حيوانات سوريا.. قتلٌ من أجل المال
تنتشر في معظم الأراضي السورية تجارة الحيوانات الأليفة والحيوانات البرية، وعلى الرغم من أن القانون السوري حدد آليات بيع تلك الحيوانات، لكن مخالفة القوانين تبقى متصدرةً للمشهد العام.
قطط تموت جوعاً وعطشاً، وكلاب تناشد العابرين بصوتها وعيونها من داخل الأقفاص دون جدوى.
جوارح عملاقة وصغيرة تحاول تحطيم أقفاصها بأجنحتها فتنكسر، سناجب وسلاحف وثعالب سقطت في الأسر من أجل المتاجرة بها، فما الذي يحصل للحيوانات البرية السورية!
منع بمرسوم وقانون:
منع المرسوم رقم 52 الصادر العام 1970 تجارة الطرائد الحية أو المحنطة أو أجزاء منها من التي تم صيدها أو التقاطها على أراضي الجمهورية العربية السورية.
بينما حدد القرار رقم 133/ ت وبناءً على قانون حماية الثروة الحيوانية رقم 29 لعام 2006 والقرار 301/ ت لعام 2006
الشروط الفنية الصحية البيطرية لترخيص محالّ تجارة الحيوانات وفق شروط إنسانية غير معروفة لمعظم السوريين وأهمها:
منع بيع أو عرض الكلاب والقرود والحيوانات المفترسة والطيور الجارحة بكافة أنواعها إضافةً لبقية الحيوانات البرية، وحصر بيعهم في مراكز التدريب، شريطة استيفاء كافة الوثائق المطلوبة من شهادات صحية وموافقات البيئة واستثنى ما يعرف ب “كلاب الصالونات”.
أن يكون إيواء الحيوانات والطيور وأسماك الزينة ضمن أقفاص أو أحواض خاصة تتناسب مع كلٍ منها وتأمين الشروط الصحية العامة من إيواء وتهوية ونظافة صحية واكتساء مناسب، إضافةً لاستخدام المواد العازلة.
حيوانات تباع سراً وعلانيّة:
“أثر برس” قصد مجموعة من محالّ تجارة الحيوانات، وعلم منها أن عدد من الحيوانات البرية الممنوع المتاجرة بها، تباع بشكل علني ومنها الطيور الجارحة والسناجب والسلاحف والأرانب وغيرها، مع الإشارة إلى أن السلاحف ممكن تصديرها، بينما يتم تهريب الطيور الجارحة، وتبيّن خلال البحث والزيارات أنه بالإمكان تأمين ثعلب بمبلغ يتراوح بين الـ 200 والـ300 ألف ليرة سورية، فيما يبلغ سعر طائر البوم 250-300 ألف ليرة سورية وسعر زوج السناجب 200 ألف ليرة سورية.
بدوره، كشف مصدر مهتم في حياة الحيوان في سوريا لأثر بأن أحد أشهر محال تجارة الحيوانات يقع في وسط العاصمة دمشق ويقوم بإخفاء الحيوانات الممنوع المتاجرة بها ضمن سيارة فان “مغلقة” ويعتبر المحل الأشهر ببيع الحيوانات البرية، حيث يعرضها على الملأ طيلة الوقت باستثناء وقت وصول لجان الرقابة.
جميع تجار الحيوانات الذين تم سؤالهم عن شروط بيع واقتناء الحيوانات البرية، قالوا: إنه لا حاجة لامتلاك أوراق وتصاريح خاصة مقابل اقتناء وبيع تلك الحيوانات، وهو عكس ما ينص عليه رقم 29 لعام 2006 والقرار 301/ ت والذي تنص إحدى فقراته على منع بيع الطرائد الحية أو المحنطة أو أجزاء منها.
تهريب وتصدير:
يمكن للمار قريباً من معظم محال بيع الحيوانات في العاصمة دمشق وريفها مشاهدة أقفاص صغيرة يعيش فيها عشرات السلاحف البرية بمختلف الأعمار والأحجام وبشروط صحية سيئة جداً، وأكّد تجار لـ“أثر برس” في هذا الإطار أن السلاحف تصدّر بالآلاف، وأن هنالك أسماء مصدرين متصيدة للموضوع تنتشر محالهم في أحياء دمشق“ الراقية”، حيث تعتبر دولة الكويت من أهم المستوردين لها، ويبلغ سعر السلحفاة الواحدة 6000 ليرة في دمشق، بينما تصل إلى 12000 ليرة عند تصديرها، وفي حين أكّد معظم التجار بأنها تجارة شرعية، فإن مصدراً محلياً مختصاً أكّد أن عدداً كبيراً يصل إلى تلك الدول عن طريق التهريب.
وتابع المصدر أن السلاحف المهربة توضع في صناديق صغيرة غير صحية وغير مطابقة للمواصفات العالمية، إضافة إلى أن عدداً كبيراً من السلاحف يتم اصطيادها من أجل استخراج “كريمات التجميل”.
أحد التجار عرض توصيل سلاحف يبلغ حجمها من 6 إلى 12 سم بمبلغ يصل إلى 30000 ليرة سورية للسلحفاة الواحدة و18000 ليرة سورية للسلحفاة الأصغر حجماً إلى دول أخرى، كما عرض تاجر آخر أزواج السناجب البرية بمبلغ 150 ألف ليرة واصلة إلى الدولة الخليجية متضمناً تكاليف الشحن الجوي وأجور “سايتس”.
السلاحف.. تجارة مربحة:
يصل سعر السلحفاة – بعضها سوريّة- في الأردن لمبلغ 55 ديناراً أي ما يعادل 76 دولاراً أميركياً، ومنعت الحكومة الأردنية تجارة السلاحف بشكلٍ شبه كامل، وفي عام 2019 أعلنت الأردن تصديرها 6900 سلحفاةً فقط إلى دول شرق آسيا في الوقت الذي يتم فيه تهريب الآلاف من السلاحف السورية إلى الخارج، وكانت الأردن أعلنت ضبطها لشحنة سلاحف سورية دخلت إليها تهريباً خلال العام 2022 فيما كشفت مصادر رسمية لأثر أن الجهات السورية أجرت مراسلات لاستعادة تلك السلاحف وتمت استعادتها بالفعل بفعل معاهدة دولية، وفي العام نفسه صادر الأردن أكثر من 1000 نوع من الزواحف التي دخلت بطريقة غير شرعية دون الكشف عن مصدرها.
وعرض أحد تجار الحيوانات في السعودية على موقع بيع وتسويق مئة سلحفاة سورية مستوردة بأوراق نظامية بمبلغ يصل لـ 100 ريال للسلحفاة الواحدة أي مايعادل 27 دولاراً أميركياً، ولمعرفة كيفية وصول كل هذا العدد من السلاف السورية إلى الخليج، تواصل “أثر” مع أحد تجار السلاحف والحيوانات البرية عن طريق شخص خليجي قدم له عروض بيع سلاحف برية أو سلاحف مزارع وخيّره بين إمكانية إيصالها إليه عن طريق التصدير أو التهريب.
وتبيّن أن أكثر الحيوانات المرغوبة في دول الخليج هي طيور الزينة والهامستر والسناجب والسلاحف والسموم.
هذا الأمر جعل السلاحف السورية عرضة للانقراض كما قال باحث بيئي لـ”أثر” نتيجة تصديرها وتهريبها ليس إلى الخليج فقط، بل إلى فيتنام والصين وأربيل.
ولا تنحصر مرابح هذه التجارة بالسلاحف فقط، إذ يصل سعر الكناري السوري المصدر إلى السعودية وبحسب مواقع بيع وتسويق إلى مبلغ 350 ريالاً أي ما يعادل 94 دولاراً أميركياً، فيما يبلغ سعر الهامستر السوري 60 ريالاً أي ما يعادل 17 دولاراً أميركياً.
السلاحف تجمع بأكياس كبيرة من الغابات:
خبراء بيئة وتجار حيوانات أكدوا بأن اصطياد السلاحف منتشر بدرجة كبيرة وبأعداد ضخمة، وهذا ما أيده أيضاً أحد السكان المحليين المهتمين بالحياة البيئة في الساحل السوري والمتابعين للموضوع، والذي طلب عدم ذكر اسمه، بأنه شهد حالات جمع أعداد كبيرة من السلاحف بمختلف الأحجام في أكياس قماشية كبيرة معدة لإخراجها من سوريا كما جرت العادة التي أصبحت معروفة لدى سكان المنطقة.
كمْ تبلغ قيمة الحصول على رخصة التصدير العالمية من : CITES
تعد “CITES” اتفاقية دولية بين الحكومات، وهي اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية، إذ تعود قاعدة بيانات “CITES” للتجارة أكبر مجموعة بيانات عن التجارة الدولية القانونية في الأنواع المنقرضة وشبه المنقرضة، ولديها بيانات تاريخية تعود إلى عام 1975 عن الأنواع المدرجة في ملاحق (CITES).
خبراء بيئيون وتجار حيوانات أليفة يعتقدون بأنه يتم تدمير البيئة السورية بمبلغ صغير جداً من المال مقابل مبالغ طائلة بعد تصديرها، ويؤكدون بأنها تخرج بأوراق نظامية وبأعداد كبيرة.
من جهته، رفض بلال الحايك وهو المسؤول من الجانب السوري عن تطبيق “سايتس” كشف الأعداد التي تصدر بشكل نظامي كونها معلومات خاصة بأصحاب العمل، ولكنه أشار إلى أن الأعداد ليست بالأرقام المتداولة، وأضاف الحايك أن سوريا من الدول المتشددة في تطبيق الاتفاقية.
حايك كشف أن إنتاج المزرعة قد يصل لـ 11 ألف سلحفاة سنوياً، وأنه يسمح لأصحاب المزارع بجمع الحيوانات البرية بشرط إكثارها وليس بيعها خاصةً السلاحف، ثم يسمح بإعادة التصدير بعد عدة أشهر لضمان تكاثرها أولاً، موضحاً أن هناك لجنة تزور المزارع للتأكد من إنتاجها.
أما عن امتلاك المحال التجارية لحيوانات برية، أوضح حايك أن هذه الحيوانات تكون مسجلة لديهم ويشترط ألا تكون سورية الأصل، وأن عدداً من المزارع اليوم يملكون حيوانات متنوعة كالأسود والتماسيح وهي مسجلة أصولاً.
الحايك يرى بأن موضوع مراقبة صيد الحيوانات البرية وإرسالها للخارج بحاجة لتعاون من عدّة جهات ووزارات كون وزارة الإدارة المحلية تعد وزارة حديثة نسبياً، وأنهم امتنعوا عن منح الموافقات خلال فترة الأزمة، وأن جميع الموافقات تعطى للأشخاص بشرط امتلاكهم مزرعة مرخصة من وزارة البيئة ووزارة الزراعة، وأن موضوع إصدار شهادة التصدير يعد مجانياً وأن المبالغ التي تدفع عليه هي مجرد رسوم لتقديم الطلب.
مصدر محلي مطّلع أكّد بأن عدّة أنواع من الحيوانات باتت في خطر، وأن السلاحف السورية باتت مهددة بالانقراض كالزرزور والهدهد والبوم والسنجاب القوقازية، إضافةً لما يعرف بطائر الفينيق، وأن الحل الوحيد لإيقاف فلتان السوق وإيقاف الصيد هو عدم السماح بتصدير أي حيوان بري، وخاصةً أن الخسائر الوطنية كبيرة.
الخسائر المالية وأثرها الاقتصادي:
يامن عمران مهتماً وباحثاً في الشأن البيئي السوري يؤكد بأن دمشق سوق شهيرة جداً لتجارة الحيوانات البرية القادمة من مختلف المحافظات السورية، ويرى عمران أن الطيور الجارحة المعروضة للبيع كالبوم القلبي الوجه (المصاصة) و “البوم الإناء” أو “البومة القومية” وهي طيور ليلة إضافةً للطيور الحوامة كالعوسي (الكاستريل) و “صقر الجراد” التي لا تتمتع بقيمة مادية كبيرة يتم عرضها ضمن الأقفاص وإبعادها عن دورها الهام على طول الأرض السورية وخاصة الأراضي الزراعية المخصصة لزراعة الفواكه والخضار والزيتون والقمح، إذ يعد الجراد الخطير على المحاصيل الزراعية من أهم الفرائس لما يعرف بـ “صقر الجراد” أو “العوسي” وأن اصطياده والتجارة به يعرّض المحاصيل الزراعية السورية لأذية كبيرة إضافةً لأنواع أخرى كـ “الشحرور” و”السموم”.
وأضاف عمران أن اصطياد الصقور والحوامات النهارية يؤدي إلى زيادة انتشار القوارض وخاصةً “فأر الحقل” فعلى سبيل المثال وكفرضية يوجد 50 فأر حقل في أرضٍ زراعية يقابلها 10 بُومةً مهمتها القضاء على تلك الفئران فيتحقق التوازن البيئي بمنع الفأر من التكاثر والانتشار، ولكن صيد 6 بُومات مثلاً يؤدي إلى انتشار فأر الحقل.
بطريقة سريعة وبأعداد أكبر؛ لأن 4 بومات لن يتمكنوا من القضاء على العدد الهائل للفئران التي ساعد الصياد البوم بتكاثرها، وخاصةً أن الفأر يتكاثر بكثرة، وبالتالي خسائر بملايين ومليارات الليرات من أجل الاستفادة من ثمن بوم يبلغ بضعة آلاف من الليرات.
ويضيف عمران أن التاجر لا يرى الطيور أو الحيوانات البرية كأرواح ووسائل للحفاظ على التوازن البيئي بل كسلعة، وسوريا بحاجة لحملة واسعة لمقاطعة تلك التجارة ويجب أن تكون مدعومة من أعلى المستويات، إضافةً للمواطن السوري لأن الضرر كبير جداً على الجغرافية السورية خاصةً في ظل الحرب ونقص الإمدادات.
وضرب مثالاً عن نتائج الجهل بهذه الناحية حين انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام- نتيجة الجهل بالقانون السوري- في العامين 2020-2021 خبر بيع مواطن لطائر حر بمبلغ فلكي لإحدى دول الخليج، حيث تم نشر الخبر على أنه خبر تجاري؛ ولكنه ترويج لمخالفة قانون بيع الطرائد، والمحزن بالأمر أننا نبيع طيورنا إلى دول هي أساساً تحافظ على الطيور؛ لأنها تدرك أهميتها على الرغم من أن الطائر أصله سوري.
الخبر أدى إلى هيجان بين التجار وصيادي الطيور الذين نتيجة جهلهم بأنواع الطيور أساساً قاموا باصطياد كل ما يقع عليه نظرهم “كالباز الحوام” و “صقر العوسي” و “الباشق الأوراسي” و “الباشق الشامي (ليفانت)” الحدقة سوداء الجناح ” و” الشويهين (من أنواع العوسي) “.
وبيّن الخبير أننا نساهم بانقراض طيورنا وخاصةً ما يعرف بالطير الحر أي” الصقر الكوري “، إضافةً للشاهين الذي كان منتشر في سوريا وأصبح اليوم على حافة الانقراض، بينما تسعى أوروبا للحفاظ عليه، وكل حيوان بري سوري يسيطر على حصة ضمن السلسلة، وفي حال القضاء عليه فإن الحصة تتحول إلى فراغ لا يمكن ملأه.
كذلك يتم اصطياد طائر” المرور” بحجة أنه خطير على النحل، بينما الحقيقة بأنه خطير على العدو الأول للنحل وهو” الدبور الأحمر الشرقي” واصطياده والمتاجرة به يعني خسائر للمحالة السوريين ولسوريا، كما أن طائر” المرور” هو أحد الأعداء المهمين جداً للجراد، حتى الذباب هو هام جداً للحياة البيئية كونه مصدر غذاء أساسي لعدد من الكائنات، وبالتالي فإن القضاء على الذباب يعني القضاء على مفترسي الذباب وانتشار الحشرات العفنة التي يقوم الذباب بإخفائها.
وأضاف عمران أنه لا بد من التذكير بالحيوانات المنقرضة “كالنمر الأناضولي المبقع” و”الدب السوري البني” والذي تم القضاء عليه أساساً لأننا سابقاً قمنا بالقضاء على “الآيل السوري” و”الغزال السوري” وبالتالي فإننا قضينا على غذاء ذلك الدب الذي اضطر لمهاجمة المواشي والدواجن، ولا بد من الإشارة إلى أن “الواق واق” و”الحجل” و”الحسون الأوروبي” و”حسون التفاح” و”نقار الخشب السوري” و”طائر الشقراق” وكافة الطيور الجارحة و”الهامستر السوري” و”ثعلب الماء” والنحل بأنواعه في طريقها إلى الانقراض نتيجة تهريبه واستخدام أنواع معينة من المبيدات.
جهل أم تجاهل؟
أحد مربي وتجار الطيور الجارحة، أوضح لـ “أثر برس” أنه لم يعلم بأي قانون يمنع بيع وتجارة الطيور الجارحة وأن تربيته لها هي هواية بالدرجة الأولى وتجارة بالدرجة الثانية، ويعتقد المربي بأن اقتناءه لعقاب أو بوم يساعد الطير على الحياة معتقداً بأن دمشق خالية من الفئران والقوارض وبالتالي فإن الطير سيتعرّض للجوع.
المربي يعرض أقفاص الطيور الجارحة بشكلٍ علني أمام المارة دون رقيب، وفي أحد الشوارع المزدحمة بالزوار القادمين من خارج الأراضي السورية.
وفي سياقٍ متصل يُعرض في أسواق اللاذقية الشعبية (سوق الجمعة) عدداً كبيراً من الطيور الجارحة أسبوعياً، إضافة لعرض الطيور المهاجرة، فعلى سبيل المثال وعلى طريق كسب اللاذقية يعرض أحد الأشخاص عدداً من طيور اللقلق المهاجرة اصطادها سابقاً وموضوعة في قفصٍ كبير على الشارع العام ويرفض تحرير سبيلها منذ أكثر من سنتين دون معرفة هدف سجنهم، حيث فشلت كافة محاولات تحرير سبيلهم.
صياد وتاجر ومشترٍ:
سلسلة البيع والشراء مقسومة إلى 3 أقسام أي 3 أشخاص مشتركين بعمل مخالف للقانون وهم الصياد والتاجر و
المشتري، والمشتري نوعان الأول يشتري الطير للتسلية ويموت الطائر لديه بعد فترة قصيرة والنوع الثاني هو المشتري السلبي أي الأشخاص الذين يشترون الطير من أجل إنقاذه ولكنهم يشجعون على إنعاش التجارة دون قصد.
ويشارك الأشخاص المتورطون في التجارة بشكلٍ علني أدلة الجرائم على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم ما أدى إلى انتقال تجارة السوق السوداء إلى الإنترنت، فظاهرة بيع الحيوانات منتشرة عبر السوشال ميديا التي باتت منصة للتواصل الداخلي والخارجي، ومنها بيع ما بعد السطو على أعشاش الطيور، إذ يعمد بعض الأشخاص إلى السطو على أعشاش الطيور خلال موسم التزاوج، ويتم استخدام أمهات بديلة (كالحسون والكناري) من أجل الحفاظ على البيض بانتظار خروج الفراخ وبيعها، وبعض الصيادين يقومون ببيع الأعشاش عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع وضع أرقامهم وصور المسروقات بطريقة واضحة.
معظم تلك البيوض وان أخرجت طيوراً ولكن تلك الطيور الضعيفة والصغيرة لن تكون قادرة على الحياة وبالتالي فإننا قضينا على إحدى الحلقات المهمة في التوازن البيئي ليس السوري فقط وإنما العالمي؛ بسبب أن تلك الطيور هي طيور مهاجرة، إضافة للطيور التي تعد تراثاً وجزء من الهوية السورية كطائر النقار السوري المهدد بالانقراض، إضافة لطائر الحجل الذي يتعرض للقتل في الخريف وسرقة أعشاشه في الربيع.
في وسائل التواصل الاجتماعي يستطيع أي شخص بيع وشراء ما يرغب من حيوانات، إضافة لقيام العديد من الصيادين بنشر أعمالهم في الصيد وحتى يصل الموضوع أحياناً لنشر آلاف الطيور محتجزة بعد أن تم صيدها باستخدام ما يعرف بالـ ” الدب ” المحرم ليتم بيعها للمستهلكين، وبالتالي فإن العثور على إعلانات للأنواع المهددة بالانقراض على الإنترنت ليس بهذه الصعوبة.
تحنيط الغزال السوري
أحد أهم المختصين بالتحنيط كشف لنا أنه يقوم بتحنيط عدد من الغزال السوري الذي يتم اصطياده خصيصاً من غابات المناطق الوسطى بلا حسيب ولا رقيب، فيتوجه الصيادون للغابات لالتقاط ما هو نادر وخاصةً الغزال، ويقومون بقتله وهو بدوره يقوم بتحنيطه مقابل مبلغ لا يتجاوز الـ300 ألف ليرة سورية؛ ليباع مجدداً لجهة أخرى، وأوضح المحنط أن أهل المنطقة على دراية تامة بالموضوع.
فني التحنيط أوضح أن موسم الصيد بالنسبة للطيور المهاجرة يبدأ مع بداية شهر أيلول ويكثر فيه اصطياد الطيور المهاجرة كالفلامينغو واللقلق والبجع كبير الحجم مع طلب مرتفع على الجوارح ليتم تحنيطها، لأن الصيادون يعمدون لاصطياد طيور نادرة جداً مثل النسر الأصلع آكل الجيف والنسر الذهبي النادر وبعضهم يتم إرساله لدول الخليج عبر وسطاء في تلك الدول.
وأضاف بأن معظم ما يتم تحنيطه تم صيده خصيصاً لهذه الغاية، وبعض الحيوانات تصل على قيد الحياة ويتم قتلها أو أنها تموت خلال انتظار مشترٍ من المحال المنتشرة في الأسواق مثلاً، ومن الحيوانات الشائع تحنيطها والممكن تهريبها: الثعالب والغرير وطائر الببغاء.
وهذا يؤدي إلى الاتجار غير المشروع بالحيوانات والنباتات البرية إلى الإضرار بالتنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم ونشر الأمراض، فوفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة لعام 2019، فإن مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهددة الآن بالانقراض، وأنه خلال عقود عدّة، تم القضاء على أكثر من 500 نوعاً من الفقاريات تقريبًا، ووفقًا لتحليل جرى عام 2020 من قِبل الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، إ كان هناك انخفاض متوسط بنسبة 68٪ في أعداد أنواع الفقاريات بين عامي 1970 و 2016، وفقًا لمؤشر الكوكب الحي التابع للصندوق العالمي للحياة البرية.
فدية أم ثمن؟
نور (مربية حيوانات أليفة) كشفت لـ “أثر برس” أنها وأصدقائها خصصوا صندوقاً لإنقاذ تلك الحيوانات، والتي بحسب اعتقادها يعمد التجار إلى عرضها في وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة سيئة جداً للفت نظر المهتمين بإنقاذ الحيوانات فيكون المبلغ فدية أكثر منه ثمناً للحيوان.
وأكملت نور بأن عدداً من تلك الحيوانات تموت في أسرها أو تتعرّض لعدّة أمراض نتيجة الظروف السيئة وضعف العناية وسوء التغذية فيتم إطعام الحيوانات كميات قليلة جداً من طعام فاسد وغير صالح للاستهلاك تملؤه الحشرات والقذارات، عدا أن عدداً كبيراً من تلك الحيوانات تكون مسروقة وتباع في تلك المحال.
حيواناتنا تُسرق وتباع لغيرنا:
هنادي المحتسب الناشطة السورية الشهيرة في حقوق الحيوانات ترى “أن الفوضى عارمة وان أكبر خطر يساعد لفتح وتوسيع باب تجارة الحيوانات بكافة أنواعها يكون نتيجة غياب القوة الرادعة للصوص الحيوانات الأليفة أساساً، وأن الحيوان لا يعامل كأملاك شخصية يمكن معرفة مالكها ومصادرها، فيتم سرقته وتزوير أوراقه بعكس ما يجري في دول العالم التي تستخدم تقنية “مايكرو شيب” التي يتم فيها تسجيل جميع بيانات الحيوان الأليف والمالك على الرغم من أن التقنية غير مكلفة وموجودة في سوريا منذ زمن طويل.
وأضافت محتسب “ما يحصل بسوق الحيوانات سيئ جداً فالحيوانات تأكل قمامة وفي الحر تبُخ بالمياه من أجل التبريد في حين تبقى لساعات طويلة محتجزة تحت الشمس في أقفاص”.
لا يوجد طريقة للتواصل وإيصال الشكاوى
من جهة ثانية، لا يعرف المواطن من هي الجهة الرقابية الضابطة لعمل تجارة الحيوانات والمسؤولة عنها، فلا يوجد مكتب مختص بهذا العمل الرقابي، فحتى وزارة التجارة الداخلية ومكاتب المحافظة بعيدون عن الأسواق المذكورة.
أحد تجار الحيوانات أوضح لـ “أثر” أن المحافظة والوزارات المفترض أن تكون معنية لا تتدخل في معظم الأوقات في شؤونهم وأنهم يعملون دون ترخيص، بينما أوضح مصدر من محافظة دمشق لـ “أثر برس” أن المحافظة تعمل وفق مراسلاتها الخاصة مع الجهة المعنية في وزارة الزراعة، وأن أي إجراء من مخالفة أو إغلاق يتم بطلب من الوزارة، باعتبار أن لجان المحافظة غير قادرة على تحديد الشروط الموضوعة من قِبل الزراعة.
دبلوماسية أم التفاف لوزارة الزراعة عن الموضوع؟
“أثر برس” تواصل مع وزارة الزراعة التي من المفترض أن تكون المعني الأول بما يجري وطرح عدة تساؤلات عن كيفية السماح للمحال التجارية بالعمل دون رخصة؟ وما هي ضوابط بيع الحيوانات البرية؟ وما هو موقف الوزارة من تجارة الحيوانات البرية في المحال التجارية؟، ولماذا لا تتم ملاحقة الأسواق الإلكترونية والأسواق الشعبية؟، ولماذا لا يوجد وسائل اتصال واضحة بين المواطن والوزارة للتبليغ عن عمليات التجارة بالحيوانات، خاصةً البرية منها؟؛ فكان رد وزارة الزراعة عبر الدكتور حسين سليمان مدير الصحة الحيوانية أن “هناك ضوابط للتجارة بالحيوانات ضمن القرار “90” وشروط فنية وإدارية للترخيص من قِبل الإدارة المحلية والبيئة ومجلس المدينة ومديرية الزراعة وتوجد ضابطة عدلية بالبلدية ومديرية الزراعة بالمحافظة لمتابعة هذا الأمر”.
وعند سؤال الوزارة عن مدى معرفتها بأن المحال التجارية غير مرخصة وأنها تبيع حيوانات برية؟ كان الرد “بأن التراخيص من مهام البلديات والإشراف الفني من مهام مديريات الزراعة ويجب أن تكون جميع المحالّ مرخصة ضمن الشروط الفنية، وغير ذلك تغلق من قِبل عناصر الضابطة بالدائرة الصحية بالبلدية بالتنسيق مع مديرية الزراعة”.
يذكر أن وزير التربية الحالي الدكتور دارم طباع كشف في العام 2000 للبيان الإماراتية عن مشروع سوري لحماية الحيوانات والطيور، وكان يديره حينها، وبحسب وزير التربية الحالي أن المشروع يهتم بإعداد برامج تربوية ودورات تدريبية تهتم بالتربية البيئية وإدخال مفاهيم حماية الحيوان ورعايته في المناهج المدرسية، وأن هدفه منع تدهور البيئة السورية وحماية الحياة الحيوانية البرية.
وأضاف د.طباع حينها بحسب صحيفة البيانة “من المؤسف القول إن عدداً من الطيور المهمة كالحبارى مثلاً قد انقرض نهائياً من سوريا وأن أنواعاً عدّة من الطيور الجارحة شارفت على الانقراض كالصقر الحوام وصقر اليانورا والعقاب الإمبراطوري وصقر السمك، بالإضافة إلى طيور أخرى كالكروان والسلكة الزرقاء وغيرها”.
المصدر: أثر برس
صفحتنا على فيس بوك – قناة التيليغرام – تويتر twitter