القس الشاعر جوزيف إيليا: أكتب ما أظنه خادماً للواقع الثّقافي ودافعاً للعمل الوطنيّ وسانداً للحالة الإنسانيّة

.

.
خادمًا للواقع الثّقافي ..
قارئ شعرك حضرة القس جوزيف إيليا ، لا بدّ أن يسألك بدايةً :”من أين لك هذا”؟ هل إبداعك الشّعري نتاج دراسةٍ أكاديميّةٍ، أم موهبةٍ، أم هوايةٍ تابعتَ صقلها ذاتيّاً، أم أكثر من ذلك؟ فالبناء الّلغويّ والمعرفيّ الفذّ لديك، يشي بأنّك قارئٌ ومثقّفٌ ومبدعٌ من طرازٍ مميّزٍ.
الإنسان، الوطن، المحبّة، التْسامح، العطاء، محاور تجربتك الشّعرية. فهل للفكر المسيحيّ المتّسم بالتّسامح والحبّ والعطاء، تأثيره على تجربتك الشّعرية؟ أم هي بالتّوازي ثوابتُ وقناعاتٌ لديك؟
تمامًا ولا شكّ في هذا أبدًا فإنّ الفكر المسيحيّ بكلّ تفاصيله والّذي نهلت من ينابيعه الصّافية ما نهلت وترعرعت تحت ظلاله الظّليلة وترجمته على أرض الواقع أعمالًا مرئيّةً ملموسةً قد كان له الدّور الأكبر في ترسيخ هذه الثّوابت والقناعات وتعميقها أكثر لديّ حتّى أمست لي منطلقًا ومنهج حياةٍ وساعد على أن يصطبغ جميع ما كتبته بألوان قيم المحبّة والتّسامح ومصافحة الآخر المختلف ولو قيّض لك قراءة جميع ما كتبته وهو غزيرٌ كثيرٌ فلا أظنّك ستعثرين فيه على ما فيه إساءةٌ لأيّ شخصٍ أو دينٍ أو فكرٍ إيمانًا منّي بأهميّة الاختلاف والتّنوّع والتّعدّد لإغناء الوجود وتجميله والحفاظ عليه إذ لا شيء يمكن أن يصيبه في مقتلٍ ويشوّه وجهه أكثر من الشّكل الواحد والفكر اليتيم والنّظر إليه بعينٍ واحدةٍ.

.
القس الشاعر جوزيف إيليا، ساندًا للحالة الإنسانيّة ..
لديّ سؤالٌ لاشكّ في أنّه يدور في أذهان الأصدقاء والقرّاء معًا وهو : هل يتعارض الشّعر مع الدِّين؟ ثمّ هل يتصارع في داخلك رجل الدِّين مع الشّاعر؟
لذلك لا أحسّ بصراعٍ في داخلي بين رجلي الدِّين والشِّعر بل هما متّفقان على أحسن ما يكون الاتّفاق ومتصالحان بل ومتعاونان إلى أبعد حدود التّعاون.
على الرّغم من معرفتي نبل شِعرك وجماله ونهجه الأخلاقيّ والإنسانيّ -كوني من قرّائك- بودّي معرفة كيف يتقاطع كلٌّ من الدِّين والشِّعر معًا دون أن يتصارعا داخلك ليغلب أحدهما الآخر؟
فإنّني في قلب هذا الهدف لم أبتعد عنه قيد أنملةٍ.
.

دافعًا للعمل الوطنيّ ..
ربّما رجل الدِّين/الشّاعر، مُلزمٌ أكثر من باقي الشّعراء، فعلى عاتقه تقع مسؤوليّةٌ ثقافيّةٌ وروحيّةٌ وإنسانيّةٌ تجاه أبناء بلده وتجاه الإنسانيّة ككلٍّ. ماذا عن مسؤوليّاتك في هذا المجال؟
لم تجانبي الصّواب في قولك هذا وأنا قد حاولت جاهدًا مجتهدًا على قدر استطاعتي ألّا أتنصّل من مسؤوليّاتي تلك فكتبت كلّ ما ظننته خادمًا للواقع الثّقافي ودافعًا للعمل الوطنيّ وساندًا للحالة الإنسانيّة ومجمِّلًا طرق الصّلاح والخير ومحذِّرًا من مخاطر البغضاء والتّطرّف.
خلال عشرة أعوامٍ منذ الحرب على سوريا، وحتى العام كتبت أكثر من اثني عشر ألف بيتٍ من الشّعر! وأكثر من مئتي قصيدة تفعيلةٍ والنّقّاد الّذين اطلعوا على “أعمالك الشِّعرية الكاملة” التي جاءت في أربعة مجلدات، توقّفوا بإعجابٍ أمام توافق وتلازم ثنائيّة “الكمّ والكيف”. فكيف مع هذه الوفرة حقّقت المعادلة الصعبة؟
إذا كان ما قيل في هذا الصّدد صحيحًا فمردّ ذلك حرصي الشّديد على اختيار الّلفظة الصّحيحة والصّورة الجديدة غير المستهلَكة والموضوع الحيويّ ولعلّ الأهمّ من كلّ هذا وذاك هو توفّر الرّوح الشّعرية اليقظة والموهبة الحقيقيّة المتّقدة.
.

.
القس الشاعر جوزيف إيليا الحاضر دوماً..
أنت حاضرٌ في كلّ حدثٍ، يخصّ سوريا أو العرب أو حيثما كان. ما من قضيّةٍ أو مهرجانٍ أو مؤتمرٍ أو وفاةٍ أو وباءٍ أو تفوّقٍ أو انكسارٍ أو انتصارٍ إلاّ ويكون شعرك في الإعلام وعلى المنابر كما لو أنّك تحمل سوريا كلّها معك حيث تقيم؟
فعلت وأفعل وسأفعل ذلك لأنّي من أشدّ الدّعاة إلى أن يعود الشِّعر إلى تفاصيل الحياة ويوميّاتها وإلى أن يكون له دورٌ فاعلٌ في تغيير الواقع إلى الأفضل وألّا يقتصر وجوده على النُّخب وإنّما يتعدّاها إلى عامّة النّاس لهذا ابتعدت في شِعري عن الكلمات القاموسيّة الميّتة مستخدمًا كلماتٍ سهلة الفهم والاستيعاب ورافضًا طلسمة المعاني و العبارات حتّى لا تجد الجماهير نفسها نائيةً عن دنيا الشِّعر
حتّى تزيلَ يدُ موتي ظلّيا
.
تشهد لك وسائل الإعلام ومواقع التّواصل الاجتماعيّ بأنّك شخصيّةٌ محبوبةٌ لها مكانةٌ وتقديرٌ كبيران. خاصّةً مع توجّهاتك الوطنيّة- القوميّة- الإنسانيّة. وجهاتٌ عدّةٌ وأفرادٌ كثر يطرحونك شخصيّةً قياديّةً أو زعيمًا روحيًّا ثقافيًّا، فماذا يمكن أن تقول حول هذا الأمر؟
وإن كان لي أن أتمنّى فإنّي أتمنّى أن أكون عند حسن ظنّهم بي وأن أكون قد خدمتهم وأخدمهم بما أملك بكلّ صدقٍ وأمانةٍ وإذا سهوت عنهم وأسأت أو أخطأت فإنّي ألتمس صفحهم وغفرانهم فجلّ من لا يسهو ومن لا يخطئ.
.

.
أكتب ما أظنه ينفع ..
سؤالي السّابق يرتكز على مجموعةٍ من شهادات التّقدير والتْكريم تصلك من عدّة دولٍ، بما فيها فلسطين، وشجرتك المزروعة في أرضها. كما لو أننا أمام “ايلاريون كبّوجي أو حنّا عطا الله أو صيداوي” جديدٍ. هل هذا ما يحدث حقًّا؟
نعم، فإنّه حدث ويحدث كثيرًا وهو شرفٌ لا أستحقّه فأنا وإن قد فعلت شيئًا فهو أقلّ كثيرًا ممّا نلته من التّصفيق ولكم أتمنّى مصليًّا ألّا تتحطّم سفينة عمري قبل أن أفرغ ما فيها من حمولةٍ من النّفع والخير للنّاس طرًّا بصرف النّظر عن انتماءاتهم العرقيّة والمذهبيّة والفكريّة. وشكرًا ومحبّةً لكلّ من أكرمني أو أشار إليّ مادحًا مقرِّظًا.
في معظم قصائدك وكتاباتك ومحاضراتك تتّشح الكلمة بالأسى والوجع والشّوق إلى أرض وطنك سوريا الّتي احتضنتك عمرًا وسؤالي هنا في شقّين: أيّ قسوةٍ ومرارةٍ وبشاعةٍ تعيشها في غربتك؟ ثمّ: أمام المجتمع الألمانيّ ماذا يقول مخبرًا عنه القس والشّاعر جوزيف إيليا؟
إنّها مرارة الفقد وقسوة التّغيير وبشاعة الأسباب الّتي اقتلعتني من أرض آبائي وأجدادي وألقتني على رصيف الغربة عاريًا من تاريخي ومن كثير ما قلت في هذا قولي :
لا تصدّقوا ما سُوِّق لكم من الصّور المشوِّهة لوطني وتابعوا النّظر إليه بكلّ احترامٍ مصفّقين له بحماسٍ وحرارةٍ فهو مخترع الأبجديّة وصانع حضارةٍ لم تشخ وحاضنٌ ليسوع المسيح – له المجد- الذّي أناركم ضياؤه ونقلكم إنجيله إلى ملكوت القداسة والسّموّ والبهاء.
.

.
القس الشاعر جوزيف إيليا: أنا أنتم والمنى واحدةٌ ..
نحاورك اليوم، بينما يعيش الشّعب السّوري كابوس الزّلزال والهزّات الارتداديّة ولاشكّ أنّ القس الشاعر جوزيف إيليا ؛ له مقامه الرّوحي ووعيه الدّيني وثقله الإنسانيّ، لديه ما يقوله لأبناء وطنه سوريا يخفّف من ثقل هذه المحنة عليهم؟
نحاورك اليوم، بينما يعيش الشّعب السّوري كابوس الزّلزال والهزّات الارتداديّة ولاشكّ أنّ رجلًا مؤمنًا له مقامه الرّوحي ووعيه الدّيني وثقله الإنسانيّ، لديه ما يقوله لأبناء وطنه سوريا يخفّف من ثقل هذه المحنة عليهم؟
.
*روعة يونس
.