العناوين الرئيسيةمرايا

جديد تاريخ الجنس البشري … (ترجمة حيّان الغربي)

جديد تاريخ الجنس البشري … (ترجمة حيّان الغربي)
جديد تاريخ الجنس البشري … في حلقة جديدة تكشف عنها الحفريات في جنوب أفريقيا. بما قد يعيد كتابة تاريخ التطور البشري- تشارلز كيو. تشوي- لايف ساينس.

هل الجنس البشري أقدم كثيراً مما تصوّرنا سابقاً؟ فهذا ما تشي به الحفريات الأخيرة في كهوف ستيركفونتاين بجنوب أفريقيا. تبدو المكتشفات من البقايا شبه البشرية في جنوب أفريقيا بعمر يزيد بمليون عام عما كان يعتقد سابقاً، الأمر الذي يزيد من احتمال أن النوع الذي أتت منه هو عينه النوع الذي انحدر منه البشر وفقاً لما انتهت إليه إحدى الدراسات الحديثة. وقد يقود هذا التاريخ الجديد إلى إعادة صياغة بضع مراحل أساسية في تاريخ التطور البشري، إذ تشير الحفريات إلى أن هذه اللقى تعود إلى جنس يسبق حفرية “لوسي” الأيقونية الشهيرة التي تعود إلى نحو 3.2 مليون عام. فلردحٍ طويل من الزمن ساد اعتقاد راسخ بأن جنس لوسي يعدّ المرشّح الرئيسي بوصفه السلف المباشر للإنسان. والإنسان العاقل (هومو سابين) هو العضو الوحيد الناجي بين السلالات البشرانية (جينوس هومو).
جديد تاريخ الجنس البشري
ذهبت أبحاث سابقة إلى أن “جينوس استرالوبيثيكس”، الذي تواجد قبل فترة تتراوح بين 4.1 مليون سنة و2.9 مليون سنة، هو المرشّح الرئيسي كسلفٍ للإنسان. ويشمل اصطلاح استرالوبيثيكس “القرد الجنوبي” الجنس الذي تنتمي إليه “لوسي” وهو “استرالوبيثيكس افارينسيس”. ولدى اكتشاف “لوسي” في أثيوبيا في العام 1974 كان هيكلها العظمي هو الأقدم والأكمل بين أسلاف البشر القدماء، بمن فيهم البشر والأجناس المنقرضة الأخرى الأقرب إلى الإنسان من أي نوع آخر في الطبيعة. وتوفّر كهوف ستيركفونتاين في جنوب أفريقيا المصدر الأغنى لحفريات استرالوبيثيكس المكتشفة حتى يومنا هذا، وتقع هذه الكهوف في موقع يطلق عليه “مهد الجنس البشري”. ذاع صيت ستيركفونتاين حين كُشِفَ النقاب فيها عن أول حفرية لاسترالوبيثيكس بالغ في العام 1936. وعلى مرّ العقود، اكتشف العلماء المئات من الحفريات البشرانية في ستيركفونتاين، وهي من الحفريات التي جرت العادة أن تصنف ضمن أجناس استرالوبيثيكس افريكانوس. مع ذلك، انتهت بحث سابق إلى أن عظام ستيركفونتاين تعود بتاريخها إلى ما بين 2.1 و2.6 مليون سنة فقط. وعلى النقيض من ذلك، يعود تاريخ أقدم الحفريات البشرية التي أميط عنها اللثام في أثيوبيا إلى نحو 2.8 مليون سنة، بما يشير إلى تعذر انحدار البشر من جنس استرالوبيثيكس في ستيركفونتاين بوصفه سلفاً مباشراً. عوضاً عن ذلك، غالباً ما اقترح الباحثون أن أسلاف البشر هم جنس استرالوبيثيكس في شرق أفريقيا، أي جنس “لوسي”- استرالوبيثيكس افارينسيس، وأن البشرانيين الجنوب أفريقيين- استرالوبيثيكس افريكانوس قد انحدروا منهم. غير أن الجدال ما زال محتدماً فيما يخص عمر حفريات ستيركفونتاين، فعلى سبيل المثال، يقدر عمر الهيكل العظمي شبه المكتمل “ذو القدم الصغيرة” الذي عثر عليه هناك بزهاء 3.67 مليون سنة وفقاً للأبحاث التي أجراها داريل غرانغر، المؤرخ الجيولوجي، في جامعة بوردو في مدينة لافاييت الغربية، ولاية انديانا الأميركية، مع زملاء له. ففي دراسةٍ حديثةٍ أجراها غرانغر مع زملائه، سعت المجموعة إلى إعادة تقدير الحقب الزمنية التي تعود إليها الحفريات البشرانية الأخرى في ستيركفونتاين، وقد تبين لهم أن عمر تلك العظام قد يتراوح ما بين 3.4 مليون و3.7 مليون سنة بطبيعة الحال، أي أنها أقدم من “لوسي”، وهذا يشرّع الباب على احتمال انحدار البشر من نوع استرالوبيثيكس الجنوب أفريقي وليس من نظيره الشرق الأفريقي وفقاً للاعتقاد الذي ساد طويلاً.
جديد تاريخ الجنس البشري
بيد أن فهم تواريخ الحفريات في ستيركفونتاين قد يكون أمراً مخاتلاً، فعادةً ما يقدر العلماء أعمار الحفريات من خلال تحليل الطبقات التي عثر عليها فيها، وكلما ازداد عمق الطبقة كانت الحفريات أكثر إيغالاً في القدم. ومع ذلك، لربما أفضى النظام المعقد للكهوف في ستيركفونتاين إلى الاختلاط بين المواد القديمة والأحدث منها عهداً، وهكذا أصبح تحديد تاريخها أمراً أكثر تعقيداً. ومن الاستراتيجيات الأخرى المعتمدة لتحديد تاريخ عينات استرالوبيثيكس في ستيركفونتاين هي فحص عظام الحيوانات الأخرى، مثل الأحصنة، التي يكشف عنها بجوار الحفريات البشرانية، أو معاينة الطبقات الكلسية المرتبطة بطبقات الحفريات- وهي طبقات رقيقة من الصخر المترسب بفعل التدفقات المائية والتي يمكن العثور عليها على طول جدران الكهوف وأرضياتها. غير أن العظام قد تنتقل ضمن الكهوف خلال الفيضانات كما يمكن أن تستقر الطبقات الكلسية الحديثة ضمن ترسبات أقدم زمناً، مما يضفي الكثير من الشكوك على التواريخ المحددة باعتماد هذه الطرق. ولعلّ تحديد عمر الصخور التي وجدت فيها الحفريات يعدّ طريقةً أدق ربما، ففي دراسة حديثة، قام الباحثون بتحليل صخور بريشيا الشبيهة بالخرسانة حيث تم العثور على هذه الحفريات. عمل العلماء على تحليل ما يسمى بالنويدات الكونية ضمن الصخور، وهي نسخ نادرة جداً من العناصر أو النظائر الناتجة عن الطبقات الكونية- وهي جزيئات عالية الطاقة لا ينفك الفضاء الخارجي يمطر بها الأرض. ويمتلك كل نظير عنصر عدداً مختلفاً من النيوترونات ضمن نواة ذرته، فعلى سبيل المثال يمتلك عنصر الألمنيوم- 26 نيوتروناً أقل في ذرته مما يملكه الألمنيوم العادي. فالألمنيوم- 26 لا يتشكّل إلا إذا كانت الصخرة التي تحتوي على الكوارتز مكشوفة على السطح وليس بعد أن تدفن عميقاً في الكهف. وبالتالي، يمكن للعلماء أن يحددوا عمر الترسبات الكهفية والحفريات المتواجدة ضمنها من خلال قياس مستويات الألمنيوم- 26 بالترادف مع نويدة كونية أخرى، وهي البريليوم- 10.
جديد تاريخ الجنس البشري
علّق غانغر على الأمر قائلاً: “لقد فوجئت بادئ الأمر حين أن العمر الجديد، ما بين 3.4 و3.6 مليون عام، كان قريباً جداً من عمر الترسبات الأقدم، بما معناه أن جميع حفريات استرالوبيثيكس في ستيركفونتاين تعود إلى حقبة زمنية ضيقة نوعاً ما، ولعلها حقبة شهدت تنوعاً كبيراً من الأجناس البشرانية في شرق أفريقيا أيضاً، الأمر الذي يشير إلى وجود صلات مبكرة بين الأجناس البشرانية في شرق وجنوب أفريقيا.

وفي حين تثبت هذه النتائج الجديدة أن حفريات استرالوبيثيكس افريكانوس هي بعمر حفريات استرالوبيثيكس افارينسيس إن لم تكن أقدم منها، فهي قد تفضي إلى استبعاد انحدار النوع الأول من الثاني. وفي واقع الأمر، يتميز النوع الجنوب أفريقي، مقارنةً بنظيره الشرق أفريقي، بجمجمة وملامح وجه أكثر بدائية وشبهاً بجمجمة ووجه القرد على حد تعبير الباحث في علم الإنسان القديم، يوهانس هيلي- سيلاسي، مدير معهد أصل الإنسان في جامعة ولاية أريزونا، علماً بأنه لم يشارك في هذا البحث. كبديل عن ذلك، يقترح هيلي- سيلاسي أن يكون النوعان هما نوعين شقيقين منحدرين من سلف مشترك مثل القرد الجنوبي الأنامي- افريكانوس انامنسيس الذي يعود تاريخه إلى 3.8 مليون عام والذي ساعد هيلي- سيلاسي في اكتشافه في أثيوبيا في العام 2016. ومن المضامين الأخرى التي ينطوي عليها العمل الجديد هو: “أن التاريخ الأقدم يتيح المزيد من الوقت للنوع الجنوب أفريقي للتطور إلى أنواع بشرانية أخرى، بما في ذلك الإنسان العاقل، الأمر الذي لسنا متأكدين من حدوثه بالفعل، ولكن باب الاحتمالات قد فتح الآن” على حد قول غرانغر.
جديد تاريخ الجنس البشري
بيد أن جون هوكس، الباحث في علم الإنسان القديم في جامعة ويسكونسن- ماديسون والذي لم يشارك في هذه الدراسة، نوّه إلى أنه من المرجح ألا تضع التقنيات الكونية الجديدة حداً للجدل حول تاريخ حفريات ستيركفونتاين: “فهذا يتطلب أن تعمل مختلف الفرق معاً وتتفق بشأن ما تخبرنا به جيولوجيا الموقع. وإني أعتقد أن هذه الدراسة تشكّل خطوةً أولى نحو تقريب وجهات النظر ما بين مختلف العلماء”. وعلى سبيل المثال، قد يشارك العلماء الراغبون بحل أحجية تاريخ هذه العظام في تجارب مزدوجة التعمية “تجمع بين فئات مختلفة من الباحثين لفحص العينات نفسها دون معرفة مصدرها قبل إعداد تقاريرهم المعنية والإفصاح عن النتائج النهائية، وإلا فإنه من المحتمل أن يجنح الباحثون نحو اختيار عينات وطرق تسهم في تعزيز أفكارهم الخاصة” كما يخلص هوكس.
.

*مترجم وشاعر من سوريا
.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى