتب, وأرفض مقايضة روحي مقابل الصمت, لست “فاوست” ولن أدفع روحي ثمناً لشيء مهما أحببته, ولن أوقع (مثل معظمنا) بدمي صكاً سوى للوطن, ولا أريد أن يمنحني أحد شيئاً مقابل كذبة أننا بخير!! ولذلك كتبت يوماً على صفحات الجرائد أننا لسنا بخير, ولم يعترض أحد, ولذلك بقيت أكتب.

نحن في زمن نعيش ونحب ونشتاق ونتمنى ونريد مع وقف التنفيذ, ونشطر كل ثانية بالسكين إلى شطرين, رغم أن العمر واحد, والبؤس واحد, إلا أن الأعداء أربع وأربعون, ولهذا تدهشني قدرة البعض ادعاء الحياد والموضوعية, لأن هذا بالنسبة لي أمر مزيف كسائر النظريات التوفيقية التي يخسر فيها المرء ذاته ويكسب فقط أنه قد نشر! ولم يكن همي يوماً النشر, أنا وبصدق شديد كرائحة أي نبتة في حقل, لا أريد أن أخدع أحداً, اقبلوني أو ارفضوني, ولكني سأبقى لا أقول إلا ما أظنه الصدق, والصدق أن قلمي لطالما احتضن وقوفي العاري على قمم الجروح, وفي أي لحظة أرى أن العري ربما يؤذي بعض العيون, لن ألبس كلماتي الثياب, لأنها كفن, فقط سأغادر المقبرة, وأبحث عن منشر مشمس جديد لاحباطاتي.

 

إقرأ أيضاً .. عقوبات مزاجها عالي!؟ ..

إقرأ أيضاً .. صور شعاعية ..!؟ ..

 

*أستاذة جامعية – سوريا
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

صفحتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك