بعد موسكو، الأسد في الإمارات .. أي جديد؟.

الناظر للشرق الأوسط هذه الأيام، والمراقب بدقة لوطن الضاد، يرى بأم العين وبما لا يدع للشك مكان، سيل المبادرات التي تُطرح، والأجواء الايجابية التي تطفو على سطح العلاقات السياسية بين دوله التي كانت حتى الأمس القريب مرتعاً خصباً للمماحكات السياسية والمناكفات، تقاس حدتها باشتداد الانزياحات والتخندق على ضفافٍ متصارعة في أكثر من ساحة عربية.
اليوم، الايجابية تتسّيد في المواقف السياسية للدول العربية على الصعد كافة، ونجاحها يدلل بوضوح على حجم مفاهيم التعاون المشترك وقيم التكامل والتكافل العربي النابذة للصراع بأشكاله المتعددة، عبر تمكين صمامات الأمان وتعبيد طرقٍ للحوار بدلاً من عداء عانت منه شعوب المنطقة وما زالت، ومن هذه الدول، برزت سوريا كوجهةٍ ومقصدٍ لكثير من الزائرين العرب، ولِـمَ لا؟ .. سيما أن المناخ الدولي ذي العصب المشدود برمته يحتاج إلى جردة حساب وتصحيح نظر ومراجعة دقيقة، كون العالم بأركانه الأربعة يقبع في جوف مرجل حرارته تنذر بالذروة قريبا.
إشارات التقطتها دمشق ومعها بعض العواصم العربية، فكان الخيار بين الانفجار والانفراج لا يقبل عصفاَ فكرياً ولا تنجيماً ولا حديثَ الفرضيات، حتى رأينا تحركاً فعلياً، الرئيس بشار الأسد في دولة الإمارات العربية المتحدة بعد أيام قليلة من زيارته إلى روسيا ولقاء القمة مع بوتين، إن بجلسة مغلقة وأخرى موسعة، فالتشاور والتنسيق أمر روتيني بين الحلفاء، هكذا يشدد الرئيس الأسد في كل مناسبة، ويصر أن من مصلحة الجميع، لا سوريا فقط، النظر إلى المستقبل دون إضاعة الوقت في اجترار مفردات العتب وفتق الجروح، فما حدث حدث، والعتب لا ينفع، إنما تعلُّم الدرس على بساطته للانطلاق نحو المستقبل برؤية ليس المهم أن تكون جامعة بقدر الهدف النهائي الجامع في المحصلة، ففي الاختلاف غنى على الجميع استثماره لا الابتعاد عنه.
ورغم ما بدا من مفاعيل تركية بردود سريعة حول المبادئ السيادية التي طرحها الرئيس الأسد كخطوة أساسية لازمة تستوجب بعدها إمكانية لقاء الرئيس أردوغان، فالتوقيت بحسب الرئيس الأسد ليس مهماً بقدر أهمية انسحاب القوات التركية غير الشرعية التي تقبع في الشمال السوري، وتحديداً إدلب، وتغذي تنظيمات استباحة الدم والتكفير بكل ما يجعلها فاعلة على قيد الإرهاب.
رفضٌ تركي لم يأتِ من بوابة الدبلوماسية لدى أنقرة، بل من عضوٍ في حزب العدالة والتنمية، وهو ما قرأ في زاوية ما بأن أردوغان ليس بمقدروه البقاء مغرداً خارج سرب التوافقات الروسية الإيرانية السورية، خاصة وأن الانتخابات باتت على الأبواب واستطلاعات الرأي تُظهر تقدم مرشح أحزاب المعارضة الستة، كمال كليتشدار أوغلو، نتيجةٌ بالطبع لا تروق للعدالة والتنمية ولأردوغان، دونما إغفال وجود رغبة تركية بتفعيل مسار التقارب مع دمشق لسبب وجيه هو سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة التركية التي تمثل ضغطاً حقيقياً على أردوغان من بوابة الانتخابات الرئاسية القادمة منتصف مايو أيار المقبل، وعلى الضفة المقابلة، ليس في وارد دمشق تقديم هدايا مجانية لأردوغان حتى لو كان حليفاً لدمشق، موسكو وطهران تريان في استمرار اردوغان كحاكم لتركيا فائدة لهما ومن مصلحتهما، لذا يتضح أن لتركيا أردوغان خياران لا يعترفان بثالث، إما المضي بخطى حقيقية وبموثوقية في تطبيع العلاقة مع دمشق على أساس قبول مطالب دمشق السيادية، أو المكوث في بوتقة التعنت والرفض انصياعاً لشروط صانع القرار الأمريكي بعدم الانفتاح على سوريا، عكس الهواء الخليجي هذه الأيام وتحديداً دولة الإمارات العربية المتحدة، التي زارها الرئيس الأسد قبل أيام والتي تبدو في سياقها العام طبيعية جداً لجهة تدعيم البيت العربي الواحد الذي اهتزت أركانه لسنوات، وأيضاً للحديث مباشرة عن مدى العرفان لما قدمته وتقدمه الإمارات إن خلال عقد وازدادت عامين من حرب فرضت على سوريا، وإن لجهة جسور المحبة التي تتواصل حتى الآن بعد زلزال شباط الماضي إضافة لتقديم الإمارات لـ 100 مليون دولار كمساعدة في ردم هوة المأساة الإنسانية التي خلفها الزلزال.
وهنا من المظلومية بمكان حصر زيارة الرئيس الأسد وعقيلته ووفد وزاري في إطار الحديث عن الشكر والامتنان، على أهمية ذلك، إذ يرصد على خط دمشق – أبو ظبي مسار سياسي جدي انطلق بين سورية والدول العربية، وفيه دولة الإمارات لاعبٌ رئيسي ومحوري مرغوب من الأطراف ككل، فأن يقول مثلاً المستشار الرئاسي لدولة الإمارات العربية المتحدة، أنور قرقاش، إن “موقف الإمارات واضح بشأن ضرورة عودة سوريا إلى محيطها عبر تفعيل الدور العربي” ، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد خلال مباحثاته مع الرئيس بشار الأسد، ويضيف قرقاش “يكفي عقد ونيف من الحرب والعنف والدمار وحان الوقت لتعزيز تعاون وتعاضد دولنا العربية لضمان استقرار وازدهار المنطقة”، هو خيرُ دليلٍ أن الحوار القائم على المشتركات يفترش أجواء المنطقة، وأن لا جدوى في سماكة جدران الجليد التي أقيمت دونما سبب جوهري، فالخلاف سياسي وبالحوار تذلل العُقد بما يضمن مصلحة الكل على قاعدة رابح رابح.
كذلك حري الإشارة أن في دمشق أيضاً جدية واضحة لفرد أوراق ما يُبحث عربياً لرأب الصدع وتضييق مسامات الخلاف التي تقيحت، من خلال زيارة الوفود العربية الدبلوماسية الإماراتية منها والأردنية والعراقية والمصرية، أضف على ذلك اللقاء الأمني الاستخباراتي الذي عقد في الرياض بين مسؤول أمني سوري ونظيره السعودي الذي يؤسس لمرحلة انفتاح يمهد طريقها بين دمشق والرياض، أولى بواكرها ما سربته وكالة سبوتنيك الروسية أن وزير دبلوماسية المملكة فيصل بن فرحان سيزور دمشق قريباً، ومنها سيعلن فتح القنصلية السعودية بعد عيد الفطر، خطوة هامة في اتجاه صحيح تعمل عليه الرياض لجهة حشد قواها لعقد قمة عربية في أيار مايو المقبل، ومن المتوقع حسب الحاصل عربياً وإقليمياً أن دمشق ستكون حاضرة، غير أن التمثيل لم يعرف بعد، فهل يحضر الرئيس الأسد القمة؟ هذا مدار نقاش آخر.
إذ يعني سوريا تفعيل مقعدها من رتبة الدور والمحور والثقل الذي كانت تؤديه سوريا عربياً، وليس فقط تفعيل المقعد بشكل صوري فقط.
ديناميكية الحركة السورية السياسية والدبلوماسية والتعاطي بإيجابية على صعيد توطيد العلاقة الثنائية بين الدول العربية، وتلاقي العرب مع سوريا على مشتركات تضع قاعدةً للتحرك أكثر فعالية وسرعة، وتريح وطن الضاد من الماء إلى الماء، الشاهد على انفراجات تعكسها شاشات الرادار الإعلامي بين المصافحة وابتسامات المُحيا، ليبقى الثابت أن ما يتمظهر حتى اللحظة أقل بكثير مما يُطبخ سراً، وعلينا الانتظار.
إقرأ أيضاً .. أميركا .. ووسمة “القَدَر”..
إقرأ أيضاً .. بين الرياض وطهران، اتفاق بكين .. هل نجم أمريكا إلى أفول؟! ..
إعلامية وكاتبة – سوريا
المقال يعبر عن رأي الكاتب
صفحاتنا على فيس بوك – قناة التيليغرام – تويتر twitter