الـسـعـوديـة عـرَّاب الاسـتـهداف .. ومـفـتـاح الـحل .. طارق عجيب ..

|| Midline-news || – الوسط ..
أعتقد أن عدد سنين الأزمة السورية لن يبقى له أي أهمية طالما أن أسبابها الحقيقة لا تعالج بشكل كامل وصحيح ، بل يتم الالتفاف على بعضها والتعامي عنه بشكل مقصود كي لا يسجل على طرف ما أنه قدم تنازلاً بأي شكل من الأشكال للطرف الأخر ، وقبل أن يحقق كل طرف مكاسب أخرى في ساحات أخرى تلعب أصابع الأطراف فيها أيضاً بالنار ، ومهما كان هذا التنازل يخدم مصلحة الشعب السوري ويسهم بشكل فعال في وقف نزيف الدماء أولاً ومن ثم الانتقال إلى الخطوات التالية التي من المفترض أن تحقق مصالح مشتركة للأطراف المؤثرة الحقيقة في الساحة السورية ، والتي لا يمكن التغاضي عن دورها أو تجاهله في أي حل كان عسكرياً أو أمنياً او سياسياً ، إلا أنه من الواضح والمؤسف أن كل الأطراف على أرض الواقع تتجه إلى التصعيد والهروب إلى الأمام على وقع ما يدعي كل طرف أنه انجاز أو تقدم أو تحرير أومصالحة أو أي شكل أخر من مبررات الانتصارات المنقوصة التي لم ولن تنتج انتصاراً كاملاً حقيقياً يترجم على كامل الأرض السورية ولكامل الشعب السوري .
اختلفت الأطراف المتقاتلة على الأرض بشدة على أسباب ومبررات الأزمة في سوريا ، وكل طرف سار في الأزمة على مسار مختلف عن الأخر ، وتعاطى معها بأساليب وطرق وأليات بررها بأعذار مدعومة بأدلة من الأرض والتاريخ القريب والبعيد والتحليل والاستنتاج والاستقراء والشرح والتفنيد ، وغير ذلك من مسوغات قناعاته وثقته بصوابية فهمه للمشكلة وطرق التعامل معها وحلها للوصول إلى النتائج والأهداف التي يريدها ويرى أن من واجبه الحفاظ عليها وتكريسها ، لكن مع مرور الوقت ، وتبدل المعطيات على الأرض ، وظهور وتعري حقائق كانت غائبة ومغيبة ، وانكشاف الكم الكبير من تفاصيل على الأرض كان الكثير منها صادماً ، تبين أن جذور الأزمة لا تنتهي عند تاريخ الشرارة الأولى التي أطلقت ” الثورة ” كما يسوق لها داعموها ، بل أن الاسباب والمبررات تمتد إلى ما قبل ذلك بكثير ، والأهم أنها تتصل بجهات وأطراف ترفع الستار عن السبب والشكل الحقيقي للصراع في المنطقة بين مشاريع كثيرة منها ما هو معلن ومنها ما يجهد ليبقى بعيداً عن الظهور .
تمسك المملكة العربية السعودية بأبرز الخيوط في اللعبة الكبرى التي تجري في المنطقة ، منها خيوط تغزل عليها وحيدة ، ومنها خيوط تتشارك فيها مع لاعبين أخرين تختلف وتتباين تأثيراتهم وغاياتهم وأساليبهم إلى درجة التناقض أحياناً ، وهو ما يوقع المراقيبن والمتابعين لما يجري في حالة من عدم الفهم لمواقف السعودية والعجز عن تفسيرها والابتعاد عن التبرير الصحيح لهذه المواقف التي تتصف بالازدواجية أحياناً وبالمتناقضة أحياناً أخرى ، لكن مهما كانت قناعتنا بالمشروع الأساسي الذي تتبناه السعودية والمشاريع الأخرى المرتبطة به ، وانسجامنا أو اختلافنا معها ، إلا إننا لا نستطيع بأي شكل من الأشكال ، وعلى أي قاعدة كانت أن نتغاضى عن المكانة التي تحتلها السعودية على أي مسرح للحل أو التصعيد في جميع بؤر التوتر والأزمات في العالمين العربي والإسلامي ، وتأتي هذه القناعة من حقيقة أن القوة تأتي من القدرة على التأزيم والقدرة على الحل ، فعندما يكون أي طرف قادراً على التأزيم وافتعال المشكلات فهو يمتلك نصف القوة ، أما حين يمتلك أيضاً القدرة على المشاركة في ضبط إيقاع الأزمة والتأثير بها للنحو باتجاه الحل ، فهو إذاً شريك قوي لدرجة القناعة أنه لا غنى عنه في المشاركة في صياغة الشكل النهائي للحل .
لدى المملكة العربية السعودية مشروعها الذي تتبناه ، ولا يعنينا هنا تسميته وتوصيفه ونقده ومدحه أو ذمه ، وهي تمتلك من نقاط القوة والأوراق الرابحة ما يجعلها قادرة على دعم هذا المشروع ، وتمهيد وتهيئة المناخ المناسب لتحقيقه ، وتسخير الإمكانيات الهائلة التي تملكها على أكثر من صعيد ، والاستفادة من مكانتها الإسلامية التي تؤهلها للتأثير الأكبر على امتداد الحضور الإسلامي في العالم ، كل ذلك وغيره يفرض حضور التأثير والدور الفاعل للمملكة العربية السعودية في أي حدث في المنطقة تكون له انعكاساته وارتداداته المؤثرة على المحيط الذي تنتمي إليه المملكة ، كما أن من حقها ومن الواجب علينا النظر بعين المنطق والتفهم دون أحكام مسبقة ، لما تطرحه المملكة من مشاريع ومواقف ، وما تتخذه من قرارات وما تترجمه من ذلك عبر خطوات عملية على الأرض ، قد نجد في جوانب معينة منه ما يستحق التعاطي معه بشكل إيجابي ، ومنها ما قد يستحق الدعم والسير معه يداً بيد .
ما دفع بالسعودية سراً وعلانية لتزعم استهداف سوريا ممثلة بالنظام كما تحب هي أن تسمي غايتها ، هي مجموعة معطيات جعلت منها تقدم وجهة نظرها وقناعتها وقرارها في شكل مشاركتها في الأزمة وبالدور الذي تريد أن تلعبه على أي وجهة نظر أوقناعة أوقرار أخر ، والذي ترجمته ودعمته بأشكال عدة ، لكن المؤسف أن اصطدام هذا الحضور والدور مع الحضورات والأدوار لمشاريع أخرى ، كانت محصلتها على الأرض أبشع الارتكابات وأسوأ النتائج بحق سوريا وشعبها وبنيتها ودورها الذي حصرته المملكة العربية السعودية في الجانب الذي تعاديه وتحاربه ، وعندما نعي مكانة المملكة ، وثقلها المبني على ركائز سياسية وعسكرية واقتصادية وإسلامية وغيرها ، وأنه لا يمكن تحييدها أوالقفز فوق دورها في المنطقة ، وبسبب ” غلاظة ” الخيوط التي تمسك بها السعودية وتتحكم من خلالها بتفاصيل كثيرة ومفاصل كبيرة في الأزمة السورية ، إضافة إلى قدرتها على تقويض اي حل لا يرضيها أو يتناسب مع حجم ما قدمته هي في سبيل تحقيق مكاسب وتقدم لصالح مشروعها أو الوقوف في وجه المشاريع المتحاربة معها على ساحة الأزمة السورية ، نجد أنه لابد نتيجة كل ما سبق من التوجه باتجاهها ، والتواصل معها لتكتمل أجزاء مفتاح الحل للأزمة في سوريا ، بعد أن جمعت الحكومة والجيش في سوريا أجزاء هامة من هذا المفتاح ، لكن دون باقي الأجزاء مهما حاولنا تصغيرها أو تهميش أهميتها ، لا يمكن الوصول إلى فتح طريق الخروج من الأزمة والتحرك نحو الحل النهائي الذي نترقبه جميعاً …