رئيس التحرير

الاعتداءات السَّافرة والرَّد السوري .. || رئيس التحرير ||  ..

ليست تركيا الدولة الوحيدة التي انتهكت حرمة الأراضي السورية في السنين الخمس الأخيرة ، واعتدت بشكل سافر على السيادة والحدود والأرض ، شاركتها في ذلك ما يقارب اثنتان وثمانون دولة ، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائل إضافة إلى دول أوروبا والكثير من الدول العربية والغربية الداعمة للمشاريع الكثيرة التي تتقاطع على الأرض السورية ، فقامت كل دولة من تلك الدول بالتدخل والاعتداء بالشكل الذي تستطيع من خلاله تحقيق اكبر المكاسب لصالحها ، فمنها من قدم الدعم بالمال والسلاح والرجال والمواقف الدولية المنصاعة أو المنحازة أو المتخاذلة ، ومنها من شارك بقوات خاصة أو طائرات أو تدريب أو تنسيق أو تجنيد أو أي شكل من اشكال الدعم  للمجموعات الإرهابية المسلحة المسماة بأسماء كثيرة جداً تحت عباءة المعارضة السورية ، وهو ما أوصل سورية إلى الحال الذي هي عليه الأن .

بدأ الرد السوري على تلك الاعتداءات منذ بداية الحراك الذي أعلن بداية الاستهداف والأزمة ، حين اثبتت الدولة السورية أنها على دراية كاملة بما يخطط لها وللمنطقة ، وعلى معرفة بالأسباب والدوافع خلف هذا الحراك ، والدول والجهات التي تموله وتدعمه ، كما تعلم علم اليقين أن الاهداف والغايات بعيدة كل البعد عن كل ما تم رفعه من شعارات ومطالب في بداية الحراك ، هذا الفهم والمعرفة كان أول الردود التي وصلت لجوقة المستهدفين وحلفائهم .

تتالت بعد ذلك الردود حين صمدت الدولة بمؤسساتها كافةً وأهمها الجيش السوري في وجه كل محاولات إسقاطها والدفع باتجاه انهيارها كما جرى في ليبيا والعراق ، بل على العكس تماسكت تلك المؤسسات واستطاعت تحت الضغط الهائل للحرب المفتوحة من أن تستمر وتُطوع نفسها بما مكنها من التغلب على الأزمة والمحافظة على قوامها والتحرك مؤخراً نحو الخروج من الأزمة ، أما الجيش العربي السوري فلقد شكل أنموذجاً للصمود والتماسك يشهد له بذلك أعداؤه قبل اصدقائه ، رغم ما يخرج ضده من اتهامات وتشويه لدوره وصموده من صغار النفوس والمرتزقة الذين باعوا وطنهم وجيشهم وكرامتهم  .

أهم الردود التي تحسب لسوريا أنها لم تتخلى عن قضاياها وثوابتها وحلفائها رغم الإغراءات القديمة ، والحرب الجديدة ، بل ازداد التمسك وتوسع التحالف بعد أن انضم له أعضاء جدد رفعوا من سوية النِديَّة بين الحلفين المتصارعين .

أنَّ سوريا وحلفائها لم يقبلوا ولن يقبلوا الهزيمة فهذا هو الرد الأكبر ، فالخاسر في هذه الحرب لن يكون على خريطة المستقبل ، بل سيذوب ويتماهى مع معسكر التبعية والخضوع للمشروع الاميركي والصهيوني في المنطقة ، لذلك يشكل الصمود والانتقال من حالة الدفاع والتحصن إلى حالة الهجوم والاستراتيجيا هو أهم الردود التي اختارتها سوريا ، وهو الذي ستقوم سوريا لاحقاً بترجمته إلى ردود وواقع على الأرض ضد كل من سولت له نفسه الاعتداء على سيادتها وأرضها ، واستغلال حالة التردي التي تمر بها نتيجة ثوران ضباع الأرض ومشغليهم وداعميهم ، ليحقق خلال هذه الحالة مكاسب أو غايات لم ولن تقبل بها سوريا في الماضي أو في المستقبل ، وكل الدول والأطراف التي تحاول ان تستثمر حالة انشغال الدولة السورية في محاربة الإرهاب الموصوف والمرسل والمكلف بمهام محددة في سوريا ، ستدفع مستقبلاً ثمن هذا الاستغلال بعد ان تنتهي سورية من تضميد جراحاتها العميقة ، وتطهير جسدها من رجس الإرهاب والارتزاق ، وهو ما بدأته منذ أكثر من عام ، وكلنا يعلم أن ذلك يحتاج للوقت والصبر والجهد والتضحية ، إلا أن دمشق لم تغير من خيارها الاستراتيجي الذي بدأته وكلها ثقة انها ستصل بفضله في وقت ليس ببعيد إلى تحقيق نصرها على الموت والتقسيم والإرهاب وكل من يشغلهم ويدعمهم ، أويحاول أن يستثمرهم لمصالحه ومشاريعه .

لم ولن تتوقف ردود دمشق على الاعتداءات ،  وسـيُـثمر صبرُها الاستراتيجي ، وتتحقق خطة الطريق التي وضعتها الدولة السورية وحلفاؤها بالتعاضد والثقة بالجيش العربي السوري ومؤسسات الدولة ، والإيمان أن سورية أكبر وأعرق وأقوى واكثر حضارة من كل من يستهدفها ، وأنها كما استمرت أكثر من خمسة ألاف عام ونفضت عن أسوارها وأحجار قلعتها غبار غزاتها والطامعين بها ستبقى على عهدها بذلك .

التركي توج جريمته بحق سورية وشعبها بالتدخل عسكرياً في الشمال السوري ، ويعتقد آنياً أنه حقق انتصاراً ما ، إلا أن التاريخ القريب والبعيد لدمشق سيمارس حتميته بطرد وهزيمة كل معتدٍ وظالم ولو بعد حين .

طارق عجيب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى