العناوين الرئيسيةحرف و لون

جناح مكسور .. أسماء القرقني

لوحـة : سموقان أسعد

|| Midline-news || – الوسط..

.

يوم تخرج أخي الأصغر، تحوّل البيت فجأة إلى خلية نحل. كل منا يجهز نفسه ويرتب ملابسه لحضور الحدث السعيد..
رجع أخي الأكبر أحمد من عمله، ملابسه متسخة ببقع زيوت السيارات وشحومها، ووجهه المتعب يزدحم بالتساؤل!

أخبرته بوجهتنا، تهلل فرحاً، ثم قال بارتباك: “وأبي…”! عقب بعدها بنبرة دافئة: “سأشارك أخي فرحته”.

أحمد، الوحيد بيننا الذي لم يكمل دراسته،كنا ننجح بتفوق كل سنة، بينما هو يتعثر. دائماً يقول إنه يحاول، وهو يفعل. لكن دون جدوى.
أشعر بالحزن كلما أخبرني عن عجزه وقلة حيلته، مما اضطره في النهاية إلى ترك الدراسة والعمل عند ميكانيكي لا يبعد عن بيتنا كثيراً. أما أكثر شيء يجيده ويتفنن في إنجازه، دمى مسرح العرائس. يصنعها بنفسه، يختار لها أقمشة جميلة لها ألوان براقة ويحشوها بالصوف ليكسبها حجماً أكبر. وتتجلى مهارته في شد الخيوط الحريرية التي تحركها، لتصبح شبيهة بالتي نراها في واجهات المحلات. كما يتقن التمثيل بها ويقلد صوت الأنثى والصغار والكبار، ويكرر جملة كل يوم: لماذا لم نمجح يا أحمد؟!
-ترد الدمية الأخرى وهو يهزها ويحرك أذنيها بطريقة جنونية:
=حاولت لكنني غبي.. غبي.. غبي!
ننفجر ضحكاً بفرح طفولي عندما يقول هذه الجملة، وتبدو على وجهه علامات السرور عندما يرى سعادتنا. لم يكن يملك أسلوباً جيداً للتعبير عن نفسه، وعن حبه لنا لكننا ندرك أن له قلبا كبيراً يحتوينا جميعاً
بدخل أبي وقد تقاسم الغضب وخيبة الأمل قسماته ويقول له بازدراء:
_لم تفلح سوى في هذا!! أنت أكبرهم، ألا تستحي من نفسك يا فاشل؟

يوبخه ويكيل له الشتائم.. فلا يرد. بل أحياناً يرسم ابتسامة على وجهه.. لكنني أسمع بكاءه في جوف الليل وأشاركه دموعه دون أن يدري.

ذهبنا جميعاً إلى الحفل، وصل أحمد بعدنا بقليل. رأيته يصفق بحماسة والفرح يفيض من محياه وهو يرى أخي الأصغر يخرج ليستلم شهادته.
بدأنا التصوير.. وعادة أنا من يقوم بهذه المهمة، التقطت الصور التذكارية لأخي المحتفى به مع أبي وأمي وأصدقائه وأساتذته وأخوتي. أشار لي أحمد بيده ليأخذ دوره في التصوير، وأخرج العرائس من كيس يحمله وأخذ يحركها ضاحكاً، رأيت أبي يهمس له كلاماً في اذنه، نظرت إلى أحمد أريد أن أدعوه للتصوير.. وجدته قد غادر المكان!
.
.

*شاعرة وكاتبة من ليبيا
*اللوحة للفنان التشكيلي سموقان أسعد- سوريا

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى