العناوين الرئيسيةحرف و لون

زَنْتيبي .. بوزينون الحكيم

اللوحة : Neoclassical painter

/1/

فرغتْ من تقريعِ دجاجاتِ السّوءِ المطعونةِ في نخوتِها ..
والدّيكُ النـّزقُ المنفوشُ تلقـّى حصّتهُ .. لمّا قاطعها منزعجاً بقضيبٍ يتلوّى كالأفعى ..
وتروّتْ في إطلاق شتائمَ تصلحُ للتـّأويل ..
ولم تذهبْ للنّومِ كعادتِها! .. انسدلتْ خلف الموقدِ تطوي وتعدّ الأرغفة َالسمراءَ النـّاضجة َكبشرتِها ..
زفرتْ ثمّ انحدرتْ حانية.. مرهقة فوق رغيفٍ غضٍّ .. يتلوّى مثل وليدٍ فوق الفخّارِ الورديّ اللاّهبْ ..

زَنْتيبي الحمقاءُ ـكما شاءتْ صدفتـُهاـ أن تقرنَها بالهرمِ الجدليّ الجوّالِ على قدمينِ مشقـّقتينِ تعشّقتا طرقاتِ أثينا .. وصخورَ الحجّ إلى الأولمبِ .. وأصدافَ الموركسِ على شاطئ بوسيدونْ ..

زَنْتيبي الشّتـّامةُ تبدو وادعة ًوودوداً ..
وتموءُ كهرّتها أمِّ الأطفالِ الخمسةِ .. بعد شقاءٍ يوميّ يتجدّدُ كلّ صباحٍ:همُّ الأولادِ وقطْعُ الحطبِ وطبْخُ الأعشابِ البرّيةِ…جَرْشُ العدسِ ودقُّ شعيرِ السّوقِ المرِّالمغشوشْ، رفـْعُ الماءِ من البئرِ المسكونِ بجنّيّاتٍ من عصرِالآلهةِ الأولى ..

:”قد عشتُ بمايكفي لشقاءِ ثلاثين امرأة”.. تمتمتِ الحمقاء الثرثارة واحترقَ وليدُ الخبزِ، ولبسَ سوادَ الشّؤمِ ..
وكان الموعودَ ـالشّاهدَ في محكمةِ الشّعبِ الدّيموقراطيـّةِ ..
كان سيشهدُ أغربَ مهزلةٍ في التاريخْ: جنرالاتُ الحربِ، الدّيموقراطيّونَ، الشّعراءُ، وكتـّابُ المسرحِ، وفلاسفة العصرِ، الهزليّون وحيتانُ الأسواقْ، صغارُالبيّاعين، العتـّالون، السّوقة ُوالسّرّاقُ ..

أثينا، كلّ أثينا ستعِدُّ العدّة في وجهِ الشّيخِ الملحدِ .. المفسدِ سكـَناتِ الرّوحِ الشّعبيّةِ بالميتافيزيقا ..

بشطارةِ شيطانٍ مقرون للأسئلة الكبرى حول الحقِّ وزيفِ الوهمِ المتبدّي في الأشياءِ وفي الأحكامِ اللاّقطعيّةِ .. في الإنسانِ وفي معنى الإنسان .. يدخلُ كالنـّومِ عقولَ النـّشءِ .. يخدّرهم،ويفاجئهمْ بالأسئلةِ الملعونةِ .. يطعنُ في حكمِ الآلهةِ وفي قدرِالفقراءِ الحمقى.. المؤتمنين على جهلِ منزوعِ الرّغبةِ في التـّعبيرِوفي التـّغييرِ .. الفقراءِ المنهمكين بكدّ العيشِ، المتـّكئين على الحرمان وجمعِ نذورِالآلهةِ المفتونةِ بالمرمرْ..

الشّيخُ الملحدُ يحلفُ بالكلبِ وبالسّخْلِ وبالأفعى .. ويهينُ كبير الآلهة زيوسْ .. بأمرِالشّعبِ الدّيموقراطيِّ وروحِ أثينا الأمّ سيفتحُ هاديسُ له الأبوابْ .. إله الموتِ المشتاقُ إليهِ انتظرَ طويلاً .. ياشيخٌ بـِعَصَاً ورغيفِ شعيرٍ مغشوش! لابأسَ عليكْ، فارقدْ في صمتٍ كي نتوخـّى الدّقـّة في ترحيلكَ بأمانْ .. أو تسقطَ عن عينيكَ المطبقتينِ أجورُالسّفرِالأبديّ .. أخشى مانخشى أن تتشرّد في المدنِ السّفلى.. وتقضَ مضاجعَ أمواتٍ هربوا بالموتِ من الأحياءِ، وناموا بسلامْ.

/2/

لستُ “دْيوتيما”ياسقراطُ لأمنحَكَ اللّقبَ الأسمى في الحكمةِ .. أو أعطيَك دروساً في الحبّ ..
حتى لو كنتُ لأشفقتُ عليكَ من البلهاءِ الممسوسين بجـِنّ الشّهرةِ والــّذهبِ الملعونْ ..
لست سوى زَنْتيبي الـ…كانتْ ترجِع من حلـْقتِكَ وقد خبّلها منطقـُكَ المعروكُ بفنّ النـّفيِ ونفيِ النـّفيِ وإثباتِ المنفيِّ، البادي مثل الشّمسِ الطـّالعة على العميانْ ..
وتعودُ إلى شطبٍ وإحالاتٍ أخرى، تستولدها من لاشيءٍ .. وتموتُ ببَرْي ِالشّمسِ السّاطعةِ بنصْل الشّكِ .. وتتركَنا نتأرجح بين لصوصٍ كلبييّنَ وديموقراطيين وفرسانٍ ديكتاتوريّينَ تخفـّوا في كعبِ أخيلْ.

/3/

سرّاً كانتْ تشهقُ وتراوغ ُدمعتـَها ..
والشّيخُ على مرمى همسِ الجمرِ المتوقـّد، منشغلٌ بفضاءٍ يستعرضُ سحرَ التبّانِ وقطعانَاً نائية ًترعى في اللـّيل اللاّمتناهي..
هل يبحث عن نجمٍ أم ينطرُ نيزكَه الموعودَ على جبل ِالأولمبْ! ..
دْيوتيما، عرّافة دلفي لم تخبرْهُ ..
وإن كانت قد غمزتْ قبل سنين: إن القدرَ يحلّ بروح النـّيزكِ .. إنْ حنّتْ روحُ العظماءِ إلى موطنِها البكرِ هناكْ .. في الكونِ اللاّمرئيّْ.

:”ستعودُ غداً أو بعدَ غدٍ .. لكن محمولاً في صندوقٍ خشبيٍّ زخرَفـَه السّوسُ كنحّاتْ ..
تذكرُ يا زوجي كم كنتَ رشيقاً ودقيقاً في صقلِ العتباتِ وأجسادِ المرمرْ! ..
ستعودُ ووجهُك مكشوفٌ يغرفُ من نورِالشّمسِ، ويغزلَ آخرَخيطٍ من نورالعالمْ ..
هاديسُ بخيلٌ في الفقراءِ .. ودمعي لايكفي لإنارة فجٍّ في الظلماتِ الأثقل من روحِ البركانْ ..
ستعود قتيلاً أومشطوراً شطرينْ: شطراً للتـّوبةِ والغفرانِ وشطراً للمنفى ..
ورعاعُ أثينا، البيّاعون، العتـّالون، الجوّالونَ، المحتالونَ الـْ…كنتَ تمازحُ وتحاورُ في أصل الأشياءِ وفي الأخلاقِ ورَدّ الدَّينْ ..
لن ينقصَ منهم شيئٌ، إلاّ قهقهة ُالزّعرانِ الأوباشِ وأنتَ تناظرُ في اللاّشيِء، وتركبُ خيلَ الوهمِ، وتقنصُ كالباشقِ بَلـَهَ السّوقةِ، إنْ سفهوا أو عمهوا عن فهمِ الأدنى والأعلى، أو غشّوا في بيعِ السّمكِ المضروبِ، وألقوا باللّوم على الصيادين اللّعناءْ..
تطعنُهم بالأسئلةِ الكبرى .. وتلوكُ بمتعةِ أبّولوْ لـُطفَ الأعرافِ، وتهزأ من بؤس الخبَلِ الشعبيِّ الطـّاعنِ في حُمقٍ أعشى  كالمومسِ إن يتصيّدْها عنّينُ المعبدِ صارتْ كدْيوتيماكَ بفنّ الحبّ وفنّ العيشِ الأسمى ..

يحكى أنّ الآلهة َوأوّلهم هاديسُ تحبّ نذورَ الجسدِ لتودعَها أشداق الظلمةِ دون حسابٍ، دون عقابٍ أو غفرانْ ..

/4/

ما أشقى شيخ في حضرةِ قردٍ يزعقُ بالحكمةِ باسم الشعبِ وبالقانونْ: الموتُ حكيمٌ ياسقراطُ! ويسعدُ بالحكماءِ، فهندِسْ إعدادَك للنـّوم الأبديّ.
سقراطْ، يا حبّة عيني! غسلوا أيديَهم من دمِكَ المهدورِ على مائدةِ الدّيموقراطيّةِ .. واتـّحدوا ضدّك في خمّارةِ بيعِ الكعكةِ بمزادٍ سرّيّ، الخطباءُ المفترشون بغاءَ الدّجلِ، شيوخُ الدّيمقراطيةِ، والجنرلاتُ، الملاّكونْ، الشّعراءُ الجبناءْ .. قتلوكَ بمن أشقيتَ بهم أبناءَك وأنا .. برعاعٍ لبثوا نصفَ نهارٍ سيفَ العدلِ ووجهَ أثينا ..
نفخوا فيهم روحَ الطغمةِ حتى ظنّوكَ الأخمينيّ الغازي “دارا” .. ساقوكَ كلصٍّ يسرقُ نفسَه إن عاكسه الحظُّ ..
بضربةِ مطرقةٍ صار السمّ عقابَ الطـّعنِ بقانونِ اسطبلٍ ديموقراطيّ .. يتسامحُ بالشّتمِ العلنيّ الأجوفِ، لكن يقتلُ من يتفلسفُ في تعريفِ الحيوانِ النـّاطقِ، أو يستغرق في الإنسان.

 

.

*شاعر سوري

 

صفحتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى