ليلى الأسطة: من لا يتجدد يتبدد .. ومن لا يؤمن بالأفكار يفشل في التعبير عنها
روح الفنان هي التي تمنح العمل الفني قيمة إبداعية وفكرية

من لا يتجدد يتبدد … تلك حقيقة وثابتة من ثوابت الفنانة التشكيلية ليلى الأسطة ، التي ساهمت نشأتها في عائلة أكاديمية مثقفة، ومحبة للفن ومشجعة للمواهب، وداعمة لخيارات الأبناء، في أن تبدأ طريقها في عالم التشكيل، وصولاً إلى تدريس هذا الفن، بعد حملها شهادة جامعية من كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق.
موهبتها المتميزة، المصقولة بالعلم والتجريب واختبار عدة مدارس فنية، وإيمانها بأن من لا يتجدد يتبدد ، دفعها إلى مزيد من الاطلاع والسفر وزيارة متاحف الفنون وأيضاً المشاركة في معارض خارج بلدها سوريا.
مشهود للفنانة ليلى الأسطة، بالنشاط الفني والحضور الفعّال في ساحة الفن التشكيلي.. وقبل ذلك مشهود لها بأنها فنانة أكدّت تفردها في نصوصها اللونية على مدار سنوات، شكّلت فيها تجربة إبداعية جميلة ومستقلة.

“حالة فريدة”
عن نواة موهبتك الفنية وعلاقتك مع التشكيل، والتأثر بالتشكيليين الكبار.. ماذا تخبريننا بداية؟
- تُخلق الموهبة مع الإنسان، وكل إنسان منا لديه موهبة ما، في مجال ما في هذه الحياة.. موهبتي الفنية خُلقت معي وصُقلت من خلال دراستي الأكاديمية. وتأثرت بعدة تجارب وخبرات امتلكتها القامات الفنية التشكيلية السورية والعالمية، الذين تابعت تجاربهم وأعمالهم، أو الذين كانوا أساتذتي في هذه الدرب الجميلة. حيث أعتبر كل فنان حالة فريدة، لديه إبداع يميّزه عن أي فنان آخر. لذا التأثر والتأمل بخبرات الآخرين أعتبره كنز لأنه خُلاصة تجارب مرّوا بها، خاصة أن العلم والفن ليس لهما حدود.
انتماء ليلى الأسطة إلى عائلة علمية أكاديمية ومثقفة، هل شكّل داعماً لك في مراحل مسيرتك؟
- من المؤكد أن نشوئي وترعرعي في عائلة أكاديمية كان الداعم الأكبر لي، كونها متفهّمة لشغفي وحبي للفن. واستمر هذا الدعم لدى اختياري الدراسة في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. لهذا نجد أن طموح الإنسان إن كان ذاتياً وشخصياً، وتخلقه الإرادة، سيحظى بالمساندة والتشجيع.
.

“مدارس فنية”
المتابع لتجربتك التشكيلية، يجد أنكِ خضت ضمار عدة مدارس فنية، لكنك تميلين إلى المدرسة الانطباعية وكذلك التعبيرية، هل ترين أن هاتين المدرستين الأقدر على تمرير أفكارك؟
- يخوض الفنان دائماً تجارب في مدارس الفن التشكيلي عموماً حتى يرى نفسه -من خلال مدرسة معينة- الأقدر على ترجمة أفكاره وأحاسيسه بالريشة والألوان أو تكوين بصري جميل.
مع ملاحظة أنك خلال تقديم لوحاتك الواقعية.. نجد أنه يتخللها بعض الرمزية! لماذا تلجئين إلى الرمزية؟
- ملاحظة صحيحة.. لأن ليس كل ما يُعلم يقال (!) أستوحي من حياتنا اليومية بعض الرموز والدلالات، لإيصال فكرة معينة. فبتقديري جمال اللوحة لا يكمن فقط في ألوانها وتقنياتها وزخارفها، بل بما توصله للآخرين.
.

“التراث والحداثة”
المتأمل للوحاتك، يجد في لغتها مفردات من التراث أو البيئة التي تحيط بك، كأنك تقومين بتقديم رؤى حداثية وتقنيات معاصرة، لكن فيها من التراث والشجن ما يلامس إحساس المتلقي؟
- هذا أكيد، فأنا ابنة المجتمع السوري بحضاراته المتعاقبة، وتنوع ثقافاته.. أنتمي إلى تلك المنظومة الفسيفسائية الرائعة، لا يمكن أن ينفصل فني عن جذوري المتأصلة في هذه البلاد، وإلاّ أصبحت غريبة عن ذاتي. وأنا أفخر أنني أحيا تراث وحاضر بلدي، أستوحي منهما تفاصيل منجزي الفني. فالعناية بدلالات التراث لا تعني التوقف عنده، بل أيضاً الاهتمام بالمعاصرة والحداثة والجديد والتطوير، لأن من لا يتجدد يتبدد.
في عودة إلى الأفكار والنصوص اللونية، بودي معرفة إن كانت الريشة هي التي تسيّر أناملك، أم أنتِ صاحبة الفكرة، والعارفة لما ستنجزينه فوق مساحة الخام؟
- الفكرة أساسية.. ولكن أقوم بدراستها وتطويرها حتى أستطيع التعبير عنها عبر تشكيلات متعددة وتقنيات مختلفة. وأعبّر عنها بدراسات موضوعة مسبقاً، لكن لا أخفي أنه أحياناً تقودني ريشتي إلى تكوينات لم أكن مقررة لها؛ مسبقاً.
.

“إيجابيات وسلبيات”
ترتقي بعض أعمالك بالإنسان إلى فضاء الروحانيات، كأن الفنانة كانت في حالة أقرب للعبادة منها للرسم. هل ملاحظتي دقيقة؟
- نعم.. ملاحظة دقيقة جداً. الفن يرتقي بالإنسان لأنه يعبّر عن إيمانه.. الإيمان بالله، بالوطن، بالإنسانية، بالأفكار والمعتقدات. والفنان غير المؤمن بأفكاره، لا يستطيع التعبير عنها، وإيصال إحساسه وروحانياته على لوح من خشب أو قماش أو حجر حتى!
الكثير من الفنانين والرسامين صوّروا واقع الحياة، لكن قلّة منهم من صوّرت روح الحياة.. من ينحت الجبال أمهر من أي نحّات.. ولكن روح النحّات أو الفنان هي التي تمنح العمل الفني قيمة إبداعية وفكرية.
يرسم الفنان الشغوف في كافة الظروف والحالات (الحب والفرح والحرب والحزن واليأس) كونه مبدع يترجم، إنما ماذا عن دوافعك لإنجاز عمل فني في ظل الظروف التي عاشتها سوريا على كافة الأصعدة؟
- انتمائي لأسرتي هو الانتماء لمجتمعي وبلدي.. وقوة الشعور بالانتماء للعائلة، هي التي تدفع الإنسان إلى العطاء ولاسيما للمجتمع الأكبر؛ الوطن.
أنا ابنة هذا الوطن، أترجم أحاسيسه بأحاسيسي.. وأعبّر بريشتي وألواني عن آلامه وأحزانه وأفراحه. وتسليط الأضواء على إيجابيات وسلبيات المجتمع فيه، هو أسلوبي ودربي.. لذا فإن أهلي وإخوتي وأولادي وزملائي وأبناء بلدي، لهم جميعاً مني كل الولاء والاهتمام وتسخير فني لخدمة سوريا وإنسانها.
.

“أعلّم و أتعلّم”
درستِ في كلية الفنون الجميلة، وتعملين في المعهد التقاني للفنون التطبيقية، أي أنكِ على احتكاك بالفنون بشكل دائم، كم يثري ذلك موهبتك وتجربتك الفنية؟
- يفنى الإنسان ويبقى العلم والتعلّم.. كل يوم يمرّ على أي إنسان يفترض أن يتعلّم منه. فما بالك بمن يعمل في مجال التعليم؟ بل إنني أحياناً أتعلّم من طلابي، لا سيما أنهم جيل مبدع ونابض بالإبداع والعطاء والحياة. وكل ذلك لا شك يثري تجربتي الفنية، وكما أسلفتُ: من لا يتجدد يتبدد.
أقمتِ عدة معارض جماعية وفردية وتكريمية.. داخل وخارج القطر. وهذا يشكل تجربة اطلاع مضافة إلى تجربتك الفنية. كيف تقيمين مشاركاتك تلك؟
- حقيقة أفخر بتلك المشاركات لأنني أمثل بلدي. فأنا ابنة سوريا ابنة زنوبيا، وأباهي بانتمائي.. وُلدت وكبرت فيها وتعلّمت في جامعاتها ووصلت إلى ما أنا عليه اليوم.
طبعاً اكتساب وتبادل الخبرات والثقافات مهم جداً في هذه المشاركات ومحبّة العلم والتعلّم والشغف لكل ما هو جديد في مجال الفن لا ينضب مع الأيّام.
.

“أمنيات وتطلعات”
أيام قليلة تفصلنا عن العام الجديد.. ماذا عن أمنياتك وتطلعاتك في مجال الفن في سوريا؟
- سوريا.. لايمكن وصفها بالكلام. هي المحبة والأمل والانتماء والعشرة والعشيرة.. منها بدأتُ وفيها ترعرعت ولها الولاء.. فهي مهد الحضارات كانت ولا تزال وستبقى. لذا أتمنى لها الاستقرار والازدهار فبهما الخير كله. وأتطلع إلى أن تتضافر الجهود لإحياء الفنون التشكيلية في الحياة اليومية للمواطن، وذلك بتشجيع وتكليف الفنانين التشكيليين بالمساهمة في كافة الفعاليات الحياتية سواءً كانت اقتصادية أو ثقافية، بهدف ترسيخ حضارة الإنسان السوري.
.
*روعة يونس
.
-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews