رئيس التحرير

بـنـات الـهوى وســطـوتـهـن عـلى الـشـارع الـعـربـي .. بقلم طارق عجيب ..

|| Midline-news || – الوسط ..

أدخلناها  بيوتنا ، شاركتنا حتى غرف نومنا وزوايانا الخاصة ، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية ، وهاجسنا وشغفنا ، أدمنَّاها وأصبحنا لها مُريدين وتابعين ، تسللت لأحلامنا وكوابيسنا ، بموافقتنا ورضانا ، ودفعنا ثمناً باهظاً كي نصل إليها من مالنا ووقتنا وأعصابنا وعمرنا ، ولم نلقَ معارضةً من أحد ، بل هنالك سابقون ولاحقون ، وهي كعادتها تسعى لتقديم نفسها بأبهى حلة ، وأشهى تقديم ، وتستخدم كل الوسائل والأحاييل والألاعيب ، الزيهة منها وغير النزيهة ، للحصول على أكبر عدد من المريدين ، ومن ثم تستنزفهم وتستخدمهم كما تشاء ويشاء لها الهوى ، وكما يطلب منها عرابها الذي يستثمرها ليحقق من خلالها غاياته وأهدافه على تنوعها ، والتي تهدف للهيمنة والسيطرة على مقدرات وثروات المريدين وتوجهاتهم وحياتهم والتحكم بهم وبأرائهم وقناعاتهم .

الهوى هنا هو الأثير الذي تسبح في فلكه ألاف القنوات التلفزيونية التي تتنوع سياساتها وبرامجها وأهدافها وأسباب ظهورها ، من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ، وكما هو الحال ، تختلف من قناة فضائية إلى أخرى ، نسبة المصداقية والمهنية و الشفافية والتبعية للدول والجهات المختلفة التي تمولها وتنفق الأموال عليها .

ومن الطبيعي ان يكون لكل قناة تلفزيونية خطاب وسياسة إعلامية وبرامجية تراها مناسبة لتحقيق أهدافها وغاياتها وتخدم الجهة التي تمولها إن كانت دولة أو جهة أو حزب أو شخص أو غير ذلك ، ولها علينا أن نحترم خطابها وسياستها ولو اختلفنا معها في الرأي ، أما تلك التي التزمت مهنة بنات الهوى اللاتي يبعن أنفسهن لمن يدفع ، إن كان قليلا أو كثيرا ، ويتاجرن بكل شيء ابتداءاً من أجسادهن وهي أرخص شيء يقدمنه ، مرورا بكل الأخلاق والمثل والمبادىْ ، وليس انتهاءاً بالكرامة والعادات والتقاليد وكل ما هو سامٍ وشريف ، فهذه ليس لها أدنى احترام ، بل وتتحمل مسؤولية الخراب والدم والعنف والإرهاب الذي تعيشه بلداننا ، هذه القنوات التي تتاجر بالشعوب والأوطان والإنسان والحقوق تنفيذاً لمخطط شيطاني يستهدفنا من الجذور إلى الأغصان ، ويستهدف اجتثاثنا من أرضنا ، وزعزعة إيماننا بالله وبأرضنا .

تمتاز هذه القنوات بفجورها في طرح بضاعتها ، واستماتتها في محاولات ترويج وتسويق هذه البضاعة والفتوى بتحليل كل الوسائل والطرق لتحقيق غايتها في توزيع سمها في ما تقدمه من دسم في بضاعتها ، وعملت هذه القنوات سنوات طويلة واعتمدت على مهنية عالية وتقنيات متطورة ، وتبنت قضايا انسانية واجتماعية دقيقة تلامس عواطف ومشاعر شريحة كبيرة من المشاهدين بطريقة أقنعت فيها المشاهدين أنها حريصة وصادقة في طرحها ومتابعتها لتلك القضايا ،  وضخت في سبيل ذلك أموالاً طائلة دون أن يكون هنالك شفافية ووضوح فيما يخص مصادر تمويلها ، ما جعلنا منذ البداية نتسائل عن مصدر التمويل لهذه القنوات ، والهدف الحقيقي من ضخ كل هذه الأموال .

لايخفى على أحد ان الاعلام اليوم اصبح الأكثر تاثيراً على الشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية وحتى الدولية ، بل أصبح بإمكاننا القول أن الإعلام سلاحاً يمكننا أن نستخدمه في وجه من نريد أن نوجه له رسائل مباشرة أم غير مباشرة أو كورقة ضغط ومساومة في المفاوضات بين بعض الدول .

اليوم يصرف العالم أموالاً طائلة في سبيل إنجاح إعلامه لاستخدامه كأحد أسلحة الهجوم أو الدفاع ، وليؤثر بواسطته على الناس في الداخل والخارج ، بل وصل الأمر لدى بعض الجهات إلى اعتبار الوكالات الإخبارية كوكالات استخباراتية أكثر من كونها وكالات إخبارية ، واصبحت بعض الوكالات مأجورة لمن يدفع أكثر ، ولايهما في النهاية إلا مصلحتها ومصالحها ولو على حساب شعب يباد أو يقهر أو يموت جوعا ، وبالوقت نفسه يتشدقون علينا بالحديث عن شرف المهنة والتباهي بالقول أن الناس تثق بهم وبوكالاتهم أو قنواتهم أو وسائلهم الإعلامية الأخرى .

وتلعب بعض الفضائيات دوراً أساسيا وفعالاً في زرع الفتن ، والتضليل والتحريض والتجييش لبعض المجتمعات العربية والدولية ، وذلك عن طريق استغلال بساطة وبراءة المواطنين وثقتهم بمصداقية ومهنية هذه الفضائيات ، واعتقادهم أنهم يتابعون إعلاماً نزيهاً ومحايداً ويسعى إلى نقل الصورة كما هي فعلاً دون تضليل أو تنفيذ لأجندات ومشاريع تريد التفتيت والتقسيم لكل دول المنطقة . فالحرب اليوم لم تعد بالأسلحة التقليدية فقط بل بأسلحة ووسائل تمهد للأسلحة التقليدية التي لن تميز حينها بين أبناء الوطن الواحد ، فمن سيستخدم هذه الأسلحة يستهدف الوطن بمجمله أرضا وشعبا ، هنا يبرز الاعلام كسلاح متقدم في خلق الصراع بين أبناء الوطن الواحد ، هذا الصراع الذي يمهد الطريق بدماء أبناء الوطن الذين غرر بهم واستطاعت تلك الفضائيات ذات البرنامج الممنهج والمدروس أن تديرهم وتستثمرهم بقليل من التضليل والتجييش المبني على نقاط ضعف في مجتمعاتنا ونسب جهل متفاوتة  موجودة لدى المجتمعات ، لكي تنفذ مشروعها الهادف إلى إلغائنا وتقسيمنا وتحويلنا من أسياد في هذا الوطن إلى منفذين وتابعين لقوى الشر والظلام في العالم .

ولا ينكر أحد أن هذه القنوات نجحت ولا تزال بإغراء الجمهور العربي وجذبه , كونها اعتمدت في بدايتها على المحتوى والمضمون , وتلاعبت بدهاء بدغدغة المشاعر وعزفت على أوتار القضايا العربية الأساسية كالقضية الفلسطينية ، كما لعبوا على الأوتار التي يطرب المواطن العربي لها ، ولامسوا الخطوط الحمر التي كان المواطن العربي يعتقد ان لا أحد يستطيع الاقتراب منها ، وناقشوا قضايا حساسة في مواضع كثيرة في الجسد العربي ، وفتحوا أبوابا مغلقة منذ مئات السنين ، وعبروا الحدود كافة بطريقة كانت مجهولة أذهلتنا ولم نجد لانجازاتهم تفسيراً حينها ، وكنا نعيد الأمر إلى قوة الإعلام وسطوته ، والكم الكبير للديمقراطية والحرية في بعض المجتمعات ،  لكننا اكتشفنا لاحقا أننا كنا مخطئين في تفسيرنا ، والأن عرفنا كيف ولماذا كانت تفتح لهم كل الحواجز والأبواب في كل بقاع العالم , تلك القنوات كانت تمهد وترسم لنيل ثقة الشعوب العربية بدايةً بأي ثمن ، ولهذا كانت مُقنعة ويمكن تصنيفها بالمهنية ، إلى أن وصلت إلى غايتها ثم أظهرت وجهها الحقيقي من خلال تعاطيها مع القضايا العربية كافة .

وللأسف أصبح المواطن العادي أو الجمهور العربي بشكل عام  أسيراً لما تبثه هذه الوسائل الإعلامية ، وأصبحت تلك الوسائل بأذرعها المرئية والمسموعة والإلكترونية ، هي مصدر المعلومة الرئيس لديه ، وهي التي تساهم في توجيه دفة هذه الجماهير , وأسهم في ذلك ضعف وسائل الإعلام الحكومية وفشلها أحياناً في تناول قضيا مهمة ، ومن المؤسف ان هكذا جمهور مُتحمس بشكل كبير ، يصبح من الصعب إقناعه بالدور الخبيث الذي تلعبه هكذا قنوات ، بعد أن تمكنت من السيطرة على عقول وقناعات جمهورها الذي أدمنها إلى حد الهوس عبر تقديم سموم الإدمان في مواقع ووجبات دسمة مدروسة ومختارة بعناية .

ومع كل ما ظهر من كذب وتلفيق على شاشات تلك القنوات ، بدا جلياً أن هنالك أجندة خاصة لم تعد سرية أو خافية على أحد , وأن الأخبار والبرامج السياسية تُطبخ في مطابخ سرية مُتفق عليها , ويُعدُّ القائمون على المحطة ومموليها وضيوفها من محللين ومحرضين ومرتزقة , جميعهم شركاء في تلك الوجبات الإعلامية السامة وما ينتج عنها من أثار كارثية على المجتمعات والأوطان .

*رئيس تحرير موقع Midline-news
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى