العناوين الرئيسيةضيف الوسط

القس الشاعر جوزيف إيليا: أكتب ما أظنه خادماً للواقع الثّقافي ودافعاً للعمل الوطنيّ وسانداً للحالة الإنسانيّة

جوزيف إيليا .. القس الشاعر ، أحد أبرز الوجوه الأدبية في الساحة الثقافية العربية، سواء في محافلها الواقعية، أو مواقعها الافتراضية.
فحضرة القس الشاعر جوزيف إيليا يجزي وقته بين الروحانيات والأدبيات الثقافية. وقد ارتكز في حياته على دعائم لا تهتز بفضل إيمانه بها، وهي مستلهمة من الفكر المسيحي، وقوامها: المحبة والتسامح والعطاء، حدّاً تبدو فيه قصائده التي ضمّها مؤخراً الى ٤ مجلدات تحوي أعماله الكاملة، كمرجع لمحبي العطاء والتسامح بين الأديان.
الحوار مع القس الشاعر جوزيف إيليا -رغم حزنه وألمه لاضطراره مغادرة وطنه سوريا– يقدّم متعة خالصة للقراء، من حيث أنهم أمام رجل دين يشعر بالإنسان.. ومن ثم شاعر يؤمن بالإنسان، ويحيا في عوالم إنسانية تحترم الاختلاف والتعددية.
وهذا الرأي أعلاه مشفوع بكل ما قدمه من شعر وأناشيد وأغنيات ومحاضرات ومواعظ وآراء، استحق عليها حب الناس وتكريم الجهات الرسمية في عدة دول، لتجربته الحياتية والشعرية.

.

القس الشاعر جوزيف إيليا
استهوته عوالم الأدب

.
خادمًا للواقع الثّقافي ..


قارئ شعرك حضرة القس جوزيف إيليا ، لا بدّ أن يسألك بدايةً :”من أين لك هذا”؟ هل إبداعك الشّعري نتاج دراسةٍ أكاديميّةٍ، أم موهبةٍ، أم هوايةٍ تابعتَ صقلها ذاتيّاً، أم أكثر من ذلك؟ فالبناء الّلغويّ والمعرفيّ الفذّ لديك، يشي بأنّك قارئٌ ومثقّفٌ ومبدعٌ من طرازٍ مميّزٍ.

لم يسبق لي دراسة الأدب أكاديميًّا وما درسته فقط أكاديميًّا هو علم الّلاهوت.. غير أنّه من طفولتي قد استهوتني عوالم الأدب فعكفت عليه دارسًا وقارئًا نهمًا لكلّ ما كان يقع تحت يديّ من كتبٍ ولم أفِق إلّا ووجدت نفسي أسيرًا له هائمًا به لا أفارقه ولا يفارقني ولقد أحببت أكثر ما أحببت الشِّعر فكتبته في سنٍّ مبكّرةٍ مرسَلًا من دون مراعاةٍ لشروطه وقواعده وضوابطه ثمّ ابتدأت وحدي بتعلّم أوزانه وإيقاعاته فأتقنت جميعها كلّ الاتقان وصار ما أكتبه من الشِّعر بعدها مستوفيًا شروطه لهذا فيمكنني القول:
إنّني قد دخلت فضاءاته من باب الموهبة والهواية لكنّ الموهبة لا يمكن أن تكتب لها الدّيمومة إن لم تُصقل بالرّعاية والاهتمام والتّدريب والدّراسة وقد عملت وحدي على نموّها وديمومتها فأوليت موهبتي كلّ ما احتاجته لتنمو وتثمر من دون الاستعانة بأحدٍ.

الإنسان، الوطن، المحبّة، التْسامح، العطاء، محاور تجربتك الشّعرية. فهل للفكر المسيحيّ المتّسم بالتّسامح والحبّ والعطاء، تأثيره على تجربتك الشّعرية؟ أم هي بالتّوازي ثوابتُ وقناعاتٌ لديك؟

 تمامًا ولا شكّ في هذا أبدًا فإنّ الفكر المسيحيّ بكلّ تفاصيله والّذي نهلت من ينابيعه الصّافية ما نهلت وترعرعت تحت ظلاله الظّليلة وترجمته على أرض الواقع أعمالًا مرئيّةً ملموسةً قد كان له الدّور الأكبر في ترسيخ هذه الثّوابت والقناعات وتعميقها أكثر لديّ حتّى أمست لي منطلقًا ومنهج حياةٍ وساعد على أن يصطبغ جميع ما كتبته بألوان قيم المحبّة والتّسامح ومصافحة الآخر المختلف ولو قيّض لك قراءة جميع ما كتبته وهو غزيرٌ كثيرٌ فلا أظنّك ستعثرين فيه على ما فيه إساءةٌ لأيّ شخصٍ أو دينٍ أو فكرٍ إيمانًا منّي بأهميّة الاختلاف والتّنوّع والتّعدّد لإغناء الوجود وتجميله والحفاظ عليه إذ لا شيء يمكن أن يصيبه في مقتلٍ ويشوّه وجهه أكثر من الشّكل الواحد والفكر اليتيم والنّظر إليه بعينٍ واحدةٍ.

كتابة الشعر لا تتعارض مع الدين

.
القس الشاعر جوزيف إيليا، ساندًا للحالة الإنسانيّة ..


لديّ سؤالٌ لاشكّ في أنّه يدور في أذهان الأصدقاء والقرّاء معًا وهو : هل يتعارض الشّعر مع الدِّين؟ ثمّ هل يتصارع في داخلك رجل الدِّين مع الشّاعر؟

 لا تعارض يُذكر بين الاثنين بدليل أنّ بعض الأنبياء كانوا شعراء كأبينا داود وسيّدنا سليمان وغيرهما وأنّ معظم الأديان قد جاءت كتبها المقدّسة بصيغةٍ شِعريّةٍ وأنّ كثيرين من رجال الدِّين في مختلف العصور كانوا شعراء أفذاذًا ومنهم القدّيس العظيم أفرام السّريانيّ على سبيل المثال لا الحصر

لذلك لا أحسّ بصراعٍ في داخلي بين رجلي الدِّين والشِّعر بل هما متّفقان على أحسن ما يكون الاتّفاق ومتصالحان بل ومتعاونان إلى أبعد حدود التّعاون.

على الرّغم من معرفتي نبل شِعرك وجماله ونهجه الأخلاقيّ والإنسانيّ -كوني من قرّائك- بودّي معرفة كيف يتقاطع كلٌّ من الدِّين والشِّعر معًا دون أن يتصارعا داخلك ليغلب أحدهما الآخر؟

إنّ الدِّين هدفه تقريب الإنسان من خالقه وإصلاحه وتهذيبه ودعوته إلى كلّ ما فيه سموّه وهجر كلّ ما من شأنه قتل روح الإنسان في داخله وأنا في شعري كلّه لا أخرج من جغرافيا هذا الهدف والشّواهد على هذا أكثر من من أن تعدّ وتحصى
فحينما أقول ناصحًا واعظًا :
لعيشةٍ مقدَّسهْ
على الرّؤى مؤسَّسهْ
امضِ تقدّمْ رافضًا
ملاعبًا مدنَّسهْ
وتاركًا عوالمًا
عظامُها مكلَّسهْ

فإنّني في قلب هذا الهدف لم أبتعد عنه قيد أنملةٍ.
.

من مجلدات أعماله الشعرية الكاملة

دافعًا للعمل الوطنيّ ..


ربّما رجل الدِّين/الشّاعر، مُلزمٌ أكثر من باقي الشّعراء، فعلى عاتقه تقع مسؤوليّةٌ ثقافيّةٌ وروحيّةٌ وإنسانيّةٌ تجاه أبناء بلده وتجاه الإنسانيّة ككلٍّ. ماذا عن مسؤوليّاتك في هذا المجال؟

لم تجانبي الصّواب في قولك هذا وأنا قد حاولت جاهدًا مجتهدًا على قدر استطاعتي ألّا أتنصّل من مسؤوليّاتي تلك فكتبت كلّ ما ظننته خادمًا للواقع الثّقافي ودافعًا للعمل الوطنيّ وساندًا للحالة الإنسانيّة ومجمِّلًا طرق الصّلاح والخير ومحذِّرًا من مخاطر البغضاء والتّطرّف.

خلال عشرة أعوامٍ منذ الحرب على سوريا، وحتى العام كتبت أكثر من اثني عشر ألف بيتٍ من الشّعر! وأكثر من مئتي قصيدة تفعيلةٍ والنّقّاد الّذين اطلعوا على “أعمالك الشِّعرية الكاملة” التي جاءت في أربعة مجلدات، توقّفوا بإعجابٍ أمام توافق وتلازم ثنائيّة “الكمّ والكيف”. فكيف مع هذه الوفرة حقّقت المعادلة الصعبة؟

 إذا كان ما قيل في هذا الصّدد صحيحًا فمردّ ذلك حرصي الشّديد على اختيار الّلفظة الصّحيحة والصّورة الجديدة غير المستهلَكة والموضوع الحيويّ ولعلّ الأهمّ من كلّ هذا وذاك هو توفّر الرّوح الشّعرية اليقظة والموهبة الحقيقيّة المتّقدة.
.

القس الشاعر جوزيف إيليا
مواعظ روحية وندوات أدبية

.

القس الشاعر جوزيف إيليا الحاضر دوماً..


أنت حاضرٌ في كلّ حدثٍ، يخصّ سوريا أو العرب أو حيثما كان. ما من قضيّةٍ أو مهرجانٍ أو مؤتمرٍ أو وفاةٍ أو وباءٍ أو تفوّقٍ أو انكسارٍ أو انتصارٍ إلاّ ويكون شعرك في الإعلام وعلى المنابر كما لو أنّك تحمل سوريا كلّها معك حيث تقيم؟

فعلت وأفعل وسأفعل ذلك لأنّي من أشدّ الدّعاة إلى أن يعود الشِّعر إلى تفاصيل الحياة ويوميّاتها وإلى أن يكون له دورٌ فاعلٌ في تغيير الواقع إلى الأفضل وألّا يقتصر وجوده على النُّخب وإنّما يتعدّاها إلى عامّة النّاس لهذا ابتعدت في شِعري عن الكلمات القاموسيّة الميّتة مستخدمًا كلماتٍ سهلة الفهم والاستيعاب ورافضًا طلسمة المعاني و العبارات حتّى لا تجد الجماهير نفسها نائيةً عن دنيا الشِّعر

إنّ الشِّعر يكتب للنّاس جميعًا وينبغي أن يصل إليهم سهلًا غير عارٍ من ثياب الجمال والإدهاش
أمّا سوريا وإن كنت قد اضطررت إلى مغادرتها مكرَهًا فهي لم تزل فيّ حاضرةً حيّةً وأنا فيها أراني لم أزل عائشًا يفرحني ما يفرحها ويحزنني ما يحزنها وأذكر أنّي قد قلت في ألفيّتي يومًا :
لكنْ يظلُّ وطني أهزوجتي
وقِبلتي وجنّتي وروحيا
أبكيهِ ما عشتُ غريبًا مُبعَدًا

حتّى تزيلَ يدُ موتي ظلّيا
.

تشهد لك وسائل الإعلام ومواقع التّواصل الاجتماعيّ بأنّك شخصيّةٌ محبوبةٌ لها مكانةٌ وتقديرٌ كبيران. خاصّةً مع توجّهاتك الوطنيّة- القوميّة- الإنسانيّة. وجهاتٌ عدّةٌ وأفرادٌ كثر يطرحونك شخصيّةً قياديّةً أو زعيمًا روحيًّا ثقافيًّا، فماذا يمكن أن تقول حول هذا الأمر؟

 إنّ محبّة النّاس لنعمةُ النِّعم وبركة البركات وهي أغلى عندي من كنوز الأرض وأموالها وليس شيءٌ يضاهيها في هذا العالم.. وإن كانوا قد رأوني كما ذكرت فهذا ممّا أقف طويلًا أمامه محنيّ الرّأس شاكرًا حامدًا مسرورًا.

وإن كان لي أن أتمنّى فإنّي أتمنّى أن أكون عند حسن ظنّهم بي وأن أكون قد خدمتهم وأخدمهم بما أملك بكلّ صدقٍ وأمانةٍ وإذا سهوت عنهم وأسأت أو أخطأت فإنّي ألتمس صفحهم وغفرانهم فجلّ من لا يسهو ومن لا يخطئ.
.

القس الشاعر جوزيف إيليا
تكريم من فلسطين

.
أكتب ما أظنه ينفع ..


سؤالي السّابق يرتكز  على مجموعةٍ من شهادات التّقدير والتْكريم تصلك من عدّة دولٍ، بما فيها فلسطين، وشجرتك المزروعة في أرضها. كما لو أننا أمام “ايلاريون كبّوجي أو حنّا عطا الله أو صيداوي” جديدٍ. هل هذا ما يحدث حقًّا؟

 نعم، فإنّه حدث ويحدث كثيرًا وهو شرفٌ لا أستحقّه فأنا وإن قد فعلت شيئًا فهو أقلّ كثيرًا ممّا نلته من التّصفيق ولكم أتمنّى مصليًّا ألّا تتحطّم سفينة عمري قبل أن أفرغ ما فيها من حمولةٍ من النّفع والخير للنّاس طرًّا بصرف النّظر عن انتماءاتهم العرقيّة والمذهبيّة والفكريّة. وشكرًا ومحبّةً لكلّ من أكرمني أو أشار إليّ مادحًا مقرِّظًا.

في معظم قصائدك وكتاباتك ومحاضراتك تتّشح الكلمة بالأسى والوجع والشّوق إلى أرض وطنك سوريا الّتي احتضنتك عمرًا وسؤالي هنا في شقّين: أيّ قسوةٍ ومرارةٍ وبشاعةٍ تعيشها في غربتك؟ ثمّ: أمام المجتمع الألمانيّ ماذا يقول مخبرًا عنه القس والشّاعر جوزيف إيليا؟

إنّها مرارة الفقد وقسوة التّغيير وبشاعة الأسباب الّتي اقتلعتني من أرض آبائي وأجدادي وألقتني على رصيف الغربة عاريًا من تاريخي ومن كثير ما قلت في هذا قولي :

لا تغلقي نافذتي
فإنَّ ثعبانَ الظّلامِ سمُّهُ يقتلُني
ولمْ أعدْ أطيقُ سجنَ غربةٍ يخنقُني
فلتفتحي نافذتي
فربّما منها أرى يومًا غيومًا قد تجيءُ من بحار وطني
أمطارُها تحيي صحارى بدني
أمّا للمجتمع الألمانيّ فإنّني أقول:

لا تصدّقوا ما سُوِّق لكم من الصّور المشوِّهة لوطني وتابعوا النّظر إليه بكلّ احترامٍ مصفّقين له بحماسٍ وحرارةٍ فهو مخترع الأبجديّة وصانع حضارةٍ لم تشخ وحاضنٌ ليسوع المسيح – له المجد- الذّي أناركم ضياؤه ونقلكم إنجيله إلى ملكوت القداسة والسّموّ والبهاء.
.

التكريم ببردة فارس الشعر

.
القس الشاعر جوزيف إيليا: أنا أنتم والمنى واحدةٌ ..


نحاورك اليوم، بينما يعيش الشّعب السّوري كابوس الزّلزال والهزّات الارتداديّة ولاشكّ أنّ القس الشاعر جوزيف إيليا ؛ له مقامه الرّوحي ووعيه الدّيني وثقله الإنسانيّ، لديه ما يقوله لأبناء وطنه سوريا يخفّف من ثقل هذه المحنة عليهم؟

نحاورك اليوم، بينما يعيش الشّعب السّوري كابوس الزّلزال والهزّات الارتداديّة ولاشكّ أنّ رجلًا مؤمنًا له مقامه الرّوحي ووعيه الدّيني وثقله الإنسانيّ، لديه ما يقوله لأبناء وطنه سوريا يخفّف من ثقل هذه المحنة عليهم؟

– ما يمكن أن يقال لهم كثيرٌ كثيرٌ ولكنّي بلسان قلبي أكتفي بقول هذه الأبيات :
جرحُكم جرحي وإنّي مُثْخَنُ
لو دُفنتم في قبورٍ أُدفَنُ
وإذا قمتم شدت أغنيتي
نغمًا إيقاعُهُ يُستحسَنُ
أنا أنتم والمنى واحدةٌ
أنْ نُعافى ويُعافى الوطنُ
كما أقول لك أنت أيضًا وقد أسعدتني بحوارك الأنيق هذا :
شكرًا.. ولتسلمي لحياة الأدب والفكر والفنّ ومن فلاحٍ إلى فلاحٍ ومن هناءٍ إلى هناءٍ.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى