إضاءاتالعناوين الرئيسية

“ركاكة وعراقة” .. مراد داغوم

|| Midline-news || – الوسط

.

تحدثت في مقال سابق عن أخطاء يرتكبها الملحنون عند مدِّ حركة حرف غير قابل للمد، وقلت أن هذا الخطأ ليس مقتصراً على الملحنين الجدد، وأن بعض الكبار قد قاموا بذلك أيضاً؛ سأورد هنا أمثلة تفصيلية عن ذلك.

قام الأخوان رحباني بتلحين نشيد عن الشهيد من كلمات “رامي غنطوس”، غناه “جوزيف ناصيف” والمجموعة لصالح الإذاعة اللبنانية في منتصف ستينات القرن الماضي؛ وقد تضمَّن اللحن خطأً واحداً لكنه تكرر مرات كثيرة جداً بحيث غدا اللحن ركيكاً بالنسبة لأذن مستمعٍ يمتلك القدرة على تمييز السليم من الركيك في الألحان. لا بدَّ من الإشارة إلى أن توزيع اللحن كان خارقاً بالنسبة لتوزيع ألحان الأناشيد آنذاك.

صاغ الشاعر قصيدته على وزنِ مجزوء الرَمَلْ (فاعلاتن فاعلاتن)، وهو وزن غنائي جداً بسبب رشاقة وَقْعِه على الأذن وقِصَرِ رتابة التفعيلة التي تتكرر بدون وُرود ما يختلف عنها. على هذا الوزن صاغ الشاعر “عبد الوهاب محمد” أغنية (اسأل روحك) التي كنا ننشد كلماتها على لحن هتافات المظاهرات بسبب قابلية هذا الوزن للانخراط مع أي إيقاع أو وزن.

إذن، لا مشكلة في وزن القصيدة، حتى وإن تغاضينا عن استعمال فعل (سَفَكَ) في الحديث عن شهيد، فالشهيد لا “يسفك” دمه، بل “يبذله” في أقل مستوى من التعبير. حتى وإن تغاضينا عن مقولة أنه يحق للشاعر أن ينسف قواعد اللغة لضرورة الشعر المقدسة فيقول في البيت التاسع أن الأرجوحة (تعلى) بدلاً من (تعلو).

يقول مطلع القصيدة:
 أيُّ بَذْلٍ كان أعظمْ من عطاءِ الروح والدمْ
 وشهيد ماتَ إن تسألْ لماذا ماتَ؟ فاعلَمْ
 ماتَ من أجليكَ يا لبنانْ كي تبقى وتَسْلَمْ

اعتمد الملحن إعطاء كل تفعيلة جملة لحنية زمنها مقياس واحد (إيقاع واحد)، فاضطُر إلى الوقوف عند نهاية كل تفعيلة، حتى وإن كان هذا الوقوف غير مستساغ … وقد تسبب هذا التوقف في مد حروف غير قابلة للمد، مما يشعرك بركاكة قد لا تُميِّز سببها أحياناً. قسَّم الملحن في جملته الموسيقية الشطر الأول إلى جزأين بينهما توقف صامت (أيُّ بَذْلٍ = فاعلاتن) + (كان أعظمْ = فاعلاتن)، فتوقف عند تنوين لام “بذل” وسكون ميم (أعظم) وهذا عادي جداً. وبما أن الأساس في اللحن هو طريقة لفظ الكلمة، توقف الملحن عند حرف غير موجود لفظاً وهو حرف اللام في كلمة (الروح) في الشطر الثاني من البيت الأول (الثانية 48 من الأغنية)، فقال وهو يمد حرف اللام أو يتوقف عنده: (من عطاء الـ) بينما لفظ المقطع هو (من عطائرّوح والدم)، فحرف اللام في (ال) التعريف لا يلفظ قبل حرف الراء.
في البيت السادس، توقف الملحن عند حرف باء “الحبل” (الدقيقة 1:41 – 1:42)، وكان التوقف أكثر ركاكة عندما مد حرف الجيم في “مع الفجر” (الدقيقة 1:45 – 1:46)، الركاكة كانت أقسى في مد حركة الميم في “مثل” في البيت العاشر (خفقوا مثل البيارق)، (الدقيقة 2:39 – 2:42). بينما كان مدُّ حرف اللام في كلمة “كل” (نصبوا العزة تمثالاً على كل المفارق)، (الدقيقة 2:51 – 2:57)، جميلاً جداً رغم طوله لأنه حرف قابل للمد.
تكرر الخطأ ذاته عند مدِّ حرف القاف “الحق”، وتقسيمه إلى مقطعين في البيت الثالث عشر (شُهدا الحقّ التليد)، (الدقيقة 2:58 – 3:02).

ليس لدي أي تبرير مقنع حول هذه الهفوات اللحنية سوى أن التلحين تم على عجل، لربما بسبب اقتراب يوم الشهداء. إذ قلما فعل الرحبانيان ذلك.
.

*(مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا)

.
رابط استماع نشيد الشهيد:
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى