تـرابـط سـاحـات الـصـراع فـي الـعـالـم والـتـصـعـيـد فـي الـمـنـطـقـة ..
طارق عجيب – رئيس التحرير
==========================================================
|| Midline-news || – الوسط ..
” لم يسبق لي أن شاهدت هذا الكم من الصراعات الدولية والإقليمية التي تحدث في نفس الوقت وفي مكان واحد ” ، كلامٌ جاء على لسان رنده سليم الخبيرة في معهد واشنطن في حديثٍ لها حول الأزمة في سوريا .
رندة سليم عبرت في جملتها تلك عن مدى تعقيد الأزمة السورية ، وارتباطها الوثيق بقضايا وتجاذبات وصراعات المنطقة والعالم ، وهذا ما يؤكد أن الأزمة مرشحة للمزيد من التصعيد والتأزيم في ظل الهروب الجماعي إلى الأمام لجميع الأطراف المتصارعة على الساحة السورية ، وفي ظل سعي حثيث لإحراق جميع المراكب ” وقلع ” شعرة معاوية بين الأطراف كافة ، وبكل صلفٍ وفَجَاجَة من أتباع السيد الأميركي بغية فرض الإرادات بالقوة بمختلف أشكالها .
سياسة الهروب إلى الأمام التي تـتَّـبـعها أميركا وإسرائيل وحلفائهما الغربيين واتباعهما من عرب و كُـرد ، تعبر بشكل صريح عن ديكتاتورية الخيار الواحد ، وتخضع للنهج الإسرائيلي الذي يقول ” ما لا نستطيع تحقيقه بالقوة نستطيع تحقيقه بقوة أكبر ” ، وتتبنى بكل صراحة منطق ” القوة هي الحق ” ، في حالةٍ من الـشَّـطَـط الشديد ، التي تجتاح الرؤوس الحامية في الإدارة الأميركية ، وعلى رأسها دونالد ترامب الرئيس الأميركي ، وجناحاه في العدوان ، البريطاني والفرنسي ، وفرقته ” للرقص الفلكلوري ” في السعودية والإمارات وغيرهما من عناصر عربية تعتقد أنها تستطيع شراء الظل العملاق للأميركي لتلصق حجومها الهزيلة به .
فترة الحرب الباردة كرَّست مجموعةً كبيرة من الأزمات وبؤر التوتر العالمية ، وتضاعفت هذه الأزمات مع تفكك الاتحاد السوفييتي وفشل ” الكاوبوي ” الأميركي في قيادة العالم بعيداً عن العقلية التي لا ترى في الأخرين إلا قطعاناً ومقاطعات يجب أن تكون خُـلاصاتها جميعاً تصب في خزانته حصراً ، ولصالح مشاريعه واستراتيجياته ، هذه الأزمات تفاقمت وتضخمت تحت الرماد ، وخاصة مع استعادة روسيا ، وريثة الاتحاد السوفييتي ، بالتدريج لمكانته في العالم ، وظهور الصين كقوة اقتصادية وعسكرية تشكل التهديد الأكبر لأميركا وهيمنتها وسطوتها في كل المجالات ، وظهور قوى ، مثل كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا وحزب الله وغيرهم ، في أكثر من منطقة في العالم استطاعت أن تبني توازن ردع ورعب مع الأميركي وحلفائه في مواقع النفوذ الأميركي الذي كان يمسك المفاصل الهامة والحرجة في العالم أجمع .
في منطقتنا ، خلق ” الربيع العربي ” ساحات حرب تحقق للأميركي وشركائه الغربيين مجمل أهداف مشروعهم في المنطقة والذي يستهدف العالم لاحقاً ، دون أن يقحم أياً منهم جيشه بشكل مباشر في هذه الحرب ، وكاد هذا المشروع أن يحقق جل مبتغاه لولا أن سوريا بصمودها وقوة وتماسك تحالفاتها مع الروسي والإيراني والمقاومة الوطنية اللبنانية ، تمكنت من منع استكمال هذا المشروع ، وتم الانتقال إلى تقويضه وهزيمته عبر القضاء على وكلائه على الأرض .
اكتشف الأميركي أن رهانه على وكلائه في الميدان السوري كان خاسراً وسيودي به إلى نتائج تشبه الهزيمة ، بعد أن اصبحت النتائج بعيدة عن ما كان يتوقع أن يحققه وهو يراقب من خارج الميدان ، وبعد تدخل روسيا وإيران بدعم من دول أخرى كثيرة تعي مخاطر نجاح المشروع الاميركي الإسرائيلي الغربي في المنطقة العربية ، على مستقبلها ومصالحها وأمنها القومي ، قرر الأميركي أن يدخل بنفسه إلى ساحة المعركة سياسياً وميدانياً ، وقرر المضي قدماً في سعيه لفرض رؤيته لخريطة الصراعات والنتائج في المنطقة ، فعمل على تحويل بوصلة العداء في المنطقة نحو إيران ، عبر العزف على الوتر الإيديولوجي الذي تسوق له الوهابية لتمهد الطريق نحو تقسيم الشارع المسلم ، وتصوير المختلف عنها على أنه الكافر الأولى بالقتال والجهاد ، فتحولت إسرائيل ، بناءاً على عقيدتهم هذه ، إلى دولة جارة وحليفة في وجه إيران الجمهورية الإسلامية التي وقفت ولا زالت تقف مع قضايا الأمة الإسلامية وجوهرها القضية الفلسطينية وتتمسك بالحق الفلسطيني .
وبغية تثبيت أركان العرش لمحمد بن سلمان ، قدم السعوديون فروض الولاء والطاعة للسيد الأميركي ببذخ وترف شديدين ، ما أعطى لترامب جرعة زائدة من جنون ” العظمة ” الذي يحكمه نتيجة فائض القوة التي تملكه أميركا ، فاصدر أوامره للسعودية وجوقتها العربية باتخاذ خطوات تصعيدية تجاه من يرون أنه يغرد خارج سربهم ، ولا يلتزم بالقواعد التي تتوافق مع المشروع الأميركي الكبير في المنطقة والعالم بما يخدم أميركا وربيبتها إسرائيل ، فكانت أول القرارات تلك التي اتُّخذت بحق قطر ومن خلفها جماعة الإخوان المسلمين ، وبما يهدد تركيا ، وتنظيمات إرهابية ترعاها تركيا وتمولها قطر خدمة لمشروعهما المتماهي مع المشروع الإخواني ، وهو ما تعتبره السعودية ومن لف لفها عدوها الأكبر في العقيدة والسياسة والاقتصاد ، وفي التنافس على خدمة أميركا وإسرائيل ، قراراتٌ تهدد بالوصول إلى حرب حقيقية قد تدخل منطقة الخليج برمتها في حرب شاملة تشارك فيها تركيا ومصر وغيرهما ، ولم يترك السعوديون وبقية الدول المقاطعة لقطر ، أي مراكب بين الضفتين للعودة عن قرار الحرب ، فكانت المطالب التعجيزية التي نقلتها الكويت لقطر ، والتي تعجز الأخيرة عن تنفيذها ، ما يترك خياراً واحداً وهو الحرب كما يشتهي ترامب وبن سلمان .
ولضمان حصة وجدوى أكبر من وليمة المنطقة ، يسعى الأميركي إلى إشغالها بأكثر من حرب ، وتبقى الساحة السورية أكثر الساحات حالياً جاهزية لذلك ، فنرى الأميركي يهدد بضربات قاسية للدولة السورية بذريعة ” احتمال استخدام الكيماوي ” ويهب مباشرة شركائه في فرنسا وبريطانيا لتأييده في حربه إذا ” حصل ما حذر منه “، ثم يتهاون في تصريحاته ، غير أن المعلومات والمعطيات التي تأتي من الجوار الجنوبي السوري لا تشي بما هو خير ، فمن الأردن وتصريحاته الملغومة عن قصف سوري لمخيمات النازحين ضمن أرضه ، إلى فلسطين المحتلة والأنباء عن وصول أكبر حاملة طائرات أميركية ” جورج بوش ” إلى سواحل حيفا محملة بألاف الجنود ، وزيارة نتنياهو للحدود الشمالية لفلسطين المحتلة ، إضافة إلى القصف الإسرائيلي لمواقع عسكرية للجيش السوري ، وأجواء عامة عالية التوتر ترسل إشارات أن الأميركي أيضاً قرر التصعيد والهروب إلى الأمام ، وتحركاته وإن كانت دون تصريحات مرافقة ، إلا أنها تكاد أن تكون إعلان حرب .
في المنطقة أيضاً روسيا بحضورها العسكري بكل ثقله ، وفهمها لأدق تفاصيل ما يجري ، وتفاصيل الساحة السورية والميدان ، وإيران الحليفة الأقرب إلى سوريا ، والمستهدفة الأهم من كل ما يجري ، ويوجد حزب الله الذي يشكل هدفاً رئيساً لأي حرب في المنطقة ، بالتوازي مع التعامل معه كأكثر التهديدات التي تخافها إسرائيل بكل جدية وتتحسب لردوده غير المتوقعة ، لا ننسى العراق الذي سيأخذ مكانه الطبيعي في محور المقاومة في حال نشوب أي حرب شاملة .
الجميع نصب طبول الحرب على منصاتها ، ورفع جهوزيته في الميدان بما يتناسب مع أي قرار يتخذ من طرف أرعن وأحمق ، وساحة الصراع في سوريا ، بكل أطرافها ومكوناتها ، مرتبطة ارتباطاً كلياً مع باقي ساحات الصراع في المنطقة والعالم ، والمشهد الذي يحاول الأميركي أن يرسمه للمنطقة يُـظهر ساحة حرب شاملة ستفرض على الجميع المشاركة فيها ، عندها ، قد ينقل طرف أو أكثر هذه الحرب إلى ساحات أخرى ، ومن المؤكد أنها لن تلتزم بإطار جغرافي معين ، ومن المحتمل أيضاً أن الصواريخ التي يتباهى بها الجميع ، ويخزنها ويكدسها في باطن الأرض أو البحر ، قد تصل إلى مطارح تجعل الأطراف تصرخ ألماً .
هنا ، تبقى النهايات المأساوية التي سيصل إليها الجميع على امتداد ساحات الصراع هي العامل الوحيد الذي يمكن التعويل عليه لمنع وقوع هذه الحرب .