رأي

بين الرياض وطهران، اتفاق بكين .. هل نجم أمريكا إلى أفول؟! .. زهر يوسف

خلافاً لما سيق ماضياً، أتى الاتفاق السعودي- الإيراني (اتفاق بكين) بصبغة صينية وبزمن قياسي خمسة أيام، ليفكك حقل الألغام المزروع لا إرادياً في بنية المنطقة، ومعه تم تقليد الصين “الراعية” للاتفاق وسام اللاعب الرئيس في منطقة تصنف على أنها متوترة بين خصمين لدودين.

فليس سراً القول إن الاتفاق بين دولتين إقليميتين في المنطقة، جاء في أولى بنوده تفعيل اتفاقية التعاون الأمني المبرمة بين الرياض وطهران عام 2001، ليستتبع بالتزام الطرفين بعدم التدخل في الشؤون الداخلية ليصار إلى إشهار عودة العلاقات من بوابة الدبلوماسية وفتح السفارتين المقفلتين منذ 2016، في غضون شهرين.

كذلك الجانب الاقتصادي كان حاضراً وبقوة في محادثات الصين، بين الرياض وطهران، تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة ناهيك عن الاستثمار والثقافة، والسبَّحة تطول، الموقعة سنة 1998، كانت إحدى محاور التفاهم، ما يفتح الباب أمام شراكات أوسع وأشمل لن تبدأ بربطة العنق ( دبلوماسيا)، ولن تنتهي بلغة الأرقام ( الاقتصاد)، وهذا كفيل بتبديد أو التخفيف من حالة الاستقطاب والكِباش الدولي بين من يرفع لواء الرياض، وآخر داعم لطهران، كِباش ساحته المنطقة العربية من الماء إلى الماء، وربما يضع الملفات المعقدة والخلافية على سكة الحلحلة، كما ينظر كثيرون في منعكسات الاتفاق المولود حديثاً، أولها الملف اليمني بدرجة كبيرة حيث كان لافتاً تصريح وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان من العاصمة موسكو أن أولوية بلاده التوصل لوقف إطلاق النار في اليمن وإطلاق حوار يمني يمني، وثانيها لكن بدرجة أقل لبنان، وما تصريح رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي من الصرح البطريركي أن ربيع لبنان قادم، إلا غمزة جوانبها واضحة في الاتفاق السعودي الإيراني، ثم يأتي ثالثها وإن بدرجة أقل من السابقتين الملف السوري.

أما في بُعد الترويكا ( الصينية – السعودية – الإيرانية)، تعتبر بكين شريكاً اقتصادياً مهماً لكل من الرياض وطهران، والاختيار بين المهم والأهم بالنسبة للصين غير وارد حيث شراكة إستراتيجية شاملة تجمع الثلاث، ولأنها كذلك فلم يكن بمقدور الصين الذهاب بعيداً في هذه الشراكة مع خصمين إقليميين دون تحقيق المصالحة، ودونما إغفال لدورٍ فاعلٍ قامت به العراق وسلطنة عمان اللتان كانتا السباقتين لرأب الصدع بين السعودية وإيران، إلا أن إنهاء التوتر بين اثنين من أكبر مصدري النفط في العالم كان على يد الصين.

وهنا إنعاش الذاكرة فرض عين وواجب، فمنذ وصول جو بايدن لرئاسة أمريكا، وبعد تهديده إبان حملته الانتخابية بجعل السعودية دولة منبوذة، اقتربت الأخيرة أكثر من الصين.

حينها طُرح السؤال البديهي أيهما ستختار المملكة الصين أم الولايات المتحدة؟ وقتها الجواب كان بتأكيد الرياض أن علاقتها مع بكين لا تلغي تحالفها مع واشنطن، لكن للاستدراك هنا .. التزام واشنطن بما يسمى أمن الخليج رسب في امتحان صلابة التحالف عندما تعرضت المنشآت النفطية السعودية آرامكو لهجوم استخدمت فيه الطائرات المسيرة آذار 2022.

رد الفعل الأمريكي اللامبالي إزاء هجوم آرامكو ربيع العام الماضي الذي وُصف بالضخم، جعل الرياض تتيقن أن واشنطن حليفٌ لا يمكن الوثوق به ولا حتى الاتكاء عليه لردع أو الرد على أي هجوم يضع مصالح المملكة الإستراتيجية في عين النار.

لذا واضحاً يتجلى أن الولايات المتحدة تفقد ورقة تلو الأخرى، كورقة ابتزاز السعودية بالبعبع الإيراني، فمثلاً أن تقول صحيفة الواشنطن بوست أمريكية الهوى والهوية إن ما تفعله واشنطن بالحرب، تنجزه بكين بالاستثمار، أبعد من دليل على أن واشنطن وإن علمت بالاتفاق “كما قالت” فهي تعقد حاجبيها غضباً، لسبب بسيط أن خطوة الاتفاق أتت تتويجا لخطوات عديدة اتخذتها الصين لتكريس نفسها قطباً فاعلاً مؤثراً وحيوياً في عالم الأقطاب المتعددة الذي يُشهد على ملامح استيلاده، خاصة أن الإعلان تزامن من إعادة انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينغ لولاية رئاسية ثالثة في خطوة قراها كثيرون أنها مهمة وغير مسبوقة.

وانسجاماً مع ما سيق أنفاً تتوالى حتى كتابة هذه السطور ردود الفعل المرحبة بالاتفاق المعلن من الصين، فيما إسرائيل وحدها تصف الاتفاق بالخطير، وبسويعات الاتفاق الأولى بدأ ساسة تل أبيب تقاذف اتهامات الفشل حد القول إن الجدار الذي بنيناه إقليمياً على مدى عقود انهار بطرفة عين، والناظر “لدولة” الاحتلال في الفترة الماضية يلحظ بسهولة حجم التصعيد والتحشيد بوجه إيران على وقع متناقض مع اتفاقيات أبراهام  التي سارت إليها بخطى ثابتة مع دول خليجية وكانت على بعد خطوات منها المملكة السعودية، وهنا يبرز السؤال، ما الذي حدا بولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتوجيه صفعة من هذا العيار لتل أبيب في توقيت حرجٍ وحساس؟؟، هنا عامل الزمن مهم للغاية، حيث قال مستشار الأمن الوطني السعودي إن المملكة حرصت على الروابط الأخوية مع إيران مؤكداً فتح صفحة جديدة.

الصين تلعب “بخفة بهلوان ماهر” دوراً توفيقياً ومحورياً بين الدول، وطرحت نفسها كوسيطٍ في الحرب الأوكرانية، وقبلها زارت المنطقة وعقدت ثلاث قمم صينية سعودية، وصينية خليجية وصينية عربية لتضع نفسها بديلاً فاعلاً ووسيطاً نزيهاً في الأزمات الدولية، وهذا بلا شك سيلفت انتباه كثر من دول المنطقة حول دور الصين المستجد والصاعد على حساب دور الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت ترفع السبابة قائلة: أنا من أقرر ما يحدث في دول العالم ..

الصين تتقدم بسياسة براغماتية ناعمة وندَّية منقطعة النظير، وبعقلها البارد ظاهرياً ترسم مراحل أفول نجم أمريكا .. لكن هل ستقبل واشنطن جرعة أو دفعة جديدة للحضور الصيني في الشرق الأوسط؟ لسانُ حالٍ يقول إن الأمر لم يعد حكراً على واشنطن، ففي العالم أحلاف سياسية واقتصادية وعسكرية تشكلت، وأخرى طور التأسيس عمادها التمرد على صانع القرار الأمريكي، ولسانُ حالٍ آخر يقول إن واشنطن من سياستها إيهام الخصم أنه تفوق لتنقض عليه لاحقاً .. الاحتمالان واردان والانتظار هنا نعمة.

 

إقرأ أيضاً .. أميركا .. ووسمة “القَدَر”..

إقرأ أيضاً .. تجاوز الفصحى!؟ ..

إعلامية وكاتبة – سوريا
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

صفحاتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى