رئيس التحرير

هل من رسائل يمكن التقاطها من نتائج انتخابات أميركا وفرنسا

طارق عجيب – رئيس التحرير ..

====================================

لم يكد يسترجع العالم بعضاً من هدوئه إثر مفاجأة فوز دونالد ترامب الكبير على منافسته هيلاري كلينتون بما تمثله من مافيات ومؤسسات وأفكار كانت طاغية ومطمئنة لسطوتها خلال العقدين الماضيين ، حتى جاء فوز فرانسوا فيون في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الفرنسية ليعيد بعض الضجيج حول أسباب هذا النجاح والفوز ، فمن الواضح أن هذا الفوز يكرس حالة من تبدل المزاج الغربي بشكل عام ، أو بتعبير أصح ” صحوة ” لشرائح وازنة في المجتمعات الغربية للواقع المتردي الذي هم وفيه ولما يحيق بهم وببلادهم من مخاطر وتهديدات أمنية واقتصادية ، هذه الشرائح كانت فيما مضى تسلم أمرها بلامبالاةٍ تستند إلى حالة من حالات ” النوم في العسل ” ، لقياداتٍ وزعاماتٍ ساقت البلاد والعالم إلى مواقع وأوضاعٍ ارتفعت فيها حدة العنف والفقر والجهل والتطرف ، وزادت وتيرة الجريمة واللا استقرار والخوف من الحاضر وعلى المستقبل .

أحداثٌ كبرى هزت العالم منذ عام 2001 ، وترافقت مع قرارات وسياسات صعبة وقاسية اتخذها صناع القرارات في الغرب وعلى رأسهم الراعي الأميركي ، الذي جر العالم في فترة غياب ثنائية القطبية التي كانت تفرض توازناً ما على زمن الاتحاد السوفييتي ، مستغلاً هيمنته كقطب أوحد ليفرض مشيته على العالم ، فاتخذ في سبيل ذلك قرارات أدخلت العالم كله في أتون حربٍ على الإرهاب كما يفهمها الأميركي وكما يريدها ، حرباً تشعل العالم لينضج مشروعه في استكمال سيطرته على كل الدول التي حاولت أن تقف في طريقه ، وكانت أوروبا بقادتها الذين التقوا في فكرهم الاستعماري ، السند الأكبر للأميركي في هذا المشروع ، رغم أنها على لائحة ضحايا السيد الأميركي ، فالأميركي ينظر للأوروبي كتابع ، ورديف وسوق اقتصادي كبير ليس إلا .

خلال الأعوام الخمسة عشر هذه ، عانت الشعوب في الدول الأوروبية والعربية وكثير من دول العالم الثالث ، حتى الشارع الأميركي ، من نتائج هذه القرارات والسياسات ، واستطاع الإرهاب الذي ادَّعى الأميركي وحلفائه أنهم يحاربونه استباقياً وخارج أراضيهم ، أن يوجه لهم ضربات قاسية في قلب عواصمهم والكثير من مدنهم الأخرى ، كما تأثرت بلدان الغرب اقتصادياً بشكل كبير نتيجة تداعيات وتكاليف هذه الحروب ، ونتائجها على الدول المستهدفة ، ونتيجة تبعات التدخل الأميركي الغربي في الكثير من الدول ، وفشلهم في النهاية في تحقيق الاهداف التي أعلنوها عند بدء حروبهم وهي القضاء على الإرهاب ، وإبعاده عن أراضيهم ، وتحقيق الأمان والاستقرار والرخاء لشعوبهم ، وما نراه اليوم هو نتائج مخالفة تماماً لتلك الأهداف والشعارات التي رفعها ساسة الغرب في تلك المرحلة .

لم يكن الشارع الغربي سلبياً أو غائباً تماماً عما يجري ، بل كان يتابع مجريات الأحداث بشكلٍ واعٍ وسليم ، وهذا ما ظهر بشكل واضح في انتخابات أميركا ، عندما ذهب الناخب الأميركي ليرفض ممثلي السياسات التي أثبتت فشلها في العقدين الماضيين ، وزادت من أعباء الشعب عبر شراكاتها مع المؤسسات الخاصة والمالية والمافيوية الكبرى التي تريد أن تحكم المجتمعات والشعوب بسياساتها الاقتصادية ، وتفرض رؤيتها واجندتها على الدول والأفراد ، وهو ما استشعره الشارع الغربي في الوقت المناسب فكان قراره رفع الصوت في وجه هؤلاء ، والإفساح في المجال لمن كان طرحه أقرب لما يدور في أذهان الشارع من واجبات ومسؤوليات للدولة والمواطن ، ولمن يملك مشروعاً يقارب تطلعاتهم وآمالهم .

في أميركا كما في فرنسا ، كان سبب النجاح لترامب وفيون هو صحوة الشارع في كلا البلدين ، لخطورة الاستمرار في تلك السياسات ، وعلى ذات النهج المُتَّبَع منذ بداية الألفية الثالثة ، فكانت ترجمة ذلك عبر صناديق الاقتراع التي اختارت عدم الانسياق خلف نفس الوجوه وأصحاب المشاريع التي ثبت أنها هدَّامة على المستويين الداخلي والخارجي ، وثبت أنها تشكل خطراً حقيقياً وتهديداً واضحاً على مجتمعاتهم ودولهم ، وعلى جوهر وجودها وبقائها ، المتمثل بالقيم الغربية التي يفخرون بأنها السبب في نهضة الغرب بشكل عام .

لم ينجح الإعلام الممول من أصحاب المشاريع الهدَّامة في خداع الناخب الغربي كما نجح مع ” ناخبنا ” العربي ، ولم ينجح في التأثير عليه ليبتعد عن الصواب في الاختيار والقرار كما جرى في منطقتنا ، ولم ينجح بعد ذلك في سوق ” رعاعٍ ” من الشارع الغربي لافتعال ما قام به ” رعاعٌ  ” في شوارعنا العربية .

هي حياةٌ طبيعية ، وحقوق وواجبات ، مارسها الغربيون بكل يسر وسلاسة ، عبَّرت بنتائجها عن إرادتهم الفعلية التي تُحدث الفرق المطلوب عندما يحتاج الأمر إحداث هذا الفرق ، وأرسلت رسائل عفوية ، أن ما يحرك الشارع الغربي ليس المزاج أو الإعلام ، بل الوعي بمصالحهم ومستقبلهم ومصلحة بلادهم ، دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى كالتي اعتمدتها شعوبنا في المنطقة ، فكانت السبب في تدمير بلادنا ، وقتلنا ، وتهجيرنا ، وإخراجنا كشعوب ودول من دائرة العالم المتحضر .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى