رياضة وفن … مراد داغوم

أفتخر أنني لا أتابع مباريات أي نوع من الكرة ليس كُرهاً بالرياضة، بل بعقليات المشجعين! حالُ المشجعينَ كحال أربعة يرتكبون جريمة “الطرنيب”، في لعبة قميئة أخرى لا يلعبها السوريون بدون هياج وصياح وحرب “الحميماتية”، ينفعلون، يغضبون، من أجل شيء فارغ تماماً لكنه كروي الشكل، يصيحون بلا وعي، يصل بهم الأمر أن يكرهوا بعضهم بعضاً ولو كان كُرهاً مؤقتاً لكنه كُرهٌ بأي حال.
في ما يتعلق باللاعبين، حرب التفضيلات الشخصية لا تقل عن حماسة “الحميماتي” لنوع الطائر وشكله، ولا عن الانفعال الأحمق عندما “يُطرنب” الشريك شريكه إما بالخطأ أو للضرورة. خمسة عشر رجلاً ماتوا من أجل الصندوق(*)، وأحد عشر رجلاً يفقدون عقولهم، احتمالات لامتناهية من اللهاث لهدف واحد يتكرر في كل مباراة: إدخال الكرة في المستطيل، خمس وأربعون دقيقة ×2 يترك فيها المٌشجِّع عقله في مستودع الأمانات، تتحرك عواطفه وانفعالاته بالتوازي مع حركة حذاء ميسي..
رياضة وفن
في مقارنة بسيطة بين جمهور ملعب الكرة، وبين جمهور قاعة الأوبرا … تجد الصمت دليل الاحترام، والتصفيق الرزين دليل رقي الانفعال. وفي مقارنة أخرى بين تأثير مبارة وبين تأثير حفل موسيقي في النفوس، سترجح كفة الحفل من حيث المتعة الروحية الهادفة للسمو الإنساني، وكفة المبارة من حيث الحماس غير الهادف واستهلاك الأعصاب. وحده الراقي “خالد الشيخ” غنّى للكمنجة، لا تحتاج الكمان للتشجيع، بل للتقدير. أما عندما يٌغني الفنان للكرة فهذا سلوك يشبه التلويح بقصبة بخرقة في نهايتها مع الصفير والقعقعة بالحنجرة لـ”تشجيع” طير الحمام مغرِّب يا دادا مجوز ولا فرداوي.
رياضة وفن
لم يحدث أن تسببت الموسيقا بحرب، لكن الكرة تسببت بحرب دولتين ماتت فيها الآلاف بالرغم من أنها لم تدم أكثر من أربعة أيام. يكفي الكرة شرف السبب المباشر في هذه الحال. أكرر، ليس كرهاً بالرياضة، بل أمنية أن يشجع السوريون الموسيقا التي ما زالت جُرماً في كثير من “البُقع” السورية المستعصية على مساحيق الغسيل ومزيلات الشحوم. وحيث لا تكون جرماً، ستعترضها المناطقية، وتغدو عنصر تفريق بينما هي من أكثر العناصر شيوعاً بين الجميع. فإن سلمت من المناطقية، ستحاصرها الوصايات على ما يُعرف بالطرب بدون أي معلومة عن توضيح مفهوم هذا المصطلح العجيب، وستقتلها حرب بين الأجيال، وصاية السلف الموسيقي على أذواق الجيل الأخير، السلف الذي يخشى على معاقل نسور الطرب من فراشات عابرة، فلا هو قَدَّر الفن الأصيل حقّ قدره بالديمومة المستقلة عن الطفرات، ولا هو احترم اختلاف أذواق جيل بات ينفر من كل ما يُقَيِّد حريته.
.
*مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا
-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews