رأي
التفاؤل والتشاؤم ، مفردتان تمارسان التعذيب بلا أدوات تعذيب ..
قمر الزمان علوش ..
|| Midline-news || – الوسط ..
لقد تعبت ، فعلا تعبت ، يبدأ النهار وليس لدي خطط ليومياتي , يتبعه الليل مبعثرا نومي في ساعات قلقه تغزوني فيها الكوابيس الثقيلة كغزوات البرابرة .
تلك الكتابات عن الصراعات الطائفية لم تكن تستهويني ولم تكن من اهتماماتي في الأصل ، وذلك النمط من التفكير لم يكن في يوم ما حبرا لكلماتي ، فرض علي الامر فرضا ، مصادفة توفرت لدي معلومات تشبه الجمرة المحترقة فلا أنا أستطيع القبض عليها بكفي ولا أنا أعرف كيف أتخلص منها ، غامرت بالادلاء بشهادتي متطوعا دون أن أعرف الى أين ستقودني الاعترافات ، كنت أشعر بأنني اتفكك وأضع أعضائي قطعة قطعة فوق الطاولة ، القدر يفتح أمامك طريقا ما فاما أن تقرر بأن تسلكه أو أن تقاومه ، و لكن عندما يفتح أمامك عليك أن تسير فيه الى النهاية .
عندما تبدأ الرحلة لاتستطيع أن تفرق بين المصادفة والقدر ، لاتستطيع أن تتكهن بالنجاح أو الفشل ، لاتستطيع أن تعرف ذلك الا بعد انتهاء الرحلة ، لم أبحث في احصائيات الربح والخسارة ، لم أتوقف عند من كان معي أو من كان ضدي ، لم أغضب على من أساؤوا فهمي رغم انني كان يجب أن أغضب ، مع ذلك أشعر بأنني لم اخرج من هذه المعركة مهزوما من الداخل ، بالتأكيد تأثرت بكثير من الانطباعات لكنها لم تملأ فراغا كبيرا في داخلي ، انما أظهرت لي شيئا جديدا لم أكن أتوقعه .
قضيت حياتي كلها راغبا في أن أذهب مرة واحدة الى مكان حقيقي دون ان أهتدي أبدا الى المكان الذي ينبغي أن أذهب اليه ، كل الأماكن تغطيها شبكة صيد تخبىء لك مفاجأة ما أو دسيسة ما أو خيبة ما عند كل خطوة تخطوها ، الا هذه المغامرة فقد قادتني الى المكان الحقيقي الذي كنت أبحث عنه زمنا طويلا ، مكان يتيح لي فرصة الشعور بالأشياء مجددا حتى لو كانت ألما ، وأجمل ما فيها انني في النهاية لايراودني أدنى تفكير بأنني قمت بعمل يدفعني الى الشعور بتأنيب الضمير ، أو انني قلت شيئا يوجب علي الاعتذار من أحد .
شيء وحيد من اللوم الشفيف أشعر به يؤرجح عواطفي احيانا : لماذا بدلت عوالمي الأدبية المسحورة المكتظة بالعشاق والأزهار والأضواء المنعكسة وطيور الجنة ونسائم العطر ، بهذا المستنقع الذي تحيط به ظلال حالكة وتضج فيه أصوات صدئة كأصوات الأغلال التي تجرها الأرواح الرجيمة ويمر عليها الزمن كغبار من الوهم ؟ لماذا ؟ لماذا اندفعت الى خيانة نفسي بهذه القوة ؟ ببساطة أقول : لقد اضطررت الى قبول الأمر لأنني لم اجد مخرجا آخر ، فأن أخون نفسي أفضل مالصحراء , العطشان , السراب ن أن اخون الآخرين .
هناك مفردتان لا أحبهما وأود لو انهما تختفيان من كل قواميس اللغات ، هما : التفاؤل والتشاؤم ، مفردتان تمارسان التعذيب بلا أدوات تعذيب ، تعطيان الدواء للأصحاء وتحرمان المرضى منه ، ويتضاعف تعسفهما عندما يكون الانسان في متاهة ، ومتاهة الحروب هي الأكثر قسوة وايلاما .
في الحرب تتشابك الافكار وتحتدم ، تتصادم النوازع والاتجاهات ، وتنقلب القيم وتتبدل المفاهيم ، حتى القوانين الطبيعية يمكن أن تتغير ، فالعطشان في صحراء مثلا يبحث عن سراب ، في الحرب السراب يبحث عن عطشان …
( للمقال صلة ) .
*أديب وروائي سوري