محمد الماغوط.. فارس قصيدة النثر والكتابة الساخرة في الوطن العربي

ولد الشاعر والأديب السوري محمد أحمد عيسى الماغوط في مدينة سلمية بمحافظة حماة.. تلقى تعليمه في سلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، كانت سلمية ودمشق وبيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه، وعمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين كما عمل الماغوط رئيساً لتحرير مجلة الشرطة.
احترف الأدب السياسي الساخر وألّف العديد من المسرحيات والأفلام السنمائية والمسلسلات التلفزيونية الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح والسينما السياسيي، والدراما التلفزيونية السياسي الساخرة في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية التي يعتبر واحداً من روادها، وله دواوين عديدة.
حياته..
عام 1934 كانت ولادة الشاعر محمد الماغوط في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماة السورية، نشأ في عائلة شديدة الفقر وكان أبوه فلاحاً بسيطاً عمل أجيراً في أراضي الآخرين طوال حياته.
درس بادئ الأمر في الكتّاب ثم انتسب إلى المدرسة الزراعية في سلمية حيث أتم فيها دراسته الإعدادية، انتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في الثانوية الزراعية في ثانوية خرابو بالغوطة، لكنه لم يكمل دراسته في الثانوية وعاد إلى سلمية.
انتمى الماغوط بعد عودته لسلمية إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي دون أن يقرأ مبادئه، وكان في تلك الفترة حزبان كبيران متنافسان في المدينة هما الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث، وهو يذكر أن حزب البعث كان في حارة بعيدة في حين كان القومي بجانب بيته وفيه مدفأة أغرته بالدفء فدخل إليه وانضم إلى صفوفه، لم يدم انتماؤه الحزبي طويلاً وقد سحب عضويتها في الستينات بعد أن سجن ولوحق بسبب انتمائه.
في هذه الفترة عمل الماغوط فلاحاً وبدأت بوادر موهبته الشعرية بالتفتح فنشر قصيدة بعنوان «غادة يافا» في مجلة الآداب البيروتي، بعدها أدى الماغوط خدمته العسكرية في الجيش حيث كانت أوائل قصائده النثرية قصيدة «لاجئة بين الرمال» التي نشرت في مجلة الجندي، وكان ينشر فيها أدونيس وخالدة سعيد وسليمان عواد، ونشرت بتاريخ 1 أيار 1951، وبعد إنهاء خدمته العسكرية استقر الماغوط في السلمية.
كان اغتيال عدنان المالكي في 22 أبريل 1955 نقطة تحول في حياة الماغوط حيث اتهم الحزب السوري القومي الاجتماعي باغتياله في ذلك الوقت، ولوحق أعضاء الحزب، وتم اعتقال الكثيرين منهم، وكان الماغوط ضمنهم، وحبس الماغوط في سجن المزة، وخلف القضبان بدأت حياة الماغوط الأدبية الحقيقية، تعرف أثناء سجنه على الشاعر علي أحمد سعيد إسبر الملقب بأدونيس الذي كان في الزنزانة المجاورة.
خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر كان الماغوط مطلوباً في دمشق، فقرر الهرب إلى بيروت في أواخر الخمسينات، ودخول لبنان بطريقة غير شرعية سيراً على الأقدام، وهناك انضم الماغوط إلى جماعة مجلة شعر حيث تعرف على الشاعر يوسف الخال الذي احتضنه في مجلة شعر بعد أن قدمه أدونيس للمجموعة.. المجلة التي حرّكت الركود في “مستنقع” الشعر، وقلبت طاولة الشعر العربي بآرائها المختلفة نحو الشعر وبتغريدها خارج السرب، وأحدثت ما وصفه بعض النقاد بالنقلة الجريئة في فضاء الشعر العربي، وبعضهم الآخر وصفها أنها تخطو في حقل مليء بالألغام والمخاطر، من خلا نظرتها الحداثوية نحو الشعر.
في بيروت نشأت بين الماغوط والشاعر بدر شاكر السياب صداقة حميمة فكان السياب صديق التسكع على أرصفة بيروت، وفي بيروت أيضاً تعرف الماغوط في بيت أدونيس إلى الشاعرة سنية صالح (التي غدت في ما بعد زوجته)، وهي شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وكان التعارف سببه تنافس على جائزة جريدة النهار لأحسن قصيدة نثر.
عاد الماغوط إلى دمشق بعد أن غدا اسماً كبيراً، حيث صدرت مجموعته الشعرية الأولى حزن في ضوء القمر (عن دار مجلة شعر، 1959)، التي ألحقها عن الدار نفسها بعد عام واحد بمجموعته الثانية «غرفة بملايين الجدران» (1960)، وتوطدت العلاقة بين الماغوط وسنية صالح بعد قدومها إلى دمشق لإكمال دراستها الجامعية.
في عام 1961 أدخل الماغوط إلى السجن للمرة الثانية وأمضى ثلاثة أشهر، ووقفت سنية صالح وصديقه الحميم زكريا تامر إلى جانبه خلال فترة السجن، وفيما بعد، تزوج الماغوط من سنية صالح عقب خروجه من السجن، وأنجب منها ابنتيه شام وسلافة.
في السبعينات عمل الماغوط في دمشق رئيساً لتحرير مجلة «الشرطة» حيث نشر كثيراً من المقالات الناقدة في صفحة خاصة من المجلة تحت عنوان «الورقة الأخيرة»، وفي تلك الفترة بحث الماغوط عن وسائل أخرى للتعبير عن أشكال الكتابة تكون أوضح أو أكثر حدة، فكانت مسرحياته المتوالية «ضيعة تشرين» و«غربة»، وفيها أراد الماغوط مخاطبة العامة ببساطة دون تعقيد، وهو واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه جريدة تشرين السورية في نشأتها وصدورها وتطورها في منتصف السبعينيات، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 وما بعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة المستقبل الأسبوعية ذائعة الصيت آنذاك، وكان لمشاركاته دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية.
خلال الثمانينيات سافر الماغوط إلى دولة الإمارات وإلى إمارة الشارقة بالتحديد وعمل في جريدة الخليج وأسس مع يوسف عيدابي القسم الثقافي في الجريدة وعمل معه في القسم لاحقا الكاتب السوري نواف يونس.
كانت فترة الثمانينات صعبة وقاسية، بدأت بوفاة شقيقته ليلى إثر نفاس بعد الولادة عام 1984، ثم وفاة والده أحمد عيسى عام 1985 نتيجة توقف القلب، وكانت أصعب ضربة تلقاها، وفاة زوجته الشاعرة سنية صالح عام 1985 بعد صراع طويل مع السرطان وهو المرض نفسه الذي أودى بحياة والدتها وبالعمر نفسه، وكانت نفقة العلاج على حساب القصر الجمهوري في مشفى بضواحي باريس حيث أمضت عشرة أشهر للعلاج من المرض الذي أودى بحياتها، ثم كانت وفاة أمه ناهدة عام 1987 بنزيف حاد في المخ.
الأعمال المسرحية:
ضيعة تشرين – مسرحية (لم تطبع – مُثلت على المسرح 1973-1974)
شقائق النعمان – مسرحية
غربة – مسرحية (لم تُطبع – مُثلت على المسرح 1976)
كاسك يا وطن – مسرحية (لم تطبع – مُثلت على المسرح 1979)
خارج السرب – مسرحية (دار المدى للنشر والتوزيع – دمشق 1999، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد- ومثلتها فرقة كور الزهور في سلمية مسقط رأس الماغوط ومن إخراج الفنان صدر الدين ديب)
العصفور الأحدب – مسرحية 1960 (كُتبت ولم تمثل على المسرح)
المهرج – مسرحية (مُثلت على المسرح 1960، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى للنشر والتوزيع – دمشق)
أهم مؤلفاته الشعرية:
حزن في ضوء القمر – شعر (دار مجلة شعر – بيروت 1959)
غرفة بملايين الجدران – شعر (دار مجلة شعر – بيروت 1960)
الفرح ليس مهنتي – شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب – دمشق 1970
مسلسلات تلفزيونية:
حكايا الليل – مسلسل تلفزيوني (من إنتاج التلفزيون السوري)
وين الغلط – مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري)
وادي المسك – مسلسل تلفزيوني
السينما:
الحدود – فيلم سينمائي (1984 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
التقرير – فيلم سينمائي (1987 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
أعمال أخرى:
الأرجوحة – رواية 1974 (نشرت عام 1974 – 1991 عن دار رياض الريس للنشر وأعادت دار المدى للنشر والتوزيع طباعتها عام 2007)
سأخون وطني – مجموعة مقالات (1987- أعادت طباعتها دار المدى للنشر والتوزيع بدمشق 2001)
سياف الزهور – نصوص (دار المدى للنشر والتوزيع بدمشق 2001)….
شرق عدن غرب الله (دار المدى للنشر والتوزيع بدمشق 2005)
البدوي الأحمر (دار المدى للنشر والتوزيع بدمشق 2006)
اغتصاب كان وأخواتها ( كتاب محقق.. سلسلة لقاءات أجراها معه الروائي السوري خليل صويلح)
من أقوال الماغوط:
“عمرها ما كانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا مع اللي يعتبرون نفسهم بعد الله” من مسرحية شقائق النعمان.
“الديكتاتوريات، كالأرقام القياسية، لا بد أن يأتي يوم وتتحطم”.
“بدأت وحيداً، وانتهيت وحيداً كتبت كإنسان جريح وليس كصاحب تيار أو مدرسة”
“حبكِ كالإهانة.. لا ينسى”
الجوائز التي نالها الماغوط خلال حياته:
جائزة «احتضار» عام 1958.
جائزة جريدة النهار اللبنانية لقصيدة النثر عن ديوانه الأول «حزن في ضوء القمر» عام 1961.
جائزة سعيد عقل.
صدور مرسوم بمنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة للشاعر محمد الماغوط من الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية.
جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية للشعر عام 2005.
وفاته:
في ظهيرة يوم الإثنين 3 نيسان 2006 رحل محمد الماغوط عن عمر يناهز 73 عاماً بعد تعرضه لجلطة دماغية في منزله بمدينة دمشق، وسبق ذلك صراع طويل مع المرض.
ويعدّ محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي، كتب الخاطرة، والقصيدة النثرية، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، وامتاز أسلوبه بالبساطة والبراغماتية وبميله إلى الحزن والسخرية المُرّة التي وصفها النقاد بالكوميديا السوداء.