إضاءاتالعناوين الرئيسية
الرواية والسيرة .. أحمد علي هلال

على الأرجح أن ما وقر في الوعي الثقافي وفي الذاكرة الثقافية، أن الرواية هي سيرة بشكل أو بآخر، ولعل الأديبة الكبيرة غادة السمان قد جهرت يوماً بأن ” الرواية هي سيرة مقنعة”.
.
ذلك الوصف الذي يحيلنا إلى كم متواتر من روايات راهنة يقف فيها سؤال الرواية حائراً، بمعنى ثمة سؤال مضمر، كيف سيواجه الروائي حيوات مكشوفة ليسردها بما امتلك من أدوات الفن وزخم الخيال؟
وتلك حقيقة سيقف عليها من يقرأ روايات ذات طبيعة سيرية، أو التي تُبنى على سيرة معلنة.. وعليه فإن غير مفارقة ستحمل ذلك (الإبداع). فهل ينهض المقابل الجمالي ويتقرى أنساق تلك المضمرات، أم يضيف إليها جسارة التخييل؟ بصرف النظر عما وقر أيضاً في الوعي الجمعي، من أن الواقع قد أصبح خيالاً بما يكفي، ففي البداهة أن أيما كاتب/ روائي، لابد له من أن يعلل ذلك النزوع إلى تأبيد الذاكرة، لينتصر لشرطها الإنساني، أي بمعنى أن الروائي ذاته سيقدم خطاباً معرفياً بامتياز، وهذا الخطاب سيتنازعه شرطان، شرط الفن، وأمثولات الواقع.
.
إذاً.. كيف سنقرأ تلك السير أو بعضها على الأقل، ممن جنحت إلى الامتثال إلى الواقع أكثر من تطييفه في وعي المتلقي، ليأتي المعادل الجمالي والواقعي والتأليفي مشكلاً تلك الإضافة، ومن اللافت للنظر أن ثمة روايات بعينها، لاسيما المترجمة منها قد فارق بعضها ما ذهبنا إليه، حيث أن استنطاق الواقع كما هو بمسوغ الصدق الفني فحسب، قد جهر في سياقاته بمفارقات ثقافية، فضلاً عن مفارقات لغوية وأسلوبية، يمكن للمترجم فيها أن يجهر بمرجعيتها ليحقق كشفاً في نقله الثقافة إلى ثقافة أخرى، كما يمكن له أن يعلل معرفياً تلك المضمرات السردية في متعالياتها، والتي تعني سياقات تاريخية بعينها.
.
.
إن الدرس الذي نستفيده من الترجمة، ليس نقل النص كما هو، بل القراءة الفاحصة لما انطوى عليه النص في وعي متلقٍ مختلف، لكن ذلك لا يمنع على الإطلاق في خصوصية الترجمة على سبيل المثال، أن تكون حواراً مع ثقافات مختلفة معرفة لا امتثالاً لسياقاتها وما انطوت عليه مفارقاتها، وبهذا المعنى فإن السيرة تبقى شكلاً أدبياً متمنعاً وقابلاً للتأويل أكثر.
.