رأي

رسائل من الجنوب وإليه .. غسان أديب المعلم ..

 

عادت الرسائل من الجنوب، وعاد الجنوب السوريّ إلى تصدّر المشهد من جديد، وسط غليان شعبيّ، وفلتان أمنيّ مُريب في كلا محافظتي الجنوب، بالتزامن مع استقدام تعزيزات عسكريّة لتهدئة الأجواء وفرض الأمن والقانون، في ظلّ ازدياد التحريض المُستمرّ باستغلال الحدث من قبل المستثمر في هذا الأمر.

وبغضّ النظر عن تفاصيل أحقيّة التحرّك من عدمه، أو الاصطفاف مع طرفٍ دون آخر ضمن الأطراف المتنازعة، فلا بدّ من استعراض المواقف وعرض الموقف تجاه ما يحدث، فالخطر على تقسيم البلاد وفرضه كأمرٍ واقع في عديد الاتجاهات يتفاقم يوماً بعد يوم، وحادثٍ إثر حدث، ولا يمكن لأيّ سوريّ القبول بهذا التفتيت المُستمرّ والذي كان الهدف الأول منذ إشتعال فتيل الحرب وإيقاظ الفتن، ولا يمكن لسوريّ الانتماء أن يتماهى مع مخطّط الأعداء.

الوضع الأمنيّ في السويداء ليس بجديد، أو بالأحرى حالات الفتوّة واستعراض القوّة بين الفصائل المتنوّعة الدعم ضمن هذه المدينة، والتي أثّرت على سلامة أهلها وتدهور حالة الأمان فيها، مع الاصطياد العكر واستثمار هذه الأوضاع من قبل الكثير من الأطراف، وكثيراً ما طالب أهل هذه المدينة الشرفاء بتدخّل مؤسسات الدولة للحدّ من بلطجة المجموعات التي ما انفّكت يوماً عن الإخلال بأمن هذه المدينة، سواء عبر الخطف وطلب الديّات، أو ترويج المخدّرات والكثير من الموبقات.

ثم حصل أن خرج أهل هذه المدينة أيضاً قبل أشهر معدودات للمطالبة بالإصلاح بشكلٍ أعمق وأسرع، وتحدّثت عديدُ البيانات باسم الشعب السوري كاملاً، رغم التحفّظ على الكثير من متصدّري البيانات، ومترأسي التحرّكات، وبالتأكيد ستكون مثل هذه المطالب والتوتّرات المُرافقة ملاذاً آمناً لمن يريد إشعال فتيل الحرب مجدّداً.

ومع ذلك، لم تلقَ المطالب ذلك الاهتمام المناسب المباشر، والسريع والفعّال، سوى عبر موجة التخوين من جهة، والوعود المتكرّرة التي اعتاد الجميع على سماعها من جهةٍ أخرى، فالأمر ليس في السويداء وحدها، بل إن الوبال على الجميع.

 

أمّا في درعاا، المحافظة الملاصقة للسويداء، فالأمر أكبر من حيث تواجد المجموعات التي تستهدف كلّ يوم جنودَ وضبّاط الجيش، وكذلك الفعاليات الشعبيّة التي تعمل تحت كنف الدولة، وبالتأكيد فإنّ هذه المجموعات تنفّذ المآرب الخارجيّة لأعداء الدولة، فلا يمكن لأيّ إنسان وطنيّ أن يستهدف جنود وطنه.

لكن .. أين الحلّ؟ .. وأين سدّ الذرائع؟ ..

وهل سيكون الحلّ العسكريّ هو الملاذ الأخير دائماً؟..

ولماذا دائماُ نقف عند النتائج ولا نعالج الأسباب؟..

وهل ستعاود فكرة المصالحات تجديد ذاتها رغم مايشوبها من أكاذيب وسمسرة ووطنيّات مزيّفة من قبل الصالح والطالح؟..

فالأمر لم يقتصر على الجنوب فقط، وأقصد الخطر، فالأعداء تتكالب من كلّ الجهات عبر قنواتها العميلة باستغلال الوضع الاقتصادي السيء حصراً، والتذرّع بغير هذا السبب ضعيفٌ جدّاً لانعدام المشاريع الحقيقيّة.

والقناعة التي يُراد لها الظهور والتعويم تمهيداً لفرض التقسيم، هي أنّ القوّة المحلّية الحاكمة أفضل من مؤسسات الدولة، وأنّ قوّة الانتماء للمنطقة والقبيلة والقوميّة، ورعاية رجال الدين والزعامات العشائريّة وقانون تقبيل الأيادي والذقون هو الحلّ الأنسب في ظلّ تغييب أو غياب المؤسسات، مع إضافة وإشاعة الأجواء التي تُفيد بإنعدام الثقة، وهذا أخطر الأمور.

لذلك، وفي ظلّ هذه الظروف التي لا تبشّر بالخير، والتي يعوّل عليها الأعداء لتقسيم وتفتيت البلاد أكثر، واستعباد القوى البشريّة ونهب الثروات بعد استقواء كلّ طرفٍ أو فصيلٍ أو تجمّع بقوّة عدوّة، وهذا الأمر تحديداً أو بالأحرى هذه الصورة، موجودة ضمن بنود بروتوكلات بني صهيون، والتي لا همّ لها واهتمام أكثر من رؤية سوريا الضعيفة المُقسّمة لخمس دويلاتٍ طائفيّة مناطقيّة، ترفع كلّ واحدةٍ منها علماً مغايراً، وتقيم علاقاتها الطبيعيّة مع الكيان الذي سيُصبح حالةً طبيعيّة حينها “مندمجاً” مع جيران الرضا، وتستمدّ قوتها بصراعها مع أعدائها من الدويلات الأخرى من إسرائيل ذاتها.

وعليه، نوجّه الدعوة ونرفع الصوت ولو بكلمة، لأجل حوارٍ وطنيٍ بنّاء، بين أبناءٍ حقيقيّين، وليس زعامات التصفيق، يلتفّ حوله الجميع ضمن مشروعٍ موحّد ينقذ البلاد والعباد من خطر وشرّ التقسيم والتفتيت والشرذمة.

الخراب سهل، ومن المؤكّد أنّ البناء أصعب بكثير ويستغرق وقتاً أطول، لكن لماذا لا نسير في الخطوة الأولى في هذا المجال؟، والذي يعتمد المواطنة والقانون كأساس البناء، فكلّ خطوة مواطنة وحريّات هي خنجر في صدر المتربّصين للتقسيم.

 

*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

صفحتنا على فيس بوك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى