رأي

طاق .. طاق .. طاقية!؟

د. نهلة عيسى

 

يحدث الآن, لمن لا يعرفون, ومعظم بلاد العرب ممن لا يعرفون, أو حقيقة ما عادوا مهتمين, قمة عربية جديدة, يمكن تسميتها ببساطة, قمة الأسئلة المستعادة, ولذلك لم يحضرها من يفترض أنهم أوائل الدفعات, وغُيب عنها من يملك الإجابات, ولذلك فالنتيجة متوقعة: لن ينجح أحد!!،

ولكن لأنني أنتمي لمن غُيبوا, ليس بوسعي الصمت أمام هذا التشظي العربي, وليس بوسعي الاكتفاء بالفرجة, وأنا أتذكر أطفال سورية الهاربين من جحيم الغوطة على مرمى شهقة من دمشق, يبدون كالهاربين من جحيم حروب المغول بكل ما قيل عنها, من ذل, ومر, وكسر عين, ولا أن أنسى معارضة الزمن الأسود, لابسي الطراطير, الذين قضوا جل عمرهم السياسي يقتاتون على شتيمة الرجعية والامبريالية وحكامها, ويصفونهم بالعملاء, وراكبي الزمان عكس التاريخ, فما الذي غير فجأة التاريخ, وحلق وجه الحقيقة, ورش العطور والبخور على هؤلاء الرجعيين والامبرياليين, وباتوا بين ليلة وضحاها, “بابا نويل” حامل الهدايا وموزع العطايا, ومانح الألقاب, والمؤتمن على مستقبلنا, للجلوس على مائدة المفاوضات للتباحث مع جثثنا حول الديمقراطية وحرية التعبير!؟.

أيضاً, كيف أستطيع الصمت على دواعش الداخل, المستثمرين في وجعنا, وفي جروحنا وتقيحاتنا, الذين توجتهم الحرب ملوكاً على شؤوننا وقوتنا, وكللهم ليل الحاضر أباطرة, فحولونا إلى مجرد رساميل توضع قيد الاستثمار وفقاً لهبوط وصعود مؤشرات بورصة مصالحهم الشخصية, وليس وفقاً لما يجب أن تكون عليه حقيقة الأشياء, وأكرهونا جميعاً على الطاعة والولاء, فطغوا وبغوا وتناموا, وأصبحوا شواهد قبورنا, المُبخَرة بصمتنا, وعجزنا عن رد صاعهم صاعين, لأن صاعهم مترع, وصاعنا يندب فيه النمل حظه!.

أما, المتقمصون دور أمير المؤمنين, يفرضون علينا رؤيتهم عن الحق والباطل, وأحاديثهم تملأ الشاشات, والعقول, والمخادع بالعفن, عما يجب وما لا يجب, ومطلوب منا أن نصدقهم, رغم أن كل الدلائل (بعد الحدس والتجربة المريرة) تشير إلى أن داعش والنصرة والحر ومن لف لفهم, هم صنائعهم, وطوع بنان أفكارهم, وسلاحهم الذي اغتالونا به, وخانوا به نهاراتنا, وأجبروا الوطن على الزواج من الظلام, وأجبرونا على الجلوس فوق الرماد نراقب العمر يمضي إلى العدم, فالصمت على ما فعلوه جريمة!!

والجريمة الأكبر, الفاسدون, عديمو الكفاءة والموهبة, ومقاولو الولاء, البغاث الذين تحولوا إلى نسور, فكانوا ذريعة كل الخراب, وكانوا سبباً في أن تفترش سماءنا السحب السود, ليسقط فوقنا من ثقوب عوارهم, ليل حامل للكوابيس والسخرية المرة, ودليل طريق دامٍ للوصول إلى مدينة من, محمولاً على صوت الشاعر المصري “أمل دنقل” يقول: لم يِصح قاتلي بي: “انتبه , كان يمشي معي, ثم صافحني, ولكنه في الغصون اختبأ”.

ليس بوسعي الصمت على التشظي العربي, لأنه يذكرني بكل ما ضيعناه في الوطن الكبير وفي أوطاننا الصغيرة, ثم تساءلنا عنه؟ والحقيقة أن السؤال بحد ذاته يستفزني, أنا التي أرهقني التجوال في دروب الافتراض, والحزن من ترهلات النهار, والبكاء على الأسواق تتحدى خطواتي وسط الدمار, والمجد يقترن بالموت, والشعر عطلة رسمية, واللغة تابوت واسع نودع فيه من نحب, وقصص عناوينها سكاكين جديدة, والنهايات حزينة, و يقين طفلة (كنتها يوماً) يتهشم على مداخل مدينة “الأسئلة المستعادة” بأن الحلم تسكنه خراف وملائكة صغار!؟.

السؤال يستفزني, لأن الجنون أيقظني منذ ولدت على صوت سائق الحافلة وبائعي الملابس والخضار وتجار الأوطان, وهم يبررون كل القرف, بالوقود الأسود والحرب, كما أيقظني على خطواتي وهي تَقيس الحياة, بالمسافة بين الشارع والبيت, وتزهو بالنجاة, وتتساءل في عقل محض: هل الحياة حياة؟ وهل سنبقى إلى ما شاء الله نلعب لعبة الاستغماية, وطاق .. طاق .. طاقية, أم سيأتي يوم نعترف فيه بأننا جميعاً بحق هذا الوطن الكبير كنا خاطئين!؟.

 

إقرأ أيضاً .. إرث للبكوات!؟ ..

 

*أستاذة جامعية – سوريا
المقال يعبر عن رأي الكاتب 

 

صفحتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى