رأي

صبراً معلولا .. بشار جرار .. واشنطن-عمّان ..

صبراً معلولا ..

 

أربعون يوما من الحج والزيارة والإجازة والاستراحة والاستجمام مضت كلمح بصر على ضفتي نهر الأردن حيث الأراضي المقدسة تملأ الروح ارتواء وارتقاء وهناء وبهاء.

أربعون يوما طوّفت فيها بين راحتي أمي الدمشقية السورية الكردية، من عمّان إلى القدس مرورا بطبريا والناصرة ودالية الكرمل وحيفا ويافا وتل أبيب وبيت لحم وبيت ساحور والقدس وأريحا وبيت عنيا شرق الأردن حيث المغطس ومعمودية يوحنا المعمدان الشاهد الشهيد للسيد المسيح.

أربعون يوما وما أفلحت في إقناع صاحبة الأمر وسيدة القرار وأنا طفل في عقده السادس أمام مقامها العالي أن تأذن لي بزيارة مسقط رأسها بصحبتها ومازالت عروسا في عقدها الثامن. تخشى عليّ من نسمات الربيع، فما بالك مما خلفه ذلك الربيع الأسود من جروح وجراحات تتطلب أجيالا لتعافيها.

أربعون يوما، أربعون نهارا وليلة، وفي إحدى ليالي العمر العمّانية تجمعني الأقدار بزميل بعد أربعة عقود على مائدة عشاء. كانت اللهجة الطاغية شامية لسان منذر الحمارنة،كمخولي سوري حتى العظم، دمشقي حتى النخاع. لم أسأل أمه وخالته إن كانت طفولته في القصّاع أو بابا توما، لكن الأكيد أنه في جوار رأس الذبيح الشهيد، يوحنا المعمدان وقد حولوا مقامه وكنيسته في دمشق إلى مسجد أموي قبل قرون، ظنّ إردوغان قبل سنوات المتسول تطبيعاالآن، ظن واهما أنه سيدخله فاتحا وإماما!

شاغلتنا في العشاء ذكريات الماضي وحكايا الحاضر وأحلام المستقبل. شاركت مضيفي العمّاني حلمي زيارة دمشق، وأخذنا الحلم إلى حيث لغة المسيح مازالت محكية إلى يومنا هذا، هناك إلى معلولا التي اعتدى على ديرها غول الإرهاب، سمو أنفسهم “النصرة” وما نصروا يوما سوى شياطين الأرض.

في الحلق غصة “يامو”. كلمة مازلت فيها آراميتنا وسريانيتنا حاضرة في سوريانا الحبيبة. فهل تأتي الأخبار بما تشتهي سفننا ولو مرة. هل نسمع قريبا بمحادثات يجريها اللواء علي مملوك مع الشقيق الأقرب لتأمين عودة لا نقبل بأن تكون أقل من حميمة بين سورية وجارها الأقرب.. الأقرب هو الأردن وليس لبنان الآن. ففي الأردن دولة عميقة تعرفها الدولة العميقة في سورية، ما يجمعهما أكبر وأبقى بكثير مما يظنه البعض خلافات أو اختلافات. لا خلاف على حتمية عودة المياه إلى مجاريها النقية العذبة.

“أنت يا من أمرت البحر والرياح فسكنت تعال وامش على أمواج قلبي فيهدأ” كلمات ترنم بها فؤادي على شواطئ بحر الجليل طبريا ومضيفي الفحيصيّ الناصريّ رجائي سماوي يشير لي إلى أم قيس وإربد وهضبة الجولان وجبل الشيخ، هذا الوقور العارف بخواتم الأمور. صبرا معلولا فالخير آت آت..

 

*كاتب ومحلل سياسي – مدرب مع برنامج الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية ..
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..
عنوان الكاتب على basharjarrar : Twitter

 

 
صفحتنا على فيس بوك
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى