عبّرت لوحاتهم عن مشاعر أطفال الحرب.. معرض فنانات أورنينا بطرطوس في يوم “لـلا عنف”

|| Midline-news || – الوسط …
.
محمود هلهل
.
اعتمد تجمع “فنانات أورنينا” على أسلوب رسم إبداعي مبتكر في لوحاتهم الإبداعية، التي عرضنها مؤخراً في معرض بإشراف رئيس التجمع الفنان العالمي جورج شمعون والفنانة التشكيلية سماهر دلا. أقيم في “صالة طرطوس القديمة” لمناسبة اليوم العالمي لـ “لـ لاعنف” برعاية “جمعية العاديات” في طرطوس.
براعة التشكيليات
شارك في المعرض 24 فنانة من طرطوس يتقدمهن رئيس التجمع وعرضن لوحات تعبيرية بعضها قريب من رسوم الأطفال ليعبرن بروح الطفل المنكوب في هذه الحرب الوحشية على سورية. فاستخدمن براعة لون التربة والحجر دلالة على عمق الحضارة السورية، كتقنية فنية تعطي إحساس الحجر واحفوراته ونتوءاته لكن بملمس ناعم و بألوان زيتية مستمدة من شكل الحجر الرملي في طرطوس ومن الأوابد الأثرية الموجودة في سورية كتدمر وحلب والسويداء وغيرها من المدن، وجعل تلك التقنية في خدمة وخلق (التعبيرية السورية) والابتعاد عن الألوان الصارخة.
مدرسة تعبيرية مبتكرة
*“الوسط” كانت حاضرة وتجولت في المعرض، والتقت بداية بالفنان جورج شمعون، الذي بادر بقوله “الأعمال الفنية في معرضنا مشغولة وفق مذهب المدرسة التعبيرية بشكل عام أي مذهب فني يعبر عن المشاعر الإنسانية والحالات الذهنية التي تتملكه. هذه المشاعر والعواطف والهواجس تثير الفنان لينقلها للناس فإذا استطاع أن يوصل إحساسه يكون قد أدى رسالته. خاصة أننا نعيش حرباً ظالمة عمرها يزيد عن 8 أعوام وفيها كل أساليب البشاعة التي عشناها وأطفالنا، فأحببنا نقل معاناة الإنسان السوري لنريها للعالم”. وحول سؤالنا عن أسلوب التعبيرية السورية المتبع في المعرض قال “المدرسة التعبيرية تستند على الخط واللون واختزال الخط والابتعاد عن الشكل الأكاديمي بقصد اغناء الموضوع واعتماد الألوان الصارخة في العمل. وفي تجمعنا عملنا على تعبيرية خاصة بنا تعتمد على الخطوط المحفورة شكلاً ولم نعتمد الألوان الصارخة بل على لون الحجر. لأننا أبناء حضارة الحجر حيث نقلنا الأبجدية بالطين والحجر. بذلك خرجنا بتعبيرية سورية تختلف عن التعبيرية الألمانية والأوروبية وغيرها”.
رسالة الفنانات
*هدَفَ المعرض إلى إسقاط معاناة الطفل على اللوحات الفنية. هذا ما قالته الفنانة سماهر دلا، وأضافت لـ”لوسط” قائلة “بسبب الحرب ومفرزاتها وتأثيراتها السلبية على كل بيت، كان لزاماً علينا كفنانات نحمل رسالة أن نجسد آلام الأطفال في سنوات الحرب من خلال توثيق آلامهم على الحجر، عبر تقنية رسم معينة، كما لو أن كل طفل هو من عبّر عن معاناته بنقشها على حجر تخصه”. وعن مشاركتها في المعرض قالت دلا “اخترت رسم الظل لأنه رفيق الانسان بكل لحظاته فالجدار الخاص بي يحمل ظل الشخص ويحمل أثر الشخص نفسه برفضه للعنف والقهر والألم والحرب. ففي لوحتي الأولى جسدت حالة الرفض تلك وفي الثانية عبرت فيها عن حال الهجرة بأسلوب استلهمناه من آثار أجدادنا وحضاراتنا القديمة حين نقشوا هواجسهم في الكهوف قبل نحو 4000 سنة”.
*من جهتها قالت الدكتورة لبنى “أقيم المعرض لمناسبة يوم “لـ لاعنف” لذا حاولنا من خلاله مقاربة إحساس الطفل أثناء الحرب من خلال المعرض. فشاركت بلوحتين تعتمدان على رسوم الأطفال وحولتهما للوحات تشكيلية الأولى تمثل طفلة تبكي تحمل ألعابها وبجانبها فجوة في الحائط، وهي تعني الفراغ الذي سببته الحرب للحجر والبشر. أما اللوحة الثانية فتعبر عن طفل رسم تفجير باص المدرسة! ومن خلال الأطفال الموجودين في الباص عبر الطفل عن شعوره نحو أطفال تصرخ أو جرحى أو ميتة. وهناك مشهد مؤلم لأم تودع أطفالها وقدمها مصابة”.
استلهام مشاعر الطفل
*أما الفنانة ريم قرفول التي ترى أن المعرض عن زمن الحرب والحياة –تحديداً- المليئة بكل أنواع العنف الجسدي واللفظي، تقول عن مشاركتها “قدمت لوحة جسدت فيها طفلة في زمن الحرب فقدت أهلها وأصدقائها. وفي هذه اللحظة تحجر الزمن وتوقف! بينما الطفلة منكسرة ومنكمشة على نفسها تطلب الأمان والحماية. محاولة بذلك أن أستلهم مشاعر الطفل”.
*لوحة واحدة لا تكفي لنقل أحزان وأوجاع الطفولة. هذا ما تراه الفنانة ديمة إبراهيم، لذا شاركت بثلاث لوحات، تقول عنها “حاولت أن أعبر في أولى لوحاتي عن الأطفال المفقودين! وكيف انخطف مستقبلهم الجسدي والمعنوي. واللوحة الثانية عن طفلة مدللة وبجانبها فراشة (رمز الشهادة) موجودة ضمن قلب يرمز للوطن. حيث كان الطفل السوري قبل الأزمة “مدللاً وآمناً وسعيداً” لكنه أصبح مشرداً بعد فقده لذويه. واللوحة الثالثة لشاهدة قبر ترمز وعبّرت عن السلام الضائع بحمامة ميتة”.
*ثمة رموز في الفن العربي كالطفل حنظلة لدى ناجي العلي، استعانت به الفنانة إحسان إسماعيل، تقول عن مشاركتها “قدمت في لوحتي الأولى طفلاً يبيع الورد حين سقطت القذيفة وسقط معها. وفي اللوحة الثانية عكست صورة الطفل الغارق، وجسدت من خلاله شخصية حنظلة والمركب الورقي الذي كان يلعب به في ظل الأمان والشروق لأبث الأمل رغم المعاناة والألم”.
الأمل لا يموت
*تشير الفنانة ريما علي ديب، إلى مشاركتها في المعرض بقولها “تمثل لوحتي “المرأة الشجرة” مدى تشبث الأنثى بالأرض- الوطن. فالكثير من الشباب سافروا وهاجروا وبقين الأمهات. أما الثمار والأوراق فهما رمز الشهداء الذين فقدناهم. ومع ذلك يبقى الأمل الذي عبرت عنه بالبراعم الخضراء. أما لوحة “الطفل الهارب من الموت” فقد شعر بالخوف وتمسك بالجدار وترك أثر تشبثه عليه رغم ضعفه. لكن للأسف فإن الموت كان مصيره”.
*من جهتها شاركت الفنانة نور عبد القادر بلوحتين، أخبرتنا عنهما بقولها “تشير لوحتي الأولى إلى لحالات التي سببتها هذه الحرب الظالمة، والبالونات هي تعبير عن الأحلام الضائعة ولم أرسم وجه الفتاة حزيناً لأعبر عن الأمل الذي ظل لديها. أما اللوحة الثانية فرسمت ذات الطفلة وهي تلعب بفقاعات الصابون، لأعبر عن الصمود وأنه رغم ويلات الحرب سيظل الأمل موجوداً”.
حظي المعرض بإعجاب الحضور، خاصة أن لوحاته تنوعت في أغراضها وأفكارها الفنية ولم تقتصر على فكرة واحدة أو مكرورة رأيناها سابقاً. فابتكار الحالة التعبيرية لم يقتصر على تقنية اللوحات، بل تعداها إلى الأفكار الجديدة والمتنوعة والهادفة.