إضاءاتالعناوين الرئيسية

لأنهن العيد .. أحمد علي هلال

 لأنهن العيد.. في مبتدأ الكلام، لا في حفاوته العابرة، في ملكوت التأنيث وأسفار مجازه تجهر – المناسبة– بتاريخ بعينه، لكنهن سماوات النصوص وأرضها، ورعشة حبر الشغف في سواقي اللغة، اللغة المحتفية «بتاء التأنيث»، والراهجة بتلك الحضورات المتوهجة، في جمهرة الأسماء والأسرار.

هل قلنا: عيد المرأة، لنمضي لكلام لا ينتهٍ، وليأخذ منها حركة الكواكب وحكايات الفصول، فكم تتعدد صورهنَّ في أفق المجاز الطليق: أمومة تأخذ الوطن إلى بقائه، ونهراً أزلياً يفترع جداوله، فإذا ما مسسنَّ طفولة الأغصان واهتزت الجذور، تورق القلوب ثماراً ناضجة لا تكتفي بها أفواه الزمن، هن هوية تخصب الأبجديات، ويلتفت قلب الأساطير لجهاته البكر، ويبذخ في الوصايا، والروح تبصرهن كخيال الندى وفتنة النرجس، هن الشهيدات/ الشاهدات، رعاة الغيوم في مواقيت المطر، حينما تزورها عرائس البوح وعرائش الحنين، هن ديمومة السيرة وإعجاز الأثر، فأصابعهن التي تخيط جراح الأمكنة والأزمنة والقلوب توهجت هناك، ومن علٍ تطل أسماؤهن الحسنى نجوماً باهرة، فهن الأمهات الجميلات حدَّ نزف العطر من ثغر وردة حار النحاة في اشتقاق الكلام، فأولم لهم الصمت لغة تقول للعشب:
شق الأرض بحنو لتظفر بالجذور الدافئة. هنَّ وطن الحكايات الأثيرة، فكيف يحملن الأرض وهن أشجارها الباسقات، من مطلع الجرح إلى مقام البهاء، ليأتين جمعاً وفرادى ويغسلن جراح الأرض كلها بماء كوثرهن ، وتدون الشموس على الجباه العالية سطراً أو اثنين من لغة القلوب.

لأنهن العيد ..

إذن.. يا لأقواسهن القزحية، كيف ترسم سهام الغواية لتعيد الأرض سيرتها، فتنهض من سبات الكون حضارات أرواحهن، الشموس على الجباه كثيفة لأنها أثواب الأرواح التي تحرس ظل البنفسج والبرتقال، وتولم ثانية برغيف مشتهى معطر بقبلة النار، ورافل بابتسامة النور، هنَّ الناجيات الفاتنات كمطالع الأنهار في عين الصباح، فلنقم لهنَّ وهنَّ شقائقنا سلام النبض لأسمائهنَّ والندى خجل حينما تمر الغزالات خفيفات كلحن سماوي في صوته الصباحي، هي عادة الجمال، الجمال، هنَّ الحب فلا عزاء «لفحولات» عابرة. فالعيد محض تبسيط في ذاكرة المؤرخ، محض التقاط لدوزنة الأرواح على قماشة اللغة، لأنهنَّ قوس الأبجديات من مطلع حضارة الروح إلى سدرة الحق والخير والجمال.
.

*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا
.

صفحاتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى