“موت القارئ” … أحمد علي هلال

حول استعارة أو مصطلح “موت القارئ”.. ستبدو ظواهر تغير عادات بعينها في الكتابة والقراءة والإبداع باستعارات جديدة، وستأخذ ثيمة الموت مجازاً ليس مرسلاً.. منذ أعلن النقد “موت المؤلف”، ثم “موت الناقد” وليس انتهاء بـ “موت القارئ”.
.
فهل يعني ذلك -بحسب السجالات- المثيرة التي وصلت في تداولها إلى الصفحات الزرقاء والعوالم الافتراضية، موت أنساق قديمة لتحل معها وبالضرورة أنساق جديدة، وبحسب النقدة ستبدو دلالة النسق في الأنموذج المستقر ليتفكك هذا الأنموذج ويسفر عن أنموذج جديد، فضلاً عن الخشية المضاعفة من موت القراءة، أي بمعنى الانغماس في الاستهلاك ثقافة وأداءً وسلوكاً، دون الاضطرار إلى نعي زمن الكتابة الورقي واستبداله بالكتاب الإلكتروني بذاكرته الهشة والسريعة، إن لم تتحول إلى أوراق يحفظ هذه الذاكرة.
.
الجديد في الأمر أن استعارة “موت القارئ” ستتبدى بمظهر وجوهر بآن، فالمظهر هو التغيرات التي طرأت على بنية الثقافة وبالمعنى العمومي والانزياحات الناجزة في خطاباتها، والأدل في هذا السياق الأجناس الإبداعية المختلفة، وأما الجوهر فسيتبدى كذلك في أنماط القراء وتغير عاداتهم كما نوع استجاباتهم لمظاهر الثقافة وتجلياتها، لا سيما على مستوى الأجناس والأنواع الأدبية، فكيف لنا إذن أن نرصد -الآن- استجابة هذا القارئ، من القارئ العمومي إلى القارئ المثالي؟
إذاً.. وحفراً معرفياً في هذه الاستعارة المتعالية نقول: إن هذا التغير والمحكوم بالأفق الفكري والمزاج النفسي سيكون سمة ما نصطلح عليه بالقراءة المعاصرة، لطالما كان القارئ هو المستهدف في خطابات الإبداع كافة، فأن تغير عادتك في القراءة هذا يعني أن تملي على مؤسسة الكتابة تغييراً في النمط ليكون هذا القارئ في النص وليس خارجه، فهو ضيف المتن وليس ضيف الهوامش.
.
بمعنى آخر وإعلاءً من شأنه- كما تحيلنا الدراسات السيميولوجية وغيرها من مناهج واتجاهات وأجهزة تحليل، فضلاً عن الدور المرتقب للنقد الثقافي والذي خرج من معطف الدراسات الثقافية بالمعنى الأوسع، والذي رأى بأن العالم نص كبير (صور الناس التي تهيم على وجهها في الشوارع، كتابات الجدران، صور الشهداء، إعلانات المحال التجارية)، وغيرها الكثير.
إذاً.. فالقارئ فرد في مواجهة المؤسسة الأدبية، لكنه صاحب التأويل والاستجابة لما يطرأ عليها وما يستشرفه من خلالها، ليعود بحيوات جديدة ستعني بإيجاز حياة الناص والنص والقارئ.
.