إضاءات

عن الذي كتب فلسطين .. فصيّرها رمز الوطن للإنسان وقضية الحرية للعالم .. روعة يونس ..

|| Midline-news || – الوسط …

 

دون حتى أن يسرج الحصان، رحل .

لم يلمه أحد، لم يسأله : لمَ تركت الحصان وحيداً ؟

استعدَ لهذه اللحظة منذ زمن، كتب بنبضه سيرة وطنه، وضمّ شقائق النعمان وعود اللوز الأخضر ووريقات البيارة والزعتر الفلسطيني إلى الإكليل فوق تابوته استعداداً لموته، ومنح دواوينه فرصة وداعه الأخير. لكنه لم يلوّح لنا بمنديل قبل 10 أعوام! لأن هكذا يكون الشاعر الكبير، يتصالح مع الموت وينتظره دون وجل. لا (يزعم) أنه باق أبداً. لأنه (واثق) أنه سيبقى في ضمائر وذاكرة الكون إلى الأبد. سواء لدى التي غامت من الحزن على موته، ولا تنسى من أشعاره كلمة واحدة، ولا تذكر من خطب الساسة الفلسطينيين ولا بياناتهم كلمة واحدة! أو الذي مال على وجيعته بعد خسارة شاعره، لا يلمح في خاصرة فلسطين إلاّ وشوم قصائده، ولا يرى في جسد أبجديتها إلاّ حروفه. فهو لم يكتب فقط وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني. بل كتب فلسطين كلها :

يا أيها القابضون على طرف المستحيل
من البدء حتى الجليل
أعيدوا إلي يديّ
أعيدوا إلي الهويّه ..

المملؤة سماءه بالأدوار والمهام ككاتب وصحافي ورئيس رابطة الكتاب ورئيس تحرير ومدير مركز أبحاث ورئيس لجان وصاحب جوائز وتكريم ووزير، وغيرها من الإنجازات. رغم أهميتها ظلت نجوماً في سمائه. لكنه في الشعر كان القمر الذي أضاء مساحات كبيرة، مجدداً عوالمه مساهماً بتطويره ومُدخلاً الرمزية إليه ومُخرجاً المتذوق من تقليدية الصور الشعرية إلى صوره الجاسرة الآسرة.

مذ قال “سجّل أنا عربي” استخرج الجيل بطاقات شخصية، وصار للشعر سجّل نفوس، ولفلسطين عشاق يحبونها، وجدوها تتوسد حياته، ورأسها يتكأ على شِعره :

آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبة
وأنا لست مساف
إنني العاشق .. والأرض حبيبة ..

منحنا بذلك العاشق الكريم، من الإبداع : شعره الرقراق. ومن الفكر ، إنسانه العملاق. لم يختصر الثورة والحرية في فلسطين. بل أطلق أجنحتها لترفرف في فضاء الله، في ضمير الكون، رمز الوطن للإنسان، وقضية الحرية للعالم.

وأما دمشق من بين هذا العالم؛ التي “رأى لغته كلها على حبة قمحها مكتوبة” فقد نجا شاعر الوطن الحق والثورة الحقيقية برحيله؛ من أن يراها منكوبة. وإن بعض الممات نجاة، كما بعض الانتصار انكسار.

وأما أنت الذي تودّه .. عليك أن تحرس في الكتب وردّه، مثلما علمكَ أن تحرس ورد الشهداء وتحيا كما تشاء.

وأما أنا ، فإلى روح محمود درويش الذي كتب فلسطين، أكتب ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى