العناوين الرئيسيةرأي

الوعي التكاملي في المجتمع.. علي.أ.دهيني

.مجرم الحرب الإيطالي رودولف غراتسياني، صاحب المجازر الجماعية في ليبيا أيام استعمارها، قال: “علينا أن نسدّ آبارهم، ونحرق حقولهم وأشجارهم. سوف نحوّل أرضهم إلى خراب، حتى إذا عجزوا عن العيش فيها سوف يرحلون. سوف تكون هناك عقوبات صارمة”.

هذه فلسفة الاستعمار ماضياً وحاضراً، وما قاله منذ قرن من الزمان، ما زال يمارس إلى اليوم ولو بأساليب جديدة ومعطيات مختلفة. الهدف واحد: إذلال الشعوب وتطويعها والاستيلاء على مقدرات دولها.

هذا ما يجري اليوم على كل المساحة العربية في البلدان التي انتفض شعبها ضد قادة انظمة أقل ما يقال فيها أنها من مخلفات هذا الاستعمار التي بوأها مراكز الحكم لتنوب عنه، بعد انسحابه العسكري، لتمارس ما عجز عن تحقيقه بوجوده العسكري.

بعد قرن من الزمان على ما قاله غراتسياني، ها نحن أمام ذات التوصيف من الوقائع التي يمارسها مستبدلاً السلاح بالإعلام ليكون أداة لتوهين الشعوب وإضعاف شخصيتها وسلب إرادتها.

الإعلام.. فد يبدو هذا الموضوع ممجموجاً لكثرة ما جرى الحديث حوله، إنما الواقع الذي وصلنا إليه من التمزيق والتفكيك في واقعنا، أوجب أن نعيد ولو علا سبيل إنعاش الذاكرة خطورة هذا هذا السلاح المعاصر، وقد بات قوة قاهرة ومدمرة ذاتياً لسرعة بلوغ الأهداف. هذا السلاح الجديد تأسس على مبدأ الفوضى الخلاقة التي تعتمد مبدأ دراسة ثقافة الشعوب وعاداتها وتقاليدها بغية اختراقها بغية تمزيقها وتفتيتها، والتركيز على نقاط الضعف في ثقافتها وانتمائها الوطني والقومي، فتتسلل إلى العقول بمرونة فائقة التأثير وسريعة التحقق.

ومن البديهي أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أدوات فعالة في هذا المضمار، ولذلك أنشئت جيوش إعلامية بدل الجيوش العسكرية، تعمل على تأجيج الغرائز الطائفية وإشعال المشاعر الدونية في الإثنيات العقائدية، ناهيك استغلال الحساسية الطبقية والدونية الاجتماعية.

من كل ما تقدم، وما يعنينا في عالمنا العربي، هو أن الثغرات جم كثيرة، ونقاط الضعف مستحكمة في النفوس عند الفئات المستهدَفة في الأطر الجغرافية، وذلك لا شك سببه عدم وجود أيديولوجية قومية تكون قوة بناء لإرادة أبناءها، وتكون مرجعا لمجموع الفئات التي تنتمي إليها.

وأقسى وأفعل ما يُشنّ علينا هو استغلال إرهاصاتنا النفسية لكثرة نقاط الضعف التي ربتنا عليها الانتماءات الطائفية والمذهبية، فتحولنا إلى مساهمين في ترويض نفوسنا وتجزئة مجتمعنا حتى انشغلنا بتمزيق صفوفنا، وتسليم رقابنا إلى غرائزنا ونوازعنا.

جيوش الإعلام المجندة للعمل على تفكيكنا تدأب ليل نهار أن تلقي بجمرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى نبادر بذواتنا إلى تحويلها إلى نار تحرقنا قبل أن تحرق أعدائنا.

كل ذلك في غياب الوعي التكاملي الذي يربط ابناء الوطن، أو الأمة، بالانتماء الوطني أو الالتزام القومي، ذهاباً إلى المعتقد الديني أو المذهبي بكل ما فيه من محمولات لا صلة لها بالوعي العقلاني والشعور الأخلاقي.

وليس من الجديد أو الغريب المتفرد القول إن الأفلام والبرامج بمجمل موضوعاتها عبر الشاشات بضيوفها وبرامجها، التي في اصلها أنشئت لغرض توهيننا وتدمير شخصيتنا بأيدينا، بحيث تقدم لنا صورة جمالية مصطنعة فيها من الترفيه ما تستحسنه النفس ما يجعلها تميل إلى الشعور بالحرمان، حتى نبادر إلى التعليق عليها بجلد ذاتنا ونعتها بنعوت فيها من الإهانة وتوبيخ الذات لقصرنا عن مثل هذا، فيما أن المجتمعات التي أريد أن تكون لنا مثالاً، فيها من الموبقات والرذائل الأخلاقية والتفاوت الاجتماعي وانتشار الجريمة والفساد في المجتمع والإدارات، مثل ما هو موجوجود عندنا، فمعدلات الجريمة مثلاً تفوق معدلاتها في مجتمعاتهم أكثر من مجتمعاتنا بمرات، بل اكثر عنفاً، وملاجىء المتسولين والمعوزين تشهد على ذلك إذا ما بحثنا في خفايا تلك المجتمعات وما يمارسون العنصرية والاضطهاد،ثم ينادون بالديمقراطية. فهم ليسوا افضل منّا في شيء، سوى أنهم لا يجلدون ذاتهم بايديهم.

كل الشعوب في دول العالم تتنوع طبائع شعوبها بإيجابيات وسلبيات، فلماذا نشعر نحن بأننا مجموعات متخلفة دون غيرنا، إنه التوهين الذي يُلقى علينا لترويض نفوسنا، وجلد الذات الذي أريد لنا أن نقوم به للإمعان في تمزيقنا وسهولة السيطرة على سلوكياتنا.

مشكلتنا مشكلة أنظمة مارست في سياساتها التفرقة بين مكونات المجتمع، منذ عهود الخلافة إلى الملكية إلى الجمهوريات الحالية، حتى جعلت أبناء المجتمع الواحد يتنابذون في ما بينهم، حتى أبناء الدين الواحد أو المذهب الواحد يدمرون معتقداتهم فيشكلون ذلك أرضية خصبة لاختراقهم وتنميط حياتهم وسولكياتهم بما يريده أعداءهم. من هنا علينا أن نتوجه إلى الأنظمة لتصويبها، لا أن نمزق بعضنا.

علينا أن نقاوم هذا الغزو بالوعي التكاملي بيننا، ونشكل جبهات مقاومة ثقافية وفكرية تناضل وتكافح هذا الغزو، وعلينا أن نستفيد من أدوات أعدائنا عبر وسائل التواصل لبناء مجتمعاتنا لا لتهديمها.

وما دمنا صدّرنا قولنا لمجرم تاريخي ، نختم بكلام لعمر المختار قاله لغرتسياني حين دعاه للاستسلام وبأنهم دولة متقدمة ذات حضارة: “خلال العصور المظلمة قدنا العالم إلى المعرفة. لن نستسلم”.

فجابر بن حيان وابن الهيثم والرازي وابن سينا وابن خلدون وغيرهم كثير ، الذين أسسوا لعلوم أنارت العالم، هم من جلدتنا ومن ترابنا لكن أنظكتنا غيبتهم وغيبت إمكانية الاستفادة من علومهم.

وأختم هنا لأقول: إن المقاومة التي تملك الوعي والإرادة تتعاقب ولا تموت. وليست المقاومة بالسلاح العسكري فقط.

ــــــــ

* كاتب عربي. رئيس تحرير مجلة “مدارك ثقافية” الالكترونية.

تابعونا على صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك