أرباب “الأفرولات” الزرقاء ! .. هني الحمدان

من طبيعة الأمور وفي أوقات الأزمات والحروب تتغير المعادلات وربما تنقلب العادات وتتبدل نفوس الناس، ليس الناس العاديين بل أيضا البعض من المسؤولين وأصحاب القرار .. لكن من غير الطبيعي وبات محل تساؤل بحق، أن يتحول البعض لأناس آخرين .. وجوه مصفحة ومشاعر قاسية، لا تستحي ولا تتأثر بآراء وانتقادات الغالبية، رغم أحقيتها بتوصيف مشاكلها، صفة قد تنطلق على بعض المعنيين وأصحاب الأموال والمنتفعين المتلاعبين باحتياجات العباد ..!
والمدهش أكثر أن هناك البعض من المسؤولين لا يزال يرغب بسماع عبارات التبجيل والتهليل، بينما يغلق آذانه عما يدور من أزمات هو المعني بالتدخل وإيجاد مايلزم من مخارج لها ..! ومنهم من يتقن فن المراوغة وتقديم المسوغات، وعلى أرض الواقع لا شيء يذكر..
بين الوعود والتنفيذ بون شاسع، الأولى سهلة لكن الثانية تحتاج وتحتاج، وتأتي النتيجة المرة لتحرق ذاك المواطن الغلبان ..
لن ندخل في دوامة كثرة وعود إداراتنا وخاصة الاقتصادية الخدمية منها، وما تم تنفيذه أو تأجيله وربما تسويفه، لكن نفضّل الإشارة إلى أن حجم المعاناة بات ثقيلاً ومربكاً على الجهات الواعدة وأصحاب الاحتياجات، وما أكثرهم …!.
هل سألت حكومتنا كيف يعيش دافع الضرائب – داعم خزينتها – هذه الأيام مع الموجات المتتالية من الغلاء والتضخم وفقدان بعض الأساسيات الضرورية للحياة ..؟، أم فضَّلت الهروب الى الأمام وترحيل الأزمات يوماً بعد آخر …؟.
هل تعرف مدى احتياج الأسرة السورية متوسطة العدد يومياً من المال ..؟، وكيف تؤمن كل احتياجات أطفالها وسبل معيشتهم ..؟، وماذا فعلت للتخفيف من شدة وهول المعاناة البادية على وجوه الخلق ..؟، هل يكفي دخل أسرة ثمنا للخبز والمياه ..؟، ومن أين سيتم تأمين ثمن الفلافل الذي بات هو الأخر مُكلفاً ..؟.
تدَّعي الحكومة في أكثر من مناسبة أنها إلى جانب الفقراء، وهمها الأول والأخير معيشة المواطن، ولكن الحقيقة أن حالنا مع الحكومة أصبح يطابق المثل القائل: “اسمع كلامك اصدقك أشوف أفعالك أتعجب”…!.
من كثرة الوعود التخديرية وبعد أن استبشر الناس خيراً نتيجة التصريحات “التفاؤلية” التي كثرت لدرجة “لم ينفذ منها أي وعد”، وبعد كل الجفاء وبعض القرارات الصادمة، أصيب المواطن بالصدمة نتيجة الواقع، فلم تفِ الجهات الرسمية بعد بأي مما وعدت به، فلا تحسن في المستوى المعيشي، بل على العكس تماماً، هناك تردٍّ كبير جداً في المستوى المعيشي للمواطنين نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة إلى مستوى يفوق إمكانية 90% من السوريين ..
اليوم، وحسب الدراسات والحسابات، تحتاج أسرة متوسطة الدخل إلى ما لا يقل عن مليون ليرة شهرياً لتعيش ضمن وضع مقبول، وهذا هو متوسط أعداد أفراد الأسر السورية، والحقيقة أن متوسط الدخل للأسرة السورية اليوم لا يتجاوز 150 ألف ليرة سورية .. هذا يعني أن الأسرة تعيش بأقل من ربع حاجتها..!!، والسبب سوء إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية من الإدارات المعنية بمعالجة هذه الملفات المهمة.
اليوم بات المواطن السوري يبحث عن الحد الأدنى للبقاء، لم تعد متطلبات العيش متوافرة، نسي الكهرباء وارتفاع الأسعار، وأصبح يريد الحصول على لقمة غذاء تساعده على الحياة .. لقد حول السماسرة والمتلاعبين حياة شريحة واسعة من العباد إلى واقع صعب، هؤلاء هم تجار الأزمة الذين استثمروا الأزمة العاصفة التي تضرب بلدنا أحسن استثمار وكأنهم متعاونون مع بعض القنوات العامة التي توفر لهم أسباب النجاح في تجارتهم وسمسراتهم على رقاب الناس، هؤلاء التجار يستثمرون في مأساة المواطن ويكدسون الملايين ويذهبون بها إلى خارج البلاد، لأنهم يدركون أن واردات تجارتهم الحرام يجب أن تعود بالنفع إلى خارج الحدود، لا نفاجأ بأحدهم كان قبل سنوات قليلة لا يملك شيئاً، بل لا يكاد يؤمن مستلزمات معيشته، صار بقدرة قادر من أهم أصحاب رؤوس الأموال وينظر إليه على أن مستثمر صاحب منزلة..!.
هذا الحال يدفعنا إلى سؤال كبير: متى تحين ساعة الحساب ..؟!، لم يعد المواطن قادراً على التحمل أكثر .. إياكم وازدياد أعداد الفقراء والمحتاجين …!
الواقع صعب .. والوقت لايرحم .. وبات يضم “جراد الفقر” واجهات البيوت ونضارة الوجوه، وانتم غارقون بالوعود والرود، وتلميع صفحاتكم وتمريق صفقاتكم ..
يامن هرَّبتم وسرقتم وسحبتم من أفواه الأطفال كل الليرات والبسمات، أعيدوها إلى أصحابها .. ولنكن يداً واحدة، ولا تنسوا أننا جميعاً من أرباب “الأفرولات” الزرقاء ..!.
إقرأ أيضاً .. ماذا ينقصنا .. نحن السوريين ..؟ ..
إقرأ أيضاً .. بعيداً عن خطاب “الوجهين” ..
*إعلامي – رئيس تحرير صحيفة تشرين السورية سابقاً
المقال يعبر عن رأي الكاتب
صفحاتنا على فيس بوك – قناة التيليغرام – تويتر twitter