رأي

وسام داؤد – واشنطن .. البرامج السرية والاستراتيجيات الجديدة ..

|| Midline-news || – الوسط  – خاص ..

بعد خمس سنوات ، وبعد جدال بالجدوى أو عدم الجدوى ، وبعد تأكد إدارته والإدارة السابقة بأن ما تقدمه من دعم يذهب لنصرة النصرة و داعش – بقصد أو غير قصد – وبعد ما اندثر في رمال الأزمة السورية ما سمي بـ ” الجيش الحر ” واجهة دعم اعتدال الإرهاب في سورية , والذي استبدل بدعم ميلشيات سورية الديمقراطية في العلن ، وبعد دخول السعودية في مآزقها المالية بفعل انخفاض أسعار النفط والغرق أكثر في المستنقع اليمني والتأزم الحاصل مع قطر ، و بعد انقلاب الموقف التركي عقب الانقلاب الفاشل والارتماء في حضن بوتين المفتوح الدافئ والوفي بحكم التجربة السورية ، وبعد تحرير الجيش العراقي للموصل وتلاقي الجيشين السوري والعراقي على الحدود , وبعد فشل جميع الجهود الأمريكية في إيقاف زحف الجيش السوري شرقا وشمالا باتجاه البادية وحقول النفط والغاز والوصول إلى الرقة .. وبعد وبعد .. قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وضع حد لبرنامج وكالة المخابرات الأمريكية السري لتسليح المعارضة السورية وإيقافه .

ولأن هذا القرار على قدر كبير من الأهمية والتحوّل الاستراتيجي في التعاطي الأمريكي وبالتالي الإقليمي مع الأزمة السورية , فإن توقيت إعلانه هو في حد ذاته قرار كونه يرتب الكثير من التطورات والتغييرات في أوراق اللعب الأمريكية على الساحة السورية وفي الإقليم وتحديدا في الخليج العربي , وأزمته المتدحرجة ككرة الثلج بين الدوحة والرياض , حليفتا واشنطن الأغنى في العالم بالنفط والغاز وبالتالي المال , ومن هنا يمكن البداية في القراءة السياسية المستقبلية لسلوك إدارة ترامب على الأقل لأشهر قادمة .

طبعا ليس خافيا على أحد الشراكة الأمريكية السعودية في مثل هذه البرامج السرية وتحديدا مع الــ CIA , فكانت السعودية تكتب الشيكات فقط للعمليات السرية الأمريكية , وهذا كان واضحا في أفغانستان في مواجهة الاتحاد السوفيتي وفي أنغولا كذلك وفي سورية وكوسفو والعراق ومناطق أخرى من العالم حتى أنها كانت متورطة في دعم عملية الـ CIA وتمويلها في نيغارغوا .

كل هذا يدفعنا للقول إن العمل بمثل هذه البرامج دائما يكون مرتبط بطريقه أو بأخرى بحليف واشنطن وهو السعودي وبالتالي يمكن اعتبار القرار الأمريكي اليوم بوقف البرنامج السري لتسليح المعارضة السورية مرتبط بالدرجة الأولى بما يجري في الخليج العربي وتفاعل الأزمة القطرية السعودية والتي انتقلت إلى الإعلام , وكشف العمليات السرية لكل منهما في دعم الإرهاب في المنطقة والتي قد تحرج واشنطن في ملفات كبيرة في المنطقة ومنها ملف الأزمة في سورية , فتدرك واشنطن أن حلفائها الثلاث – تركيا والسعودية وقطر – متورطة حتى النخاع في تمويل ودعم التنظيمات الإرهابية في سورية بالسلاح عبر صفقات كبيرة بمليارات الدولارات تم شراؤها من دول أوربا الشرقية والصين , والتي كانت واشنطن تراقبها عن كثب وبدقة وتديرها بما يخدم استراتيجيتها في إطالة أمد الصراع فيها .

وعندما اتخذ القرار من قبل إدارة أوباما بإطلاق هذا البرنامج علنا في العام 2013 ما كان إلا تبنٍ لواقع موجود وضبط هذا الواقع بشكل أفضل وأكثر صرامة , وبالتالي تجميع كل الأوراق في يدها بعد ما كانت مبعثرة بيد حلفائها المختلفين أصلا في الأجندات والخطط , وهذا ما بدا واضحا وتفجر بخلاف سعودي قطري في العام 2014 والذي احتوته واشنطن آنذاك وسلمت بموجبه قطر راية القيادة في دعم الإرهاب للسعودية , والتي تبعها تغيرات كبيرة في قيادة كلا البلدين , ولكن هذا الخلاف عاد ليطل من جديد وبشكل أكبر وأكثر عنفا .

الخطوة الأمريكية اليوم بوقف هذا البرنامج الهدام في سورية وبعيدا عن إيجابيته على الساحة السورية والحرب الدائرة فيها , والتي تفرض فيها دمشق مع موسكو وطهران وحزب الله بتعاون غير مباشر مع أنقرة شروطها فيها , يجب البحث عن ماذا ستربحه واشنطن من خلالها ؟ فهي لا تقدم شيئا بالمجان , وهنا إذا أردنا رؤية الخطوة الأمريكية من زاوية الأزمة الخليجية فإلى أي جهة ستحسم خياراتها , أهي باتجاه الرياض وأبو ظبي والقاهرة أم باتجاه الدوحة ؟.

فواشنطن التي تحلب البقرتين السعودية وحلفها من جهة والدوحة من جهة أخرى ترى أنه ما زال في ضرعيهما الكثير من المليارات التي يجب سحبها , وبالتالي تجريدهما من قوة المال الوحيدة التي يمتلكونها , وقد تكون هذه الخطوة الأمريكية محطة في تأجيج الصراع الخليجي بعد إفشال واشنطن للوساطة الكويتية لإسقاط هذه الأنظمة وتركها بعدما يكون أدان كل منهما الآخر بدعم الإرهاب وفقد ورقة القوة المالية لشراء المواقف والذمم وقرارات الدول .

طبعا ستكون هذه الأموال , وهي بترليونات الدولارات عادت لخزينة البيت الأبيض أو ذهبت لتمويل برامج سرية أخرى , وهذه المرة في دول الخليج ذاتها التي ستدفع الثمن باهظا إذا صحت هذه التوقعات .

*صحفي سوري
الآراء المذكورة في المقالات لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي أصحابها حصراً
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى