إضاءاتالعناوين الرئيسية

أحلام عن المدرسة الخالدة.. مراد داغوم

Midline-News | الوسط…

.

في المرحلة الإعدادية، كنت في إعدادية أبي الفداءالرسمية 1967-1969. أذكر في فترة من الفترات أنني كنت أدخل إلى غرفة الصف بعد فرصة عشر دقائق وأنا في حالة انفتاح ذهني كاملة، مستعد لسماع محاضرات فلسفية معقدة فأستوعبها.
حيث دَرَجَت عادة الإدارة على بث أغنيات فيروزية منتقاة بعناية في إذاعة المدرسة خلال الفرصتين بين دروسنا الخمسة. كنا في الباحة نشعر بمتعة لا وصف لها، وأظن أن السبب هو عدم توقعنا أن تبث الأغنيات في المدارس العامة، ومن جهة أخرى كان سحر صوت فيروز لا يقاوم. وبالطبع لم يَدُم هذا الحال طويلاً.

في المرحلة الثانوية، انتقلت إلى مدرسة أخرى، يهمني أن أذكر هنا ما كنّا ندرسه في كتاب الأدب العربي الحديثفي الصف الثاني عشر (البكالوريا)، حيث كان الجزء قبل الأخير من الكتاب مخصصٌ لتدريسنا معلومات عن المسرح العربي، وقد أتعب المؤلفوت أنفسهم في صياغة دروس عن مسرحين اثنين لا غير هما مسرح توفيق الحكيمومسرح أحمد شوقي“. فتعلمنا أن أحمد شوقي كتب سبع مسرحيات غنائية، قام محمد عبد الوهاب بتلحين بعضها. دفعني اهتمام أستاذ المادة، المرحوم وليد قنباز، بمسرح الحكيم إلى قراءة أعماله المسرحية الكاملة وكانت متوفرة في مكتبة المركز الثقافي في مجلدين: (مسرح المجتمع) و(المسرح المنوع) بالإضافة إلى كتب مستقلة تتضمن مسرحيات كاملة.

حاولت بالمثل أن أجد ما يشدني في مسرح أحمد شوقي فما وجدت إلا الاستغراب من السطحية الواضحة في التعابير أو الأفكار، واللحن الساذج الذي كان يسبب لي نوبات من الضحك المتواصل كلما سمعت والد ليلى يقول: (قيس أجئت تأخذ ناراً أم جئت تُشعِلُ البيتَ نارا؟) بلهجة طفل يمارس هواية التمثيل للمرة الأولى.

سأقفز مباشرة إلى يومنا الحاضر، بعد أن فوجئت كالكثيرين من إدراج مادة (التعليم الوجداني) في المناهج السورية، لا بد أنها مادة ذات مضمون رفيع وبالغ السمو، لكنها في المحصلة مادة صمَّة جافة، سينفر منها المعلم قبل طلابه الذين التاعوا من قبلُ في مادة التربية الوطنية وفي مضامينها التي تكون في كل صف تسبق وعي الطالب بسنين.

يبقى (الهدف) من المادة هو المهم وهو الأساس، ولتحقيق هذا الهدف تضطر وزارة التربية إلى زيادة العبء على التلاميذ عندما تقوم بتحميل أذهان الطلبة ما ينوؤون بحمله، بينما البديل الأسمى والأرفع الذي يصل بالطلاب إلى ذلك (الهدف) السامي المرجو متوفر، بالغ اللطف، واسع الطيف، بمعنى أنه يتضمن كل التعاليم الوجدانية السامية التي نحلم أن تعشش في أفئدة الطلاب وأذهانهم. تخيلوا معي لو أن الوزارة بدل هذه المادة أدرجت جلسات استماع بتوجيه من مختصين مهمتها تحفيز ذهن التلميذ أو الطالب أن يستخلص المغزى السامي الكامن في كل عمل رحباني.

يمكن أن يتم اختيار 12 مسرحية رحبانية، ثم تقسيم المسرحية إلى مشاهد متسلسلة يستمعون في كل أسبوع خلال جلسة خاصة إلى قسم منها، بحيث يتوصلوا في نهاية العام الدراسي إلى دراسة المسرحية بتفاصيلها، والتمعن في الفلسفات الإنسانية المستترة في كل عبارة من عباراتها. وما دمنا في مرحلة التخيُّل، هل تتخيلون حالة الطالب الذهنية ووعيه الوجداني بعد أن يناقش مثلاً أغنية (القمر بيضوّي عالناس) مع زملائه والمدرس المختص ضمن سياق قصة مسرحية جسر القمرالتي تفيض وجداناً على أجيالٍ وأجيال؟

دعوني أسرح في الخيال أكثر، فأتصوَّر التلاميذ يتدارسون مع الموجِّه المختص التفاصيل المخبأة ضمن أغنية (تعا ولا تجي) في (بياع الخواتم)، تلك التفاصيل الحياتية التي تصف السلوك الإنساني الدراج في مجتمعاتنا بأسلوب فني بالغ الرقي عندما تناقش الأغنية مثلاً موضوع مراقبة الناس لبعضهم البعض ضمن المجتمعات المحافظة، عندما يقارن الرحباني عيون المراقبين بالإبر المسنونة وموضوع النميمة التي تتم حياكة أخبارها كما تحيك السيدة التكّاية” (وسادة المقعد):

ع عتاب البواب الإبر عم بتحيِّك

بتحيِّك تكّاية وبتحيِّك حكاية

والإبر مسنونة، والعيون مسنونة

ويا خوفي الحكي يجي

أو الجزء الآخر الذي يربط النميمة بالحسد، وأن خيوط النميمة تُغزَل بمغزل لتحميلها مغزى آخر:

الحسد عالطريق، الحسد عم بيزهِّر

زَهَّر بالدوارة، وزَهَّر عند الجارة

وغزلت بمغزلها قصتنا بمغزى لها

لوين رح التجي؟

عندما يتعرف الطلاب إلى الحل الرحباني لمشكلة الحرب بين قريتين في جسر القمر، وأن (صوت المعاول أحلى من رنين السيف)، أو إلى حل مشكلة (هولو)، اللص وقاطع الطرق، وكيف حاربت منتورةالشر وتغلبت عليه بالمحبة، وكيف يمكن للقطار أن يأتي بدون سكة لأن الإيمان الساطع بفكرة سوف يحققها بالتأكيد، وأن تسامح (لولو) مع مجتمعها الذي ظلمها وأدلها السجن لم يمنع افتضاح أمر المتآمرين على ضرر بريء، وعندما يطلع الطالب على سيرة فخر الدين المعني الثاني كما قدمها الرحباني سيتعرف إلى تاريخه أكثر وبشكل جذاب أكثر ويرفع عنده مفهوم الوطنيةإلى مراتب أسمى وأرفع، وكيف يمكن للإنسان أن يحقق أحلامه بالمابعة الحثيثة وإيمان المطلق بمقدراته الكامنة كما فعل برهومالامبراطور السابق.

لنعتبر ما سبق حلماً، ونتساءل: كم هو جميل أن يتحقق؟

فهو ليس بتلك الصعوبة.

.

*(مراد داغوم  مؤلف وموزع وناقد موسيقي  سوريا)

.

روابط الشواهد:

القمر بيضوّي عالناس

https://www.youtube.com/watch?v=zXDWPz_o15g

تعا ولا تجي

https://www.youtube.com/watch?v=Vzcw32fXNNU

 http://تابعونا على صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى