إضاءاتالعناوين الرئيسية
مقبرة الفن … مراد داغوم

لم تكن تزعجني مقولة “محمد عبد الوهاب” أن الفن ولد في القاهرة ومات في دمشق، فقد كان عندي احتمالات متعددة، منها أنني شككت في صحة نسبها إليه، ومنها انطباعي عنه أنه شخص شديد الغيرة لأنه ببساطة مبدع كبير.
لكنها جرحتني في أعماق ذاتي عندما سمعتها من الفنان الكبير “حسام تحسين بك” شهرَ آب/أغسطس الماضي في مقابلته على إذاعة “شام إف إم”. استعمل الفنان “حسام” تلك العبارة ودعمها بشواهد حقيقية عن أعراض مميتة للإبداع في سوريا، كانت، وما زالت مستمرة حتى الساعة، ولا فكاك منها إلا بمعجزة، شأنها شأن الكثير من أحوال البلد.
برأيي المتواضع الخاص غير المُلزِم، أن “الإبداع” في فن “التلحين” تحديداً في سوريا في جيل الرواد ينحصر في أسماء ثلاثة: المرحوم “عبد الفتاح سكر”، والمرحوم “سمير حلمي”، والفنان “حسام تحسين بك” أطال الله عمره! أحترم التصنيفات الأخرى التي يعتمدها آخرون وأقول: لكم قناعاتكم وأسبابكم التي أعرفها.
بديهية: إن أول وأهم عنصر لانتشار العمل الإبداعي هو “إيصاله للناس”، ما يمكن أن نسميه “النشر أو الإنتاج”.
من هو المسؤول عن هذا “النشر” في سوريا؟ … من يوصل الأعمال الموسيقية للناس؟
اعتاد الفنانون هنا ترديد مقولة: “لا توجد في سوريا شركات إنتاج موسيقي”.
تلك المقولة صحيحة، ولكن إلى حد ما! لأنه تم تأسيس عدة شركات فنية تُعنى في بعض نشاطاتها بالإنتاح الموسيقي، إضافة لافتتاح فروع لشركات إنتاج عربية كبرى في سوريا بهيئة مكاتب فرعية غير منتجة بحد ذاتها ولكنها صلة وصل بين الفنان السوري والشركة الأم.
كلتا الجهتين فشلتا فيما كان متوقعاً منهما تحقيقه، فأصحاب شركات الإنتاج السورية هم سوريون، بمعنى أصحاب رأس مال ويرون استثماره فيما يقررونه هم، لكن هذه “الانتقائية” عندما تصدر عن صاحب رأس مال غير مختص تؤدي إلى الفشل. ينسحب ذلك على المكلفين بإدارة مكاتب الشركات غير السورية لأنها لا ترسل مدير مكتب مختصاً من طرفها بل تُعيّين مواطناً سوريا. وفي الحالتين لا سلطة ولا قرار للفنان السوري، بعكس ما كانت تبديه شركات الإنتاج الدرامي السورية، حيث كان رأس المال خاضعاً لقرارات الفنانين.
أما الجهات المنتجة الرسمية كالإعلام والثقافة فكان الوضع مختلفاً في بدايته، فقد وصل بعض المبدعين إلى مراكز القرار فيها وأنتجوا أعمالاً مهمة كانت غالباً لفنانين غير سوريين، كما أنتجوا بعض الخامات الوطنية باكتشافها ودعمها بغية إيصالها إلى الجماهير.
ثم توقفت!
لا تختلف في ذلك عن أي فضائية تتبنى برنامجاً لاكتشاف المواهب، تقدمها للجمهور، ثم تتركها لاحتمالين اثنين: فإما احتكار الإبداع وطيِّه تحت جناحها، وإما تركه لشركات إنتاح تنهش إبداعه.
مرت على جهات الإنتاج الرسمية مرحلة سيطرت فيها انتقائية حادة في مجال التلحين بالذات، يتبدى ذلك واضحاً جداً في اعتماد ملحنين محددين معدودين في الإذاعة السورية، لا يقبلون ألحان غيرهم إلا فيما ندر أو باستثناءات قليلة، ساهموا أنفسهم في حجب صفة (ملحن) عن امتحانات نقابة الفنانين لسنوات طويلة، أعطيت هذه الصفة لاثنين باستثناء عبر وساطات من الثلة ذاتها. تم إيقاف هذا “الفيتو” في عهد المرحوم “صباح عبيد” الذي سمح بوجود عنصر (ملحن) في امتحانات النقابة.
تحية تقدير للأستاذ “حسام تحسين بك”، ولا عزاء، إذ لا حلول، وآخر النفق لم يتضح بعد !
.
*(مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا)
.
رابط مقابلة الأستاذ حسام على شام إف إم:
تابعونا على صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews