بوليتيكو : بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.. ما الخطوة التالية للمملكة المتحدة وأوروبا؟
لقد ذكّرتني المشاهد المروعة لأفغان يتشبثون بعجلات طائرة تابعة لسلاح الجو الأمريكي وهي تغادر كابول، بصور البوسنيين وهم يتشبثون بجانبي شاحنات الأمم المتحدة، محاولين الهرب من قرية “بوتوكاري” قبل وقوع مجزرة “سربرنيتشا”. كانوا يعلمون المصير الذي ينتظرهم على أيدي القوات الصربية، غير عابئين بالوعود المقدمة لقوات حفظ السلام الأممية – تمامًا كما يتجاهل الأفغان اليوم الكلمات البراقة التي يطلقها المتحدثون باسم طالبان، ينتابهم الخوف على مستقبلهم.
إن الكارثة التي تتكشف فصولها في أفغانستان اليوم ينبغي أن تقابلها عملية تأمل حيال أسس سياستنا الخارجية وقدرتنا على التصرف.
في المملكة المتحدة، هذا يعني إعادة دراسة شعارنا “بريطانيا العالمية” ووضع نفوذنا في واشنطن وبروكسل. بالنسبة لحلفائنا الأوروبيين، يجب أن يتمحور السؤال حول ما إذا كان بمقدورهم – أو مقدورنا – القتال دون الولايات المتحدة، وما إذا كان الناتو قادرًا على تنفيذ تفويضه دون قيادة الولايات المتحدة. إن الإجابات الصادقة على هذه التساؤلات ليست مطمئنة.
كشفت أفغانستان عن العيوب البنيوية في موقع المملكة المتحدة الاستراتيجي. بعد خمسة أشهر فقط بعد نشرها، أصبحت “المراجعة المتكاملة للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية” منتهية الصلاحية بالفعل. ذكر التقرير أننا “سنواصل دعم الاستقرار في أفغانستان، ضمن تحالف أكبر”، وأن تقديم “الدعم لحكومة أفغانستان” سيكون جزءًا مهمًا من استراتيجيتنا لمكافحة الإرهاب. لكن حكومة أفغانستان انهارت، وانهار معها التحالف الأكبر.
إن هذا الإخفاق هو أيضًا نكسة كبيرة لسياستنا الخارجية، ينظر إليها الجهاديون والمستبدون حول العالم بسعادة غامرة. سينظر شركاؤنا إلى هذا التراجع الوضيع من كابول، وسيتشككون في قوة وعزيمة الغرب. ستبتسم الصين وروسيا، كما سينزعج حلفاؤنا في “ريغا” و”كييف” و”وارسو” عن حق حيال ما حدث.
يبدو أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لديهما نفوذ قليل في واشنطن- كما يبدوان عاجزَين دون مساعدتها. لقد كان الانسحاب المتسرع قرارًا أمريكيًّا، جرى اتخاذه بعد مفاوضات مع طالبان، استُبعد منها شركاء أمريكا في أفغانستان، مثل المملكة المتحدة ودول حلف الناتو والحكومة الأفغانية ذاتها.
لم تدعم حكومة المملكة المتحدة الانسحاب، لكنها كانت عاجزة عن تغيير رأي الرئيس الأمريكي جو بايدن، كما عجزت عن إقناع دول الناتو الأخرى بمواصلة البقاء هناك دون الولايات المتحدة. يبدو أن المملكة المتحدة أضحت عالقة وسط المحيط الأطلنطي، ساعية بشكل يائس للحصول على حلفاء في واشنطن وباريس وبروكسل وبرلين.
صرّح الأمين العام لحلف الناتو “جينز ستولتنبيرغ” ، أنه لم يكن “خيارًا عمليًّا وواقعيًّا لحلفاء الناتو والحلفاء الأوروبيين الاستمرار في أفغانستان دون الولايات المتحدة”. وأشار إلى حقيقة أن الغزو الأوّلي عام 2001 كان نتيجة هجوم على الولايات المتحدة، مُستخدمًا هذا كمبرر للانسحاب. تشير كلماته إلى عيب خطير موجود في قلب حلف الناتو: كانت الولايات المتحدة دومًا العضو الأبرز فيه، وستظل دائمًا كذلك. لكن اعتماد منظمة أمن جماعي بالكامل على جيش دولة واحدة، هو مثل بناء قلعة فوق دعامات خشبية
لقد وجّه رؤساء أمريكيون متعاقبون – على نحو منصف – انتقادات لشركاء حلف الناتو بسبب عدم تحمل مسؤولياتهم في الحلف، لا يمكن تجاهل هذا بعد الآن، لكننا سنحتاج أيضًا لمواصلة الانخراط مع واشنطن وتشجيعها على عدم تنفيذ مزيد من الانسحابات.
لو تصرفت الولايات المتحدة دون استشارة حلفائها، وأجرت سياسة خارجية بناء على شروطها هي فقط دون الاهتمام بمصالح الآخرين، فإن الأزمة لن يتم حلها. بدأ الرئيس بايدن فترة حكمه عبر الإعلان بفخر أن “أمريكا عادت” واليوم، تبدو هذه الكلمات فارغة، ويقع العبء على إدارته لإثبات عكس هذا.
يجب على المملكة المتحدة إدراك أنه إذا كنا جادين بشأن الدفاع عن مصالحنا وقيمنا وحلفائنا، يجب علينا تطوير قدراتنا الوطنية لنتمكن من التحرك للدفاع عن مصالحنا، حتى مع غياب الولايات المتحدة. لقد تدهورت علاقاتنا مع حلفائنا في أوروبا بشكل كبير في السنوات الخمس الماضية. يجب علينا انتهاز الفرصة لبدء إصلاحها وتحسين تعاوننا في مجال الدفاع والسياسة الخارجية مع الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي عبر حلف الناتو. ضمن هذه الجهود، يجب علينا تشجيعهم على بناء قوتهم وتحسين مساهماتهم في حلف الناتو، وذلك في ظل استمرار الاتحاد الأوروبي في عدم استغلال قوته الاقتصادية للعب دور في الشؤون الخارجية. إن إضعاف حلف الناتو سيكون كارثة على مصالحنا الجماعية طويلة المدى.
المصدر: مواقع إخبارية