رئيس التحرير

” السوشيال ميديا ” ونقد المؤسسات الإعلامية ..

طارق عجيب – رئيس التحرير ..
**************************************************************
|| Midline-news || – الوسط  ..

أول الإعلام الخطابة ، وكان على الخطيب أن يمتلك مواصفات معينة وخاصة ليتمكن من جمع الناس وشد انتباههم طوال مدة الخطاب ومن ثم التأثير عليهم بما يريد هو أن يؤثر ، وسـجَّـل التاريخ عدداً من الخطباء الذين تمكنوا من تشكيل مؤسسات إعلامية بشخصهم ومقدراتهم قادرة على إيصال رسائل الجهة التي تقف خلف كل منهم ، أو الفكرة التي يتبناها ويرغب بالتعريف بها والتسويق لها أو الدفاع عنها ، وبالمقابل فشل كثيرون في هذه المهمة ..

ومن ثم تطورت طرق الإعلام ووسائله عبر مراحل مختلفة وبأشكال مختلفة ، وتعقدت مستلزماته تبعاً لمتطلباته وأهدافه ، وتبعاً لرؤية القائمون عليه وخططهم للوصول إلى أهدافهم ، ومر الإعلام في مرحلة غاية في الأهمية ، حين تمكن من التأثير على الرأي العام للمجتمعات ، في القضايا التي تمسها بشكل مباشر أو غير مباشر ، وانبرى الإعلام ليتبنى تلك القضايا ، ويدافع عنها ، ويسهم في كشف المستور فيها ، والإضاءة على الحقائق ، وأصبح يلعب بفاعلية دور ” التنوير ” في المراحل التي حاولت الأنظمة الملكية وغيرها في العالم التعتيم على ممارساتها وأليات حكمها الظالمة للشعوب والدول ، وكان له الأثر الكبير في تشكيل سلطة سميت فيما بعد ” السلطة الرابعة ” لتمارس دور الرقيب الذي ينقل ويفضح الخلل والفساد والتلاعب أو أي تهاون في إدارة الدول والمجتمعات .

هذا الدور الفاعل والمؤثر كان له صدى غير مقبول أو محبب لدى جهات عليا في الممالك والدول ، تلك الجهات التي كانت تستغل مواقعها وسلطتها لتحقيق مصالح شخصية وخاصة ، أو للمملكة أو الدولة على حساب شعوبٍ ودول ومجتمعات أخرى ، لذلك اصطدم الإعلام مع تلك الجهات ودخل في معارك حامية الوطيس ، مستمرة حتى يومنا هذا .

بالتوازي مع ذلك ، اكتشفت تلك الجهات التي تحمل أفكاراً وتاريخاً استعمارياً عريقاً ( بريطانيا مثالاً ) أو تاريخاً حديثاً شرساً ( الولايات المتحدة الأميركية مثالاً )  ، أو تحكم بالفساد والاستعباد واستراتيجيات غير نزيهة تجاه الأخر بشكل عام ( المملكة العربية السعودية مثالاً ) ، أو لديها مشاريع وقضايا تسعى لتسويقها وخدمتها ( الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثالاً ) ، هذه الجهات امتلكت السلطات الثلاث الأولى ( تشريعية – تنفيذية – قضاء ) ، والقدرة المالية والإمكانات الفائضة ، وارادت أن تمسك بزمام ” السلطة الرابعة ” ، وأن تمتلك مؤسسات إعلامية مرتبطة كلياً بها في الخفاء ، وفي العلن هي مؤسسات خاصة ومستقلة وحرة ، على أن تكون بمعايير مهنية عالية ، وإمكانيات مفتوحة ، وتصل إلى أوسع شريحة مستهدفة ، وحاضرة في كل الساحات والميادين ومراكز الأحداث المؤثرة في العالم ، وأهم العواصم ودوائر القرار السياسي والمنظمات الدولية والأممية ، فسارعت لتأسيس مؤسسات للإعلام المقروء والمسموع والمرئي ، وأخضعتها لسيطرتها في السياسات الجوهرية والخطاب واللغة الإعلامية التي تلتزم بالمشاريع الكبرى التي تخطط لها وتنفذها تلك الجهات ، لكنها بالتوازي مع ذلك ، منحت هوامش واسعة جداً ضمن رؤية واضحة لإدارات هذه المؤسسات لتحقق الانتشار المطلوب ، ولتتمكن من الوصول إلى أوسع شريحة ممكنة من المستهدفين في المشروع الكبير ، وحصل ذلك عبر معرفة ما تتوق إليه أو تبحث عنه هذه الشريحة الواسعة من المتلقين الذين تستهدفهم هذه الوسائل الإعلامية ، فكان العمل الحثيث ، وبحرفية عالية ، ومهنية حاضرة ، و” موضوعية ” ، و” حيادية ” ، و ” معايير الشرف المهني ” ، وغير ذلك من شعارات رفعت ولا تزال مرفوعة حتى الأن .

الغرب استخدم الإعلام منذ البداية كسلاح أثبت فاعلية ونجاعة في قضايا كثيرة ، منها داخلية ضمن الدول لتحقيق مكاسب سياسية أو انتخابية أو تشكيل رأي عام مؤيد لموقف ما أو معارض له ، وفق ما يتناسب مع رؤية وغايات القائمين على الدولة حينها ، كما استخدم الإعلام في الحربين العالميتين كسلاح يرافق المدفع والطائرة ويسبقهما أحياناً ، ولم يتوقف استخدامه فيما بين الحربين وما بعدهما وحتى الأن ،

العرب ( كعادتهم ) كانوا أخر الملتحقين بهذا النهج في التعامل مع الإعلام ، وهذا بحكم أنهم أيضاً تأخروا في الدخول في هذا المعترك وباقي المعتركات لأسباب كثيرة ، إلا أن سطوة القوى الاستعمارية الكبرى على مستعمراتها التي خرجت منها عسكرياً وبقيت في باقي المجالات ، كان لها دور كبير في الإسهام وبسرعة في بناء امبراطوريات إعلامية عربية تتبنى نفس النهج الذي يتخذ من وسائل الإعلام سلاحاً فعالاً و ( فتاكاً في حالة العرب ) ، فكان لا بد من إيجاد هذه المؤسسات والتحكم بها وإدارتها بما يخدم المشاريع المرسومة للمنطقة ، وتم فتح فضاء للإعلام العربي ، وضخ كم هائل من القنوات العربية ، ووسائل الإعلام الأخرى بكل تصنيفاتها ، لكن بقيت أهم المؤسسات وأكبرها وأوسعها انتشاراً وحضوراً في أيادٍ تعرف ما تريد ، وتحرص على تهيئة الظروف المناسبة لتحقيقه .

الشارع العربي بكل ما يُـثـقـل عليه من فقر وجهل وتجهيل وتهميش وخداع وغش وسطوة ، من قبل أنظمته الحاكمة له بكل اشكالها ، ملكية ، جمهورية ، إمارة ، مشيخة ، سلطنة ، هذا الشارع كان سهل الانقياد أمام شاشات ومنابر تلك المؤسسات الإعلامية التي تديرها خبرات عريقة في تشكيل الرأي العام وقيادته وتوجيهه ، وفي التسويق والترويج للأفكار والمشاريع التي تنفذها في المنطقة ، فكانت لعبة الموضوعية ، والحيادية ، والشفافية ، والرأي و الرأي الأخر ، و إعرف عدوك ، وأن تعرف أكثر ، وأقرب إلى الحقيقة ، والواقع كما هو ، وكثير من العناوين والبرامج والمقالات والمسلسلات والإنتاجات التي تناولت كل النقاط الإشكالية والمحرمات في المجتمعات واللعب على كل مواطن الضعف ، الديني ، المذهبي ، الغرائزي ، العرقي والمناطقي ، وتلاعبت بكل ما يلامس رغبات وأمنيات وأحلام أبناء هذه الشارع ، لذلك كان ومازال الانقياد شبه الأعمى لتلك المنابر والمؤسسات ظاهراً بشكل يستدعي الدراسة والبحث عن كيفية تحرير هذا الشارع من هيمنة هذه المؤسسات على العقول والقناعات .

وبعد اكتشاف السوشيال ميديا وتشكيلها لفضاء إعلامي أوسع من سابقه ، بدأت سطوة هذه المؤسسات الكبيرة تخف إلى حد ما ، خاصة فيما يتعلق بـ ” البروباغاندا ” ، أو الحملات الإعلامية الهادفة لتسويق وتلميع ( أو تشويه وشيطنة ) فكرة ما أو قضية ما أو جهة ما ، أو شخصاً ما ، حيث أصبح باستطاعة مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الشخصية أن تقوض إلى حد كبير أي حملة مبنية على فبركات وافتراءات وأخبار كاذبة وغير ذلك من تلفيقات ، وهو ما خلق تحدياً أمام المؤسسات الكبيرة لكي تحافظ على مصداقيتها أمام جمهورها الذي وثق بها وسلمها قيادَ رأيه وقراره أحياناً  ، من هنا بدأت عملية نقد المؤسسات الإعلامية ، حيث فرض فضاء السوشيال ميديا على تلك المؤسسات ان تكون شريكاً فيه ، لها ما له ، عليها ما عليه من إمكانية النقد والتعرض للنقد ، وواجب الرد ، أو اثبات عدم صحة النقد الموجه لها ، وهذا يتم عبر ما تقوم به من عمل يدحض ما يدعيه المنتقد .

لكن في الخلاصة أن ” السلطة الرابعة ” التي كانت المؤسسات الإعلامية الكبرى تحتكر الحصة الأكبر والتأثير الأقوى فيها ، وهي ( المؤسسات ) بدورها مرتبطة بمؤسسات حاكمة أكبر منها ، أخضعتها لمشاريعها على اختلافها واختلاف غاياتها ، هذه السلطة ( الرابعة ) أصبحت كغيرها معرضة للنقد من قبل أي شخص أو جهة أو مؤسسة أخرى في فضاء الإعلام الأوسع الذي يضم كل اشكال الإعلام ( السوشيال ميديا )  .

واستناداَ إلى المبادئ الأساسية والشعارات والأهداف التي رفعتها المؤسسات الإعلامية عند تأسيسها ، ومنها الشفافية ، المصداقية ، الموضوعية ، تسليط الضوء على الخطأ والخلل ومواطن الضعف ، لعب دور إيجابي في خدمة المجتمعات والمواطنين ، الإسهام الإيجابي في خدمة الإنسانية والمصالح العليا للشعوب والمشاركة في تحصين وحماية البلدان من أي خطر او تهديد خارجي . استناداً إلى كل ذلك ، يصبح من واجب تلك المؤسسات أن تتقبل النقد ، وتعمل على التأكد من صوابيته ، وتسارع إلى تدارك الخطأ وإصلاح نتائجه وتلافي تكراره مستقبلاً ، والحرص على الارتقاء بمستوى الأداء بما لا يعطي لأي كان فرصة الانتقاد وتوجيه أصابع اللوم أو الاتهام .

النقد ظاهرة صحية ، ومطلوبة جداً لتسهم في تثبيت أسس إعلام بمعايير تعتمد الموضوعية والشفافية والحرفية ، وتلتزم بميثاق الشرف المهني والنزاهة والحياد ، ليكون الدور الأهم للإعلام هو عدم السماح لأصحاب المشاريع الـهـدَّامـة للإنسان والمجتمعات والدول والأمم ، بأن ينفذوا مشاريعهم ، بل يجب أيضاً أن يلعب الإعلام دوراً رئيساً في بناء مستقبل أفضل لنا جميعاً ، بعيداً عن كل أمراض المؤسسات والمجتمعات والشعوب والدول التي نعاني منها حالياً ، وخـلَّـفـت حروباً وأزمات أذاقتنا حر الحديد وبرده .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى