جواسيس البيرويسترويكا .. غسان أديب المعلم ..

فلاديمير فيدروف، أو من يُعرف بـ “فيرويل”، ضابط المخابرات السوفياتيّة الذي قدّم أكثر من ثلاثة آلاف وثيقة ومخطّط في يوم واحد للمخابرات الفرنسيّة، وإثر ذلك عادت أقداح الشمبانيا لتتضارب بين الرئيسين فرانسوا ميتران ورونالد ريغن بعد فترة جفاء بسبب موقف فرنسا الباهت في زمن الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي، فكانت هديّة ميتران للأمريكيّين هذا الجاسوس السوفياتيّ على طبقٍ من ذهب كعربون وفاء الصداقة بين البلدين.
هذا الجاسوس قال إثر اعتقاله لمرؤسيه: أرأيتم أنّني أفضل الجواسيس!!..
لكن في حقيقة الأمر لم يكن “فيرويل” هو الأفضل، فقد كان لدى الرئيس الأمريكيّ ريتشارد نيكسون من هو أفضل وأعظم بكثير من “فيرويل”، حيث كان لديه جاسوس سوفياتيّ لم يبعث برسالة بالحبر السريّ يوماً ما، ولم يخاطر بفكّ شيفرة، ولم يتّبع أي دورة استخباراتيّة لدى الأعداء، بل كانت مهمّته تمجيد القيادة السوفياتيّة على أنها مرسلة من السماوات، وأن الحزب الشيوعيّ ونظريّاته أفضل من الكتب السماويّة، وكانت مهمّته تعيين الأقل كفاءة والأسوأ خلقاً من الناس في مراكز المسؤولية والجامعات والمناصب الحسّاسة في جسم الدولة.
سرعان ماحوّل هذا الجاسوس البلاد إلى أرضٍ للخراب، مهيّأةً للإنهيار السريع دون حاجة أميركا لشنّ حربٍ نوويّة أو حربٍ عسكريّةٍ تقليديّة في مواجهة السوفييت.
وعلى ذات المنوال، كانت خطّة الموساد منذ عام 1979 ضدّ مصر، أن تُحدث اختراقاتٍ أمنيّة واقتصاديّة واجتماعيّة في جسم الدولة والمجتمع المصري، تتسبّب بتصعيد التوتّر وكذلك الاحتقان الطائفي، والانقسام بين شرائح المجتمع والدولة، لتوليد بيئة متصارعة منقسمة في كلّ أمر، بحيث يعجز أي نظام بعد نظام حسني مبارك على تصحيح الأوضاع هناك، وهذا ماصرّح به رئيس الموساد السابق مائير دجان.
في ضوء كلّ ماسبق، أيّ من المثال المصري، وجاسوس نيكسون، وجاسوس ريغن، فإنّ جميع هذه الأمثلة تتماهى مع فترة “البيرويسترويكا” التي جهّز لها الغرب لتفكيك الاتحاد السوفياتي، عبر بعض المسؤولين أمثال (غورباتشوف، يلتسن، شيفارد نادزه، ياكوفليف)، وكان من نتائج هذه الخطّة الشيطانيّة تأجيج الصراعات الدينيّة والقوميّة، وهبوط الإنتاج بسبب التدمير المُتعمّد للقطاعين الزراعيّ والصناعيّ، وظهور عشرات ملايين المُهجّرين واللاجئين، وتدهور الدخل المادي لأكثر من تسعين بالمئة من السكّان، وظهور الأطفال المشرّدين دون مدرسة، والأيتام الذين يشحدون في الشوارع، مع بروز حيتان وديناصورات مال ومافيا تسرق مال الشعب.
وعليه، وبالأمس القريب ذكرت مصادر إعلامية أنه تم القبض على شبكة تجسّس من السوريّين العسكريّين تُرسل خرائط ومعلومات ومخططات، تعمل لصالح إسرائيل مقابل المال، وبالتأكيد هكذا خبر ليس بجديد أو وليد الأزمة، فقد حدثت اختراقات عديدة ارتكزت على العملاء الذين اسهموا بأحداث كبيرة في سوريا مثل اغتيال عماد مغنية، أو الضابط محمد سليمان، أو حتى رئيس مركز البحوث العلمية في مصياف، وكذلك عالم تقنيات الصواريخ عدنان زغيبي وغيرهم الكثير قبل وأثناء الأزمة، وكلّ ذلك يندرج ضمن حرب المخابرات بيننا وبين العدوّ، وهو شأن عسكريّ قد تُخبرنا الأيام بتفاصيله.
لكن .. ماذا عن “جواسيس البيرويسترويكا” في سوريا ؟..
قال السيد رئيس الجمهوريّة في أحد خطاباته: “إن الفاسد في زمن الحرب كالإرهابيّ تماماً”.
فماذا عن أولئك “الأقل كفاءة والأسوأ خُلقاً” في مناصب المسؤوليّة؟.
وماذا عن “ديناصورات وحيتان” المال والمافيا؟..
ماذا عن أولئك الإقصائيّين المُطبّلين الزمّارين؟..
وما حال تسعين بالمئة من الشعب القابع تحت رحمتهم؟..
مُحتكر أيّ مادّة غذائيّة بأسعارٍ مخالفة هو عميل، مدير أي شركة عامّة يستغلّها لمنافعه الشخصيّة هو عميل، رئيس أي مافيا للتهريب و فرض الأتاوة هو عميل، وأي مسؤول بغير اختصاصه هو مشروع عميل.
بلادنا تُحتَضر قهراً وجوعاً بسبب الحصار الجائر، وهؤلاء خونة حاملين للجنسيّة السوريّة، فهل نشهد عملية اجتثاث الفاسدين الخونة لتحيا بلادنا، أم أنّ جيلنا ليس على قدر سوريانا؟.
*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب